الغرب الذي غزا أراضينا العربية والإسلامية بالأمس يموّه اليوم على تنكيله بنا ونهبه خيراتنا بتلقيننا دروسا في الأخلاق
الغرب الذي غزا أراضينا العربية والإسلامية بالأمس يموّه اليوم على تنكيله بنا ونهبه خيراتنا بتلقيننا دروسا في الأخلاق
محمد شركي
أذاعت قناة الجزيرة القطرية يوم أمس خبراعتزام دول غربية محاكمة النظام السوري على جرائم تعذيب ارتكبها في حق الشعب السوري حين طالبه بالديمقراطية ، وبصون كرامته ، وهو خبر لا شك سيلقى ارتياحا كبيرا لدى الرأي العام العالمي، خصوصا الرأي العام العربي والإسلامي، لكن السؤال المطروح على تلك الدول الغربية التي قررت قرارها هذا تضامنا مع ضحايا التعذيب في القطر السوري هو : هل فكرت في يوم من الأيام أن تقيم ولو محاكمة صورية و رمزية لنفسها على ما اقترفته من جرائم مماثلة لجرائم النظام السوري حين كانت تحتل أراضينا العربية والإسلامية ؟
والجواب بطبيعة الحال معروف ينطق به واقع الحال ،لأننا طالبنا بتلك المحاكمة بالرغم من صوريتها ورمزيتها منذ جلاء الاحتلال الغربي عن أوطاننا بل طالبنا بأقل من ذلك ، وهو ومجرد اعتذار ، فأبى الغرب محتل الأمس وملقننا دروس في الأخلاق اليوم تقديم هذا الاعتذار متعاليا ومستكبرا ، ولا هو عبر عن أسفه وندمه على ما اقترف في حقنا من جرائم ، ولا على ما نهب من خيراتنا التي بها صنع رفاهيته اليوم .
وإذا هذا الغرب المتغطرس، يفرض اليوم علينا التأشيرات لدخول أراضيه بشروط تعجيزية ، ومقابل أموال لا يردها لنا إذا ما رفض تزويدنا بتلك التاشيرات ، فإنه بالأمس دخل أراضينا دون استئذان ، وكانت تأشيرته هي السلاح ، وقد دخل غازيا ، ولم يدخل سائحا كما يطالبنا اليوم بذلك إذا دخلنا أراضيه لنصرف على زيارتها فقط بعملاته الصعبة من أجل أن نتفرج على ما شاده من مقدرات خيرتنا المسروقة ، ومن جهد وعرق أبنائنا ، ونؤدي الثمن غاليا على سياحتنا بأرضه ليزداد هو رفاهية ،وتقدما، وتطورا ، واستعلاء ، وغطرسة .
ومن الدروس التي يموّه بها الغرب على ماضيه الاستعماري الحالك بل » الاستخرابي » على حد تعبير أحد الفضلاء، دعوتنا إلى نبذ ما يسميه الكراهية علما بأن هذه الأخيرة محاضنها إنما توجد في أراضيه ، ويكفي أن نذكر ما قاله أحد الوزراء في القارة العجوز حين تدفق على بعض بلدانها المهاجرون الأوكرانيون الفارون من جحيم الحرب حين ميّز بين العيون الزرقاء، والشعور الشقراء ، وبين ألوان عيون وشعور المهاجرين السوريين، وغيرهم من بلاد القارة السمراء، والصفراء على حد سواء .
فهذا هو الغرب الذي قرر بالأمس محاكمة طاغية سوريا ـ وهو بالفعل جدير بأن يحاكم وبدان على جرائمه الفظيعة التي شكر عليها بالعودة مؤخرا إلى جامعة الدول العربية ـ ، وهذا هو الغرب الذي استنكر سلوكا عنصريا ضد لاعب كرة قدم برازيلي ، ولكنه لم يستنكر أبدا مثل السلوك العنصري لذلك الوزير .
وبالأمس أيضا تداولت وسائل التواصل الاجتماعي شريطا مسموعا لمعلمة كندية خاطبت تلميذا عربيا مسلما اسمه عثمان ، وهي تقرّعه لأنه رفض الانخراط في زمرة تلاميذ شواذ أو مثليين بالتعبير الغربي العلماني ، وقد امتنت عليه أن هذه الزمرة قد احترمته خلال شهر رمضان ، وأين الشذوذ الجنسي الذي يحط من قيمة وكرامة الإنسان من عبادة الصيام التي تسمو به إلى علياء القيم الراقية السامية ؟ هذا هو الغرب الذي يلقننا وأبناءنا قيمه المنحطة تحت ذريعة الدفاع عن الحريات الفردية التي باسمها ترتكب الفواحش المنكرة ، ومن ينكرها منا يتهم، ويدان بتهمة الكراهية التي تعتبر إدانة فقط عندما تصدر من الطرف الأضعف، أما حين تصدر من الطرف الأقوى، فهي مشروعة، ولا تثريب على من تصدر منهم .
ولو تتبعنا وسائل إعلام الغرب يوميا لما عدمنا تلقينها لنا دروسها الأخلاقية ، وكلها عبارة عن تمويه على ما كان منه من ظلم صارخ لنا يوم غزا أرضنا ونهب خيراتها ، وكفى جرما فظيعا أنه استنبت في قلب وطننا النابض ورما سرطانيا أذاقنا ولا زال من ألوان الذل والهوان ما لا يوصف .
ألا يجدر بهذا الغرب أن يخجل من ماضيه الإجرامي ، ويحجم عن تلقيننا دروسه في الأخلاق ، وهو يدوس على ما سما منها ، و في المقابل يسوّق لنا ما انحط منها ، معتقدا أنه يحسن صنعا معنا أو بنا ؟؟؟
وبقيت كلمة أخيرة موجهة إلى شريحة من بني جلدتنا، والتي لا تفوتها فرصة دون أن تعبر بفخر،واعتزاز، ومباهاة عن انبهارها الكبير بالغرب دونما التفات أو انتباه إلى عُجَره وبُجَره ، وما أكثرها ، وما أشنعها ، وهي تنتشي أيما انتشاء بتقليده التقليد الأعمى في كل أموره وأحواله ، وتباهي بإتقان لغات أهله بنبراتهم ، ولي ألسنتهم ، وترى في ذلك تميزا عمن لا يحاكونهم في ذلك ، بينما تلحن اللحن الفظيع ، وترتكب ما لا يغتفر من أخطاء حين تتحدث لغتها الأم ، وهي أرقى اللغات بشهادة خصومها ،وقد وسعت كتاب الله عز وجل ، ومع ذلك تحملها تلك الشريحة وزر جهلها بها ، كل ذلك يصدر عنها وهي المستلبة والمنبهرة بالغرب مع أن الله عز وجل ارتضى لها أن تكون من خير أمة أخرجت للناس ، ولم يرض لها أن تحذو حذو غيرها شبرا بشبر حتى لو دخلوا جحر ضب دخلته وراءهم . وإن تلك الشريحة المنبهرة بالغرب اليوم لتستنشق في عقر جحر الضب رائحة بوله المنتنة، و مع ذلك تستطيبها، وهي تحت تأثير سكر الانبهار، والاستلاب ، والتقليد الأعمى، هي تنوب عن الغرب في تلقيننا قيمه المنحطة بحالها ومقالها .
Aucun commentaire