المصير المبهم لطلبة أوكرانيا!
اسماعيل الحلوتي
في الوقت الذي استبشرت فيه الكثير من الأسر المغربية خيرا بما قطعته على نفسها الحكومة في شخص وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار عبد اللطيف الميراوي من وعود في حل ملف أبنائها من الطلبة الفارين من جحيم الحرب الروسية على أوكرانيا، التي اندلعت في 24 فبراير 2022، معتقدة أنه لن يستغرق وقتا طويلا، وفق ما عودتهم عليه البلاد بقيادة عاهلها المفدى محمد السادس من رفع للتحديات وتجاوز الأزمات في أوجز الأوقات.
ولعل من بين أبرز العوامل الأساسية التي ساهمت في الرفع من منسوب الأمل لدى الطلبة الذين أجبرتهم الحرب على الهروب من جمهورية أوكرانيا، أنه إضافة إلى الاستجابة التي قوبلت به نداءات الاستغاثة من أجل إجلائهم التي أطلقتها أسرهم، حيث سارعت شركة الخطوط الملكية المغربية بناء على تعليمات ملكية سامية إلى تنظيم رحلات بأسعار تفضيلية لا تتجاوز 750 درهم شاملة لجميع الرسوم ابتداء من يوم الأربعاء 2 مارس 2022. إذ سهرت السفارات المغربية بالبلدان المجاورة التي نزحوا إليها على تنسيق وتيسير عملية الاتصال وترحيلهم في ظروف ملائمة، والتزم الوزير بمنحهم فرصة استكمال دراستهم العليا بالجامعات المغربية، من خلال وضع منصة رقمية رهن إشارتهم من أجل جرد قائمة بأسماء كافة المعنيين ورصد تخصصاتهم ومستوياتهم الجامعية.
وفي نفس السياق عاد ذات الوزير بعد مرور حوالي شهر من قدومهم مكرهين إلى أرض الوطن، وبعد أن سجلوا أسماءهم ضمن لوائح الراغبين في الإدماج، ليكشف لهم وأسرهم عن تواصل انكباب وزارته على دراسة الاقتراحات التي وضعتها فرقها المختصة، واعدا إياهم بقرب انفراج الأزمة والوصول إلى حلول متكاملة وجد مرضية، مشددا على استعداده الكامل لاستقبال جميع المقترحات والخيارات الممكنة والقابلة للتنفيذ، بما فيها التواصل مع البلدان المجاورة لأوكرانيا بغية تسهيل إمكانية الدراسة في جامعاتها بالنسبة للطلبة الراغبين في ذلك…
بيد أنه ومع توالي الأيام بدأ اليأس والتوجس من المصير المبهم يتسربان إلى أعماق الطلبة ويقض مضاجع أسرهم، مما اضطرهم إلى تأسيس تنسيقية تحت اسم « تنسيقية الطلبة المغاربة بأوكرانيا » تضم ممثلين لجميع التخصصات والشعب، وتشكيل لجنة إشراف تتولى التنسيق بينهم والوزارة والوصية، دفاعا عن حقهم المشروع في الإدماج ضمن النسيج الجامعي الوطني. لينطلق مسلسل الوقفات الاحتجاجية في اتجاه مطالبة الوزارة بضرورة الوفاء بوعودها والتزاماتها، خاصة بع وضع عدة مراسلات بمكتب الضبط، دون أن تتلقى أي رد. فكيف يعقل أن يقضي هؤلاء الطلبة وعائلاتهم زهاء ثلاثة شهور في محاولة التخلص من الآثار النفسية التي خلفتها الحرب في ذاكرتهم، من غير أن يجد ملفهم الصيغة الأنسب لتسويته؟
ثم إن ما زاد الطين بلة في أعقاب الانتظار والترقب، أن ذات الوزير الذي سبق له التعهد بحل المشكل من خلال التعجيل بإدماج الطلبة المعنيين الذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام تعقيدات لا قبل لهم بها من قبل، أقر يوم الإثنين 9 ماي 2022 أمام أعضاء لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب بوجود عدة صعوبات في عملية إدماجهم بالكليات المغربية، جراء ما يعترضها من معيقات على عدة مستويات منها إشكالية اللغة و »الطاقة الاستيعابية » في المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود، فضلا عن استحضار كافة التدابير اللازمة لضمان جودة التكوين في مختلف التخصصات والشعب.
وبصرف النظر عما سبق للوزارة الوصية أن قامت به في سياق البحث عن حلول مقبولة من اتصالات لدى الهيئات الدبلوماسية في بعض الدول الصديقة بأوروبا الشرقية، خاصة تلك التي تتوفر على نظام تعليمي مشابه لنظيره في أوكرانيا، لاستقبال الطلبة المغاربة في مؤسساتها الجامعية، فإنها بادرت كذلك إلى عقد لقاءات تشاورية مع شبكة عمداء كليات الطب والصيدلة وكليات طب الأسنان في القطاعين العام والخاص، قصد تدارس إمكانية إلحاق « طلبة أوكرانيا » بجامعاتهم. وهي المشاورات التي خلصت إلى وجوب تنظيم مباراة الولوج بالنسبة لكل الطلبة، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة التكوينات في هذه المجالات التي تستلزم التقيد بشروط الجودة، كما أنه جرى اعتماد خيار « 1-n » بالنسبة للطلبة من السنة الثانية إلى السنة السادسة، مع ضرورة مراجعة دفاتر الضوابط البيداغوجية الوطنية.
من هنا يتضح أن ما قيل حول المنصة الرقمية والإدماج لا يعدو أن يكون كلام الليل الذي يمحوه النهار، وأنه جاء فقط لتهدئة الأجواء ومحاولة تبديد مخاوف الطلبة وعائلاتهم. حيث يرى بعض المهتمين بالشأن التربوي أنه من الصعب إدماج كل هؤلاء الطلبة في مؤسسات التعليم العالي ببلادنا خلال الموسم الدراسي الحالي، فالإجراءات الإدارية وحدها تستغرق وقتا طويلا من حيث تصنيف الملفات ودراسة الوثائق التي يتعذر الحصول عليها في الوقت الراهن، بالإضافة إلى ما تتطلب العملية من بنية استقبال كافية وتأهيل لغوي، خاصة أن لغة التدريس بأوكرانيا تنحصر فقط في اللغتين الأوكرانية والروسية…
إن ما يحز في نفوس الكثير من متتبعي ملف « طلبة أوكرانيا »، هو تخبط المسؤولين في إيجاد حلول مناسبة لإنصاف المتضررين وإنهاء معاناتهم، حيث أنهم إلى جانب تداعيات الحرب الفارين من جحيمها، أصيبوا بالإحباط وهم يرون الموسم الجامعي يفلت من بين أيديهم، دون أن تكون الوزارة الوصية في مستوى ترجمة ما قدمته من وعود وتطمينات إلى حقائق ملموسة. فهل يعقل أن تكون الحكومة قادرة على تدبير الشأن العام لحوالي أربعين مليون مغربيا، وهي التي عجزت عن تسوية ملف بضعة آلاف من الطلبة؟
Aucun commentaire