عندما يَزِرُ التلميذ وِزْرَ الوزارة والأستاذ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحسن جرودي
عندما يَزِرُ التلميذ وِزْرَ الوزارة والأستاذ
وأنا أبحث في كتب التفسير عن مدلول قوله تعالى في كتابه الكريم في الآية 164 من سورة الأنعام « وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ » صادفتُ في أحدها ما يلي: » أنه إخبار عن الواقع يوم القيامة في جزاء الله تعالى وحكمه وعدله، بأن النفوس إنما تجازى بأعمالها إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، وأنه لا يحمل من خطيئة أحد على أحد » وقلت في نفسي إذا كان هذا عدل الله يوم القيامة، فماذا عن البشر الذين يُحمِّلون أوزارهم لغيرهم في الحياة الدنيا مع العلم أن بعضهم يظنون أنهم يحسنون صنعا، وهو ما ارتبط في ذهني بخبر قيام الأساتذة « المقصيين من خارج السلم » بتنفيذ مجموعة من الأشكال الاحتجاجية على رأسها الامتناع عن تسليم أوراق تحرير الفروض الكتابية وأوراق النقط للإدارات التربوية ومقاطعة منظومة مسار وكافة الأنشطة التي تنظمها الإدارة التربوية، مع عقد العزم عن الإضراب عن العمل يومي الاثنين والثلاثاء 2 و3 يناير من السنة الجديدة، وذلك احتجاجا على عدم تنفيذ الوزارة الوصية على القطاع للاتفاق المبرم في إطار الحوار القطاعي يوم 26 أبريل 2011، وهو ما ذكرني أيضا بالإضرابات التي قام الأساتذة الذين تم توظيفهم في إطار التعاقد خلال الموسم الدراسي الماضي والتي لا شك أنها ستستمر خلال هذا الموسم.
وحتى أكون منطقيا، أُقِرُّ بأنني لم أطلع على فحوى الاتفاق، ومن ثم لا يمكنني الحكم لصالح طرف ضد الطرف الآخر، كما أنني لست على علم بكل المستجدات التي طرأت على ملف الأساتذة المتعاقدين منذ بداية عملية الشد والجذب بينهم وبين الوزارة، كل ما أعلمه هو أن هناك تبادل للتهم مع عمل كل طرف على تبرير تصرفاته، وكل هذا لا يهمني في هذا السياق بقدر ما يهمني هذا التلميذ الذي يتحمل تبعات هذا الشد والجذب بشكل مباشر، مع العلم أن آثاره السلبية قد تمتد إلى محيطه العائلي بصفة خاصة وبشكل مباشر وإلى المجتمع ككل بصفة عامة وبشكل غير مباشر وعلى المدى البعيد.
والسؤال الذي يُطرح بإلحاح على وزارة التربية الوطنية بصفة خاصة وعلى الحكومة بصفة عامة من جهة، وعلى الأساتذة المعنيين من جهة ثانية هو: ما ذنب التلميذ في هذا الصراع؟ وما رأي المدافعين عن حقوق الإنسان الذين انصبت اهتماماتهم على الشذوذ الجنسي والرضائية والإفطار العلني إلى غيرها مما يطلق عليه صفة الحق وما هو بحق، قلت ما رأي هؤلاء من هضم حق التلميذ في التعلم والدراسة في الظروف المادية والنفسية الملائمة لبناء شخصيته على أسس سليمة، سواء تعلق الأمر بالجانب المعرفي والمهاراتي أو بالجانب النفسي؟ والغريب في الأمر هو أنه في آخر المطاف يتم تحميله تبعات هذا العبث الذي إن لم يكن مقصودا، فإنه غَبِيّا بالنسبة لمن يُنصِّب نفسه مدافعا عن حق التلميذ من كلا الطرفين. ألا يمكن ابتكار طرق متحضرة لحل هذه المشاكل دون أن يؤدي التلميذ ثمنها المتمثل في حرمانه من الدروس، بل وفي تطبيعه مع التسكع في الطرقات الذي لا يجلب سوى المشاكل لهم ولأوليائهم، دون أن ننسى أن لهذا الأمر تبعات أخرى تتمثل في الهجرة نحو التعليم الخصوصي الذي يضمن للتلميذ على الأقل استيفاء حصصه الدراسية، حتى وإن كان هذا التعليم هو الآخر لا يخلو من مشاكل، مثل عدم توفرها على المعدات التجريبية ولجوئها إلى تضخيم النقط بالشكل الذي يحجب المستوى الحقيقي للتلميذ، دون أن ننسى الجانب المادي الذي يستنزف جيوب الآباء والأمهات ومشاكل أخرى يعلمها أهل الدار…
من هذا المنطلق أقول بأنه يتعين على الوزارة، بل وعلى الحكومة، وعلى مختلف الأطراف أساتذة وإداريين العمل على حل مشاكلهم دون المساس بحق التلميذ الذي هو حق للأمة، وإلا فإن كل التصريحات والتبريرات التي مفادها بأنها تُؤْثِر المصلحة العامة ومصلحة التلميذ، على المصلحة الخاصة مشكوك فيها. لا أريد أن أنَصِّب نفسي وصيا لا على الوزارة ولا على رجال ونساء التعليم المعنيين، لكني أعتقد جازما أنه إذا استمر الأمر على ما هو عليه، سيعمد التلاميذ وأولياؤهم إلى رفع دعاوى قضائية ضد الوزارة وضد الأساتذة وهو أمر أصبحنا نلاحظ إرهاصاته الأولى في عدد من القضايا التي تم رفعها ضد عدد من رجال ونساء التعليم، لا لشيء سوى لأنهم تصرفوا تصرفا كان عاديا إن لم أقل تربويا إلى عهد قريب، قلت سترفع دعاوى ضد الوزارة لأن التعليم حق من حقوق الإنسان يتعين على الدولة ضمانه بكامل شروطه، وضد رجل التعليم إما لأنه لا يستوفي التلاميذ حصصهم الدراسية، وإما لأنه لا يواكب مستجدات الساحة التربوية من حيث منهجية التعامل مع طرق اكتساب المعرفة بمفهومها العام، ذلك أنه إلى زمن غير بعيد كان الأستاذ هو المصدر الوحيد للمعرفة، بينما يتعين عليه التركيز على كيفية التعامل معها لأنها أصبحت في متناول الجميع، وبمعنى آخر على الأستاذ أن يُعَلِّم التلميذ كيف يتعلم وهو ما يقوم به عدد من لأساتذة الأكفاء، عوض استهلاك جزء كبير من الوقت في كتابة ملخصات منقولة حرفيا من الكتب المدرسية.
وختاما لا بد من التذكير بأن ورش التعليم لا يقل أولوية عن الأولوية التي تكتسيها قضيتنا الوطنية الأولى، وسوف لن أبالغ إذا قلت بأنه من الأوراش الوجودية، لأن به نكون أو لا نكون، مما يتعين معه إعادة النظر في كيفية حل المشاكل بعيدا عن كل ما يمس بحق التلميذ في الاستفادة من تعليم في المستوى، سواء من الجانب المعرفي والمهاراتي أو الجانب القيمي الذي أعطانا فيه أعضاء الفريق الوطني لكرة القدم وللعالم أجمع درسا بليغا يتعين استحضاره في كل آن وحين.
الحسن جرودي
Aucun commentaire