الغرور معرة ومفسدة للطباع
الغرور معرة ومفسدة للطباع
محمد شركي
لفظة « غُرور » ولفظة » غَرور » متلازمتان يستدعي بالضرورة حضور الواحدة منهما استحضار الأخرى ، وكلتاهما من فعل « غَرَ » الذي يعني خدع ، وأطمع فيما هو باطل .
وأول ما يغر الإنسان نفسه حيث يعجب بها، فيرضى عنها كل الرضى ، ويفتن بها على ما يكون فيها من مثالب، ونقائص، وعيوب ، فيتكبر، ويختال ،ويتيه، فيؤدي ويظلم . ومعلوم أنه وراء غرور النفس غَرور وهو ذلك المخلوق الشرير، إبليس اللعين ،الذي كان أول من فاه بعبارة » أنا خير منه » ، واقتبسها عنه خلق كثير من الجبابرة، والطغاة ،والمترفين الذين يطغيهم الجاه، والسلطان، والقوة ، والمال ، والعلم . وممن اقتبسوا تلك العبارة الدالة على الغرور والاستكبار فرعون مصر حيث قالها استخفافا بنبي الله موسى عليه السلام ، كما استخف إبليس اللعين من قبل بنبي الله آدم عليه السلام . ولقد قص علينا القرآن الكريم نماذج من المغرورين والمستكبرين الذين استخفوا بالأنبياء والرسل وبأتباعهم من المؤمنين.
وحري بالإنسان وهو مخلوق ضعيف ألا يركب غروره، وقد جمع له الله تعالى في محكم التنزيل كل الصفات السلبية بصيغ الميالغة ذلك أنه ظلوم ، وكفور، وكنود ، وجهول ، وقتور ، ومنوع ، ويئوس ، وجزوع ، وهلوع… إلى جانب صفات قدحية أخرى وردت بغير صيغ المبالغة تدل كلها على نقائص منها الفجور ، والطغيان …وغيرها
فهل من اجتمعت فيه مثل هذه الصفات المشينة يحق له أن يركب غروره ، علما بأن الواحدة منها معرة ،وكافية لجعله معيبا ؟
وإذا كان الغرور مستقبحا في كل ما يشعر الإنسان بالاستغناء من قوة أو جاه أو سلطان أو مال … فإن أقبح غرور هو غرور من يستغني بعلمه ، وهو لا يخرج من دائرة من قال فيهم الله عز وجل : (( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى )) بل هو على رأسهم لأنه كان الأجدر به وقد أغناه الله تعالى بنعمة العلم أن يكون مثالا ونموذجا في التواضع ونبذ الغرور والعجب . ولقد أثنى الله تعالى على أهل العلم ورفع من شأنهم عنده فقال : (( يرفع الله الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات )) ، ومع رفعه عز وجل من شأنهم أثنى على تواضعهم فقال : (( إنما يخشى الله من عباده العلماء )) ، ولا تجتمع أبدا خشية الله تعالى مع غرور وكبرياء ، ومن يخشى الله تعالى يستحيل أن يركبه الغرور ، ويعجب بنفسه ، فتزين له ازدراء خلق الله .
وإنه لمن المؤسف جدا بل من المحزن أن يتحلق طلبة العلم حول بعض العلماء رغبة في تحصيل العلم منهم ، فتبذر من هؤلاء تصرفات ، وسلوكات، ومواقف تنّم عن غرور وكبرياء، فيسأل الواحد منهم طلبته عن مسألة من المسائل في تخصص من التخصصات كان الأجدر به أن يتولى بيانها لهم لكنه يعدل عن ذلك فيسألهم ليعجزهم ، ويعجبه عجزهم ، وينتشي به ، ويصرف وقتا في لومهم وعتابهم لأنهم لم يجيبوه عما سألهم عنه ولمّا يسمعوا منه عنه شيئا من قبل ، ويكون لومه وعتابه توطئة لمفاخرته بعلمه ، وزهوه به عليهم، لأنه يعلم ما لا يعلمون ، وما هم عنه عاجزون ، وقد يعرض ببعضهم ساخرا منهم مستخفا ومستهزئا بهم، وناهرا لهم ، كل ذلك لأنه مصاب بعلة الغرور، معجب بنفسه ،تطربه العبارة الإبليسية أو الفرعونية » أنا خير من … » .
والغريب أن أمثال هؤلاء أصبحوا في هذا الزمان يسجلون على أنفسهم في وسائل الإعلام ، ووسائل التواصل الاجتماعي مشاهد ازدراء طلابهم بل وحتى جلسائهم ممن يحضرون مجالسهم، فضلا عما يدونه عنهم الكرام الكاتبين ، وما تشهد به عليهم ألسنتهم مما هو مدخر ليوم الدين ، علما بأنهم إذا خاضوا في الحديث عن تواضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي تفسير قوله تعالى : (( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك )) جاءوا بعجيب التفاسير مما ينقلونه عن السابقين ،وما يبدعون فيه إبداعا لكنهم لا يتشربون شيئا مما يقولون ، ولاهم يقتدون ، ولا هم يلزمون ما يعرفون ، وبينهم وبين ذلك حجاب ، وإن ذلك لمعرة وسبة ، ومفسدة لطباعهم خصوصا حين يعدمون الناصح الأمين الذي يهديهم عيوبهم ، و هم يطربون لمدح المادحين الكاذبين ممن يتملقونهم ، ويعينون عليهم الغَرور ليزداد غرورا واعتدادا باطلا بالنفس ،علما بأن الغرور إنما يظهر للناس نقائص المغرور .
Aucun commentaire