بين الإفطار العلني والجرائم الكبرى!
اسماعيل الحلوتي
كثيرة هي الأحداث الإجرامية الخطيرة التي يعرفها مجتمعنا في عدة مناسبات، لكنها تمر مر السحاب دون أن تثار حولها زوابع الجدل، بالرغم مما قد يكون لها من عواقب وخيمة على اقتصاد البلاد وصحة العباد، بينما هناك أمور أخرى وأحداث لا ترقى إلى مستوى ذات الخطورة ومع ذلك تستأثر باهتمام المواطنات والمواطنين وتحظى بمواكبة إعلامية واسعة.
فقبل أن تهدأ عاصفة النقاش العقيم والتافه الذي أثاره الداعية المغربي ياسين العمري حول شخصية « الشيخة » في المسلسل الرمضاني الذي تبثه القناة الثانية 2M، وما ترتب عنه من ردود فعل متباينة بين مؤيد ومعارض، طفا على السطح خبر يشير إلى أن الشرطة القضائية أقدمت يوم الأربعاء 27 أبريل 2022 على مداهمة أحد المقاهي المتواجدة وسط مدينة الدار البيضاء، وأوقفت مجموعة من الشباب المغاربة بتهمة « الإفطار العلني » التي يعاقب عليها القانون الجنائي.
حيث تم ضبط هؤلاء المتجاهرين بالإفطار العمدي في نهار الشهر الفضيل رمضان مع العاملين بالمقهى وسط تجمع جماهيري غفير من المواطنين الذين حجوا بكثافة إلى مسرح « الجريمة »، ووقفوا يتفرجون على تلك العملية المباغتة، ناهيكم عما تداوله نشطاء الفضاء الأزرق عبر منصات التواصل الاجتماعي من تعاليق على الحدث، حيث انقسموا إلى مؤيدين للمداهمة وإلقاء القبض على « الجناة » ومعارضين لها، حيث يرى المؤيدون أن الإفطار العلني مخالف للشرع والقانون في بلد إسلامي محافظ على قيمه الدينية ويرفض المس ب »العقيدة الجماعية » للمغاربة، فيما يرى المعارضون والمتشبثون بإباحة الإفطار في واضحة النهار من شهر رمضان أن القبض على المفطرين يعد انتهاكا للحريات الفردية…
والمثير للاستغراب أنه وبعد الضجة الإعلامية الصاخبة التي أحدثها حادث اعتقال « وكالين رمضان »، لم تلبث السلطات الأمنية أن أفرجت خلال نفس اليوم على جميع الموقوفين، بعد أن جرى الاستماع إليهم في محاضر رسمية، علما أن الفصل 222 من القانون الجنائي يجرم الإفطار العلني في نهار رمضان وأن هناك دعوات مناهضة لتطبيقه ومطالبة بحذفه وتعطيل مفعوله. وهو الفصل الذي ينص على: » كل من عرف باعتناقه الدين الإسلامي، وتجاهر بالإفطار في نهار رمضان في مكان عمومي دون عذر شرعي، يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وغرامة مالية من اثني عشر إلى 120 درهما »، على اعتبار أن هذا الفعل يندرج في إطار استفزاز الشعور الديني للمجتمع.
وفي المقابل تم في نفس اليوم الأربعاء 27 أبريل 2022 إعلان المديرية العامة للأمن الوطني، عن تمكن عناصر فرقة الشرطة القضائية بمنطقة أمن بني مكادة بتنسيق مع المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة طنجة، من إجهاض عملية كبرى للتهريب الدولي للمخدرات وحجز شحنة قياسية تقدر ب »31″ طنا و197 كيلوغرام من محدر الحشيش، دون أن تحظى هذه العملية ذات الأهمية البالغة بما تستحقه من مواكبة إعلامية شأنها شأن العديد من عمليات التهريب والإرهاب الأخرى.
ففي هذا السياق يشار إلى أنه قبل أسابيع قليلة من الآن، كانت السلطات المغربية قد أعلنت عن إحباط عملية إرهابية دون أن يخلف ذلك أي صدى في أوساط المجتمع. حيث تم توقيف خمسة أشخاص موالين لتنظيم « داعش » الإرهابي كانوا يخططون لتنفيذ مشاريع تخريبية، ويعملون على تجميع محتويات ذات طبيعة متطرفة حول كيفية صناعة وتركيب المتفجرات والأجسام الناسفة. وقد أكد المكتب المركزي للأبحاث القضائية في المغرب على أن المشتبه بهم الخمسة تتراوح أعمارهم ما بين 21 سنة و44 سنة، وأن توقيفهم جاء على إثر عمليات أمنية متفرقة ومتزامنة في كل من مدن القنيطرة والعرائش وسوق السبت ولاد النمة وتارودانت والجماعة القروية السويهلة بعمالة مراكش…
وإلى جانب ما تحقق من إحباط لعدد من عمليات التهريب والإرهاب ببلادنا من قبل الأجهزة الأمنية، هناك كذلك ما يتعلق بضبط أطنان كثيرة من اللحوم الفاسدة والمواد الغذائية المنتهية الصلاحية التي كانت معدة للبيع هنا وهناك، حيث تحرص أجهزة المراقبة على حجزها وإتلافها قبل وصولها للمستهلك في مختلف المدن خلال الشهر الكريم رمضان وفي غيره من الشهور الأخرى. فضلا عما ظلت تكشف عنه التقارير السنوية للمجلس الأعلى للحسابات في السنوات الأخيرة من مظاهر سوء التدبير وتبذير المال العام سواء في الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية وغيرها كثير وخطير. فهل أضحى إفطار علني نهارا أو نقاش تافه أهم بكثير مما تقوم به الأجهزة الأمنية من إجهاض لعمليات التهريب والإرهاب وضبط لمواد غذائية غير صالحة للاستهلاك وما ترصده تقارير المجلس الأعلى للحسابات من ملفات فساد ثقيلة؟
إننا نأسف حقا لما صار عليه مجتمعنا من مبالغة في الاهتمام بتوافه الأمور في ظل تراجع الدور التربوي والتوعوي لكل من الأسرة والمدرسة والهيئات السياسية ووسائل الإعلام وكافة مؤسسات التنشئة الاجتماعية، أمام سلطة منصات وسائل التواصل الاجتماعي، التي غالبا ما يقع فيها تركيز النقاش على أحداث وأخبار ذات طبيعة عرضية. بينما تقتضي الحكمة عدم الانسياق خلف النقاشات العقيمة والشائعات والاتجاه نحو القضايا الأساسية الكبرى، حتى لا نجعل من الأشياء الصغرى تلك الشجرة التي تخفي الغابة، ذلك أن مواضيع من قبيل « الإفطار العلني خلال نهار رمضان » أو « الشيخات » وسواها، ليست بذات الأهمية التي تكتسيها مواضيع الغلاء الفاحش ارتفاع معدلات الهدر المدرسي والبطالة، تهريب المخدرات والاتجار في البشر، نهب وتبديد المال العام وترويج المواد الغذائية الفاسدة…
Aucun commentaire