ما شاهدته البارحة، بعد نهاية مباراة المغرب ضد البرتغال، في جميع شوارع العاصمة الفرنسية، وخاصة شوارعها الرئيسية، يفوق الوصف ويعجز المرء عن نقله بكل أمانة وتفاصيل..
….. المختار عويدي
ما شاهدته البارحة، بعد نهاية مباراة المغرب ضد البرتغال، في جميع شوارع العاصمة الفرنسية، وخاصة شوارعها الرئيسية، يفوق الوصف ويعجز المرء عن نقله بكل أمانة وتفاصيل
..
فمباشرة بعد انطلاق صافرة نهاية المباراة، تلونت جميع شوارع وفضاءات العاصمة الفرنسية بسرعة البرق بالراية الوطنية، وتحولت إلى فضاءات للإحتفالات والتعبير عن الفرح، الصادر عن طوفان من مواطنينا المهاجرين، ومن يناصرهم ويدعمهم من جميع الجنسيات المستقرة بهذه المدينة.
وقد تحولت جادة الإليزي تحديدا، انطلاقا من قوس النصر وحتى ساحة الكونكورد، وكذا جميع الشوارع المتفرعة عنها والمؤدية إليها، إلى شلال بشري هائل، يستحيل توغله أو اقتحامه واختراقه، أو حتى الحصول فيه على موطئ قدم. شلال بشري متدفق في شكل كتلة بشرية متراصة، يغلي فرحا وانتشاءا وطربا، بفوز المنتخب الوطني وتأهله إلى المربع الذهبي. يتكون من مواطنينا المغتربين، الذين عبروا بجميع أشكال التعبير المتاحة، عن مشاعر الفرح والبهجة والسرور التي اجتاحتهم. فقد أطلقوا العنان للرقص والغناء والزغاريد وترديد النشيد الوطني، وإبداع العديد من الأهازيج المستوحاة من مجريات مونديال قطر وتصريحات اللاعبين والمدرب الوطني (سير سير سيييييير…..) وإطلاق كثيف للألعاب النارية، ناهيك عن إطلاق العنان لمنبهات السيارات التي ملأت سماء العاصمة
.
بالمختصر، فقد أغرق المكان بالرموز والأهازيج الوطنية، وخاصة منها الراية الوطنية، التي صبغت المكان باللون الأحمر القاني. وكذا بعض أشكال اللباس المغربي التقليدي، واستعمال الدفوف والطبول والمزامير، وكل ما يمكن للمرء أن يتخيله.
وقد خرجت ضمن الجموع والحشود الكبيرة المحتفلة، العديد من العائلات والأسر المغربية بجميع أفرادها وأجيالها عن بكرة أبيها، للمشاركة في هذا العرس الكبير.
ما رأيته البارحة حقا، أمر مثير ومدهش للغاية في كل تفاصيله ومجرياته. مدهش من حيث العدد الكثيف جدا لمواطنينا المهاجرين المستقرين بالعاصمة الفرنسية. والذين ينبهر المرء كيف خرجوا واجتمعوا بهذه السرعة، في هذه الأمكنة للاحتفال والتعبير عن الفرح. حتى قد يخيل للمرء أنهم قد انبعثوا من تحت الأرض، كي يخلدوا هذا الإنجاز الكبير لفريقهم الوطني. حتى أن هذا الخروج الكثيف جدا والمبهر، قد استنفر حشودا كبيرة جدا من قوات حفظ الأمن، التي خرجت مدججة بجميع وسائل قمع التظاهرات (هراوات، قذائف الغاز المسيل للدموع، أقنعة، أسلحة..) لمراقبة الوضع، والحرص على سلامة الإحتفال، والحيلولة دون حدوث انفلات أمني. خصوصا أن العاصمة قد تزينت، وهي بصدد الإستعداد لاحتفالات أعياد الميلاد.
مدهش من حيث المستوى الكبير للروح الوطنية، الذي أبانت عنه هذه الجحافل والجموع الكبيرة
لمواطنينا هنا بالمهجر، لا من خلال ترديدهم المتكرر للنشيد الوطني، أو التحافهم للراية الوطنية والإكثار من تقبيلها والتلويح بها، أو حرص كثيرين منهم على ارتداء ملابس تقليدية وطنية (الطربوش الأحمر وطربوش جبالة…). وكل هذا بالرغم من أن أكثر المحتفلين هم شباب دون الثلاثين من العمر، أغلبهم من مواليد فرنسا، لا بل حاصلين على الجنسية الفرنسية. وهو ما يدحض بشكل يكاد يكون قاطعا، الإعتقاد القائل بحصول إدماج شامل لهذا الجيل الجديد الثالث والرابع من المهاجرين، وتعرضهم للذوبان الكامل في المجتمع الفرنسي.
مدهش في سلميته ونظامه واحترامه للضوابط المعروفة، حيث أنه لم يسجل أي حادث يمكن أن يخدش الصورة الرائعة الراقية للإحتفالات والبهجة المعبر عنها، برغم صخبها الهادر وامتدادها إلى وقت متأخر ومجال أوسع من المدينة.
وبالنظر إلى ضخامة هذه الإحتفالات والأفراح التي عبر عنها مواطنونا، والتي غطت حتى على أفراح الفرنسيين هم أيضا بتأهل منتخبهم إلى نصف النهائي، فقد حضرت العديد من المنابر الإعلامية والقنوات الفضائية والتلفزية لتغطية مجريات احتفالات مواطنينا الكبيرة بغير قليل من الإهتمام.
حقا لقد عبر مواطنونا في هذه الليلة الغراء، عن وطنيتهم الكبيرة، وارتباطهم بالأرض والأهل والوطن والجذور، هناك في تربة المغرب الحبيب. فرقصوا وقفزوا وغنوا وهتفوا وصرخوا وضحكوا إلى ساعات متأخرة من ليل العاصمة الفرنسية، شديد البرودة وزمهريرها القارس جدا، حيث تفرقوا في نظام وانتظام وفخر واعتزاز بما حققه أبطالهم الأشاوس.
كل متمنياتي أن تمر أجواء ما بعد مباراة نصف النهائي ضد فرنسا، مهما كانت نتيجتها، بنفس أجواء الانضباط والرقي الذي أبان عنه مواطنونا هنا. تجنبا لما قد يصدر عن العنصريين المتربصين بجاليتنا من عداء وكراهية واعتداء.
عاش المغرب
Aucun commentaire