شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة بين الاستحقاق والاستيهاب.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة بين الاستحقاق والاستيهاب.
مما يتم تداوله هذه الأيام عبر مختلف وسائل التواصل، موضوع مباراة/امتحان شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، بسبب الضجة التي أحدثها تصريح وزير العدل فيما يتعلق بعدد الناجحين، وبسبب إقحامه لمسائل شخصية لا أرغب في الخوض فيها في هذا المقال، بقدر ما أرغب في مناقشة تدخُّله في الرفع من عدد الناجحين رغم « الضغوطات التي تعرض لها » حسب تصريحه نفسه.
إن من البديهيات المتعارف عليها بخصوص الامتحانات والمباريات، هو كون النجاح في الامتحان مرتبطٌ بالمعدل الذي تُحدده الجهات المعنية، بحيث يُعتبر ناجحا كل من حصل على المعدل فما فوق، كما هو الشأن بالنسبة لامتحان الباكالوريا عندنا على سبيل المثال، حيث حُدِّد معدل النجاح في 10/20، أما النجاح في المباراة فإنه مرتبط أساسا بعدد المناصب التي تُحددها الجهة المنظمة لها، ومن هنا يأتي التساؤل عن مُنطَلق السيد الوزير عندما صرح بأنه تدخَّل ليرفع عدد الناجحين من 800 إلى 2000، هل اعتبر أن الأمر يتعلق بمباراة أم بامتحان، فإذا كان قد انطلق من كون العملية عبارة عن امتحان، وذلك ما ينص عليه قرار وزير العدل رقم 43/ م.ش.م/ 22 بتاريخ 14 شتنبر 2022 الذي تُنظَّم بموجبه كيفية إجراء الامتحان الخاص لمنح شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة برسم سنة 2022، بحيث ورد في المادة 6 منه، أنه يُعتبر ناجحا في المادتين الكتابيتين كل مترشح حصل على معدل إجمالي يساوي على الأقل 80 من 160، ويُعتبر ناجحا في الامتحان بصفة نهائية كل من حصل في الاختبارين الكتابيين والاختبار الشفوي على مجموع نقط لا يقل عن 120، فإن السؤال المطروح هو كيف يُمكن القفز من 800 ناجح إلى 2000؟ أي بفارق يبلغ 1200 مترشح، هل لأنهم حصلوا على المعدل المطلوب وتم إقصاؤهم قبل تدخل السيد الوزير؟ أم لأنهم لم يحصلوا على المعدل، وقام السيد الوزير بتغيير عتبة النجاح لصالحهم؟ وفي كلتا الحالتين يبدو أن هناك خلل ما يتعين معالجته. فإذا كان الأمر يتعلق بالحالة الأولى، فينبغي الكشف عن أولئك الذين كانوا سيتسببون في حرامنهم من النجاح ومحاكمتهم، خاصة وأن الوزارة المعنية هي وزارة العدل، أما إذا كان الأمر يتعلق بالحالة الثانية فيتعين مُساءلة السيد الوزير عن السند القانوني الذي اعتمده لتغيير العتبة، مع العلم أن وزارته هي التي أصدرت القرار رقم 43 المشار إليه أعلاه. وفي انتظار الكشف عن الحقيقة بنشر اللوائح مع المعدلات المحصل عليها، فإني أُرَجِّحُ الحالة الثانية، وذلك انطلاقا من رده على المطالبين بنشر النتائج الذي قال فيه « بغاوني ننشر لوائح الناجحين والراسبين معنديش مشكل، ننشرهم، غير ميتصدمش شي واحد » بحيث يتم التساؤل عن الشيء الذي يمكن أن يسبب الصدمة ما عدا تغيير العتبة الذي يمكن أن نَتَنَبَّأ فيه بثلاث حالات:
- الأولى هي أن يكون عدد الحاصلين على المعدل مُساوٍ لعدد الناجحين وهو 2000 ناجح، وهي الحالة التي تتماشى مع مقتضيات المقرر 43.
- الثانية هي أن يكون عدد الحاصلين على المعدل أكبر من عدد الناجحين، أي أن هناك من تم خَرقُ القرار في شأنهم ومن ثم إسقاطهم.
- والثالثة هي أن يكون عدد الحاصلين على المعدل أقل من عدد الناجحين، وفي هذه الحالة، وحتى إذا اعتبرنا تجاوزا بأن للسيد الوزير الحق في عدم تطبيق القرار 43، وفي اعتبار أن الأمر يتعلق بمباراة وليس بامتحان، فإن مُشكلا آخر يُطرح، وهو مشكل يشمل جميع المباريات التي يُقبل فيها مترشحون دون الحصول على المعدل، ألا وهو مدى توفرهم على الحد الأدنى من المؤهلات التي تمكنهم من القيام بالمهام التي سَيُناطون بها. ولا شك أن هذا العامل من بين الأسباب الرئيسية التي تكون وراء ضُعف مردودية عدد من المقبولين في مجموعة من الوظائف والمهن، من بينها مهنة التعليم، التي أصبح قَبول عدد منهم في المباراة بمثابة صك على بياض لولوج المهنة، حتى أصبحنا نسمع لأول مرة بمصطلح « الأساتذة المرسبين » نسبة لأولئك الذي سقطوا في امتحان التخرج، مع العلم أن جميع التكوينات، سواء تعلق الأمر بتكوين الأساتذة أو المهندسين أو الأطباء أو غيرها من التكوينات لم تَخْلُ يوما من الذين لم يُوفَّقوا في امتحان التخرج.
شيء آخر لفت انتباهي في تصريح السيد الوزير وهو قوله: « شّتو الحرب اللي دارت بيني وبين المحامين على هاد الامتحان، ومع ذلك خْلَقتْ فيه ألفي منصب شغل وكان عليكم أن تساندوني. واش بغيتوني نخليو هاد ألفين واحد فالزنقة وميخدموش ». والإجابة على هذا الاستفهام، تأتي من المتضررين أنفسهم الذين لا يَسْتَوِهِبون (يطلبون الهبة) السيد الوزير، بل يطالبون بالالتزام بشروط الاستحقاق بما فيها القرار 43، هذا من جهة، من جهة أخرى، وحسب علمي فإن مجرد النجاح في الامتحان/المباراة لا يُخوِّل للناجح منصبا ماليا أو رقم تأجير يحق معه القول بأن صاحبه حصل على منصب شغل فعلي، كل ما يمكن التصريح به هو مشروع منصب شغل، ذلك لأنه سيضطر للتدرب عند محام مزاول، لمدة قد تدوم لسنوات قبل أن يتمكن من الاستقلال بنفسه، مع العلم أن هذا الاستقلال مشروط بمدى قدرته على اقتناء أو كراء محل للعمل، لتبدأ معاناته الحقيقة مع قدرته على جلب « الزبناء »، شأنه في ذلك شأن كل أصحاب المهن الحرة، التي لا تُوفر بالضرورة لأصحابها مدخولا قارا يضمن لهم الاستقرار المادي والنفسي في نفس الوقت، وهذا ما قد يدفع به إلى الدفاع عن قضايا وهو متيقن أن أصحابها على غير حق، كما يمكن له تَبَني قضايا لا أخلاقية وغيرها من الحالات التي لا يمكن لمحامٍ نزيه القبول بالدفاع عنها.
ختاما أقول، لا بد من اعتماد الاستحقاق أساسا لإسناد المهام والوظائف، وضرورة القطع مع سياسة الاستيهاب التي يُعتَبر النجاح دون المعدل المطلوب أحد أوجهها، وهو ما مكَّن العديد من غير المستحقين من مزاولة وظائف حساسة، على رأسها مهنة التربية والتعليم، التي لو سبقها إسناد المهام الوزارية انطلاقا من مبدأ الاستحقاق لما اسْتَشْرَتْ بالشكل السائد في مجالات متعددة.
Aucun commentaire