هل فعلا ستحرك مأساة الطفل ريّان الضمير في الداخل والخارج لإعطاء رعاية وحماية الطفولة ما تستحقانه من أهمية ؟؟؟
هل فعلا ستحرك مأساة الطفل ريّان الضمير في الداخل والخارج لإعطاء رعاية وحماية الطفولة ما تستحقانه من أهمية ؟؟؟
محمد شركي
يكاد يحصل إجماع داخل الوطن المغرب ، وخارجه في الوطن العربي خصوصا ، و في باقي دول المعمورعموما أن هلاك الطفل المغربي ريّان مترديا في بئر سحيقة في غياب اعتماد معايير الحذر والحيطة من مخاطرها المهددة لكل الناس كبارا وصغارا على حد سواء ، هو حدث مفصلي من شأنه أن يوقظ الضمير داخل المغرب ، وفي الوطن العربي خصوصا ، و في باقي دول العالم وتحديدا الفقيرة من أجل السعي الجاد لإعطاء رعاية وحماية الطفولة ما تستحقانه من أهمية
.
وإذا ما كانت البئر التي تردى فيها الطفل ريّان حقيقية ، فإن هنالك آبار كثيرة مجازية مهددة للطفولة في دول العالم الفقيرة ، قد تفوق خطورتها خطورة » بئر ريّان » ، علما بأن إضافة البئر لطفل يحمل اسم ريّان الذي هو نقيض عطشان يعتبر مفارقة حيث هلك الريّان عطشا في البئر التي تحفر أصلا للري ودفع الظمإ.
وأولى تلك الآباء المهددة للطفولة بئر الفقر والفاقة ، وهي بئر عميقة سحيقة جدا ومنتشرة في البلدان الفقيرة ، كما أنها أشد تهديدا للطفولة ، ويكفي أن تستعرض نسبة الفقر في هذه البلدان لمعرفة حجم خطورتها . إننا في وطننا على سبيل التمثيل لا الحصر أو التشهير ، نرى الأطفال يجبرون على امتهان الكدية والتسول حيث يتم استغلال أولياء أمورهم للمتاجرة بطفولتهم بطريقة مهينة لها . وكم ارتفعت الأصوات تماما كالأصوات التي ارتفعت لإنقاذ الطفل ريّان ، ولم تسعف مع شديد الأسف والأسى الطفولة المستغلة في امتهان الكدية والتسول .
وثانية تلك الآبار بئر الجهل والأمية ، وهي بئر عميقة سحيقة أيضا ، وفي منتهى الخطورة نتائج إهلاكها للأطفال تكون على المدى البعيد حيث يموتون موت بطيئا حين يصيرون راشدين ، ويجدون أنفسهم غرباء في عالم قد تجاوزعصر الجهل والأمية بأشواط بعيدة ،كما أنهم يجدون أنفسهم عالة على غيرهم قد قيدتهم أغلال الجهل والأمية . والأطفال المتردون في بئر الجهل والأمية ، والأصوات المتعالية لإنقاذهم تصدح دون أن يستجاب لها أيضا مع أن الضحايا منهم كثر .
ثالثة الآبار بئر الحروب في بعض بلدان الوطن العربي تحديدا ، وهي بئر سحيقة أيضا ومهلكة ، وضحاياها من الأطفال يستنجدون ولا منجد لهم ، وهم يموتون شر ميتة بسبب نهم خوض الحروب لدى الساسة ، وبسبب نهم بيع وتسويق الأسلحة الفتاكة لدى من هم أشرس منهم ، والذين مع شديد الأسف ينصبون أنفسهم أوصياء على السلم العالمي ، ويدعون الدفاع عنه ، كما يدعون حماة الطفولة من الحروب التي تدمرها أسلحة يزودون بها متعطشين إلى الدماء بما فيها دماء الطفولة البريئة ، وكان من المفروض لو كانت الطفولة تعنيهم حقا كما يدعون ألا يزودوا هؤلاء الوحوش الكاسرة ولو برصاصة واحدة ، وكفى بذلك زجرا لهم ، وكفى بذلك صيانة وحماية للطفولة البريئة التي تقتّل تقتيلا . ولن نمثل لآفة هذه البئر المهلكة لكثرة الأمثلة ،وتعددها مما لا يخفى على أحد في عالمنا العربي ، ولكن لا بأس من ذكر مثال يدعو إلى العجب ، وهو استغلال الطفولة في خوض الحروب والمعارك مع التباهي بذلك كما هو الشأن بالنسبة لعصابات ما يسمى بجبهة البولزاريو التي لم يخجل مجرموها من استقبال الوسيط الأممي في نزاع الصحراء المغربية بأطفال مسلحين يدل تسليحهم على المجاهرة باستغلالهم، وحملهم على الإجرام في حق أنفسهم أولا وفي حق مواطنيهم في بلدهم الأم . وهؤلاء الأطفال الأبرياء لا يعانون فقط من بئر الحروب المهلكة بل يعانون أيضا من بئر الاحتجاز والاعتقال في معتقلات رهيبة محسوبة على المخيمات وما هي بمخيمات . ومع تعالي الأصوات لعقود من أجل فكر أسر الطفولة المغربية البائسة في معتقل تندوف بالجزائر لا زالت محنة تلك الطفولة على حالها ، ولا زال العالم يصم آذانه ويغض طرفه عنها ، وليس من خلاص لها سوى أن يخلى سبيلها لتلتحق بوطنها الأم وتتخلص من الأسر المقيت الممنهج ، والممول من قبل الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر والتي تزود عصابات إجرامية بالسلاح الموجه أولا إلى صدور هؤلاء الأطفال المحتجزين في معتقل تندوف إذا ما فكروا هم أو أولياء أمورهم في الفرار منه .
وليس حال الطفولة البائسة المتردية في بئر الحروب في سوريا واليمن وليبيا بأفضل مما هو الحال في تندوف حيث اتسعت مساحات المخيمات الرهيبة ، حتى صارت تفوق مساحات مدن كاملة ، ويكفي أن نشير إلى ما خلقته مؤخرا العاصفة الثلجية من آلام مبرحة للطفولة البائسة في سوريا التي يغض العالم الطرف عن مجرمها السفاح الذي يتلذذ بمعاناة هذه الطفولة ، وهو يحظى بالحماية من مجرمي الحرب في العالم الذين لا شغل لهم سوى تسويق الأسلحة الفتاكة ، والبحث عن بؤر التوتر لترويجها ، وجعلها في أيدي مجرمين في حق الطفولة البريئة ، وفي حق آبائهم وأمهاتهم وشعوبهم عموما .
ورابعة الآبار بئر استغلال الطفولة البائسة في الأعمال الشاقة عوض أن تأخذ مسارها الصحيح في مؤسسات التربية والتعليم ، وهو أبشع استغلال حيث يقتات من عرقهم مستغلوهم سواء كانوا أولياء أم مشغلين . ومع ارتفاع الأصوات المنادية بإسعاف هذه الطفولة لا مجيب ، ولا رقيب ، ولا حسيب .
ومما يدخل تحت استغلال الطفولة أيضا استغلالا أشد بشاعة ومقتا وساء سبيلا وهو الاستغلال الجنسي حيث تنتشر أوكار خبيثة تسوق فيها أعراض الطفولة لمرضى الشذوذ الجنسي الذين يموهون على إجرامهم في حق الطفولة البريئة ويتسترون بممارسة السياحة . وكم تعالت الأصوات محذرة من خطر تردي الطفولة البريئة في بئر الاستغلال الجنسي ، والتحذير مما صار يسمى سياحة جنسية لكن لا جواب لمن ينادى ، ولا رد فعل ، وهكذا تستمر مأساة تردي الطفولة في مستنقع الرذيلة مع شديد الحسرة والأسف والألم .
وخامسة الآبار بئر الهجرات من الجنوب المحكوم بالمستبدين إلى الشمال المحكوم بمن يزودون هؤلاء بالسلاح بالنسبة للقارة الإفريقية ، وهي بئر لا حد لعقرها حيث تتوالى الهجرات يوميا ، وأول ضحاياها أطفال أفارقة أكثرهم يخلقون أجنة في بطون أمهاتهم بعد تعرضهن للاغتصاب والاستغلال الجنسي خلال رحلات الهجرة الطويلة والمضنية والمأساوية ، وغالبا ما يستغل هؤلاء الأطفال كأطواق نجاة ، ويتم التفاوض في شأنهم بين المهاجرين الراشدين ، وهي جريمة نكراء في حق الطفولة ، واستغلال مقيت لها . ومع تعالى الأصوات لاستئصال أسباب هذه الآفة الخطيرة ، لا يحرك العالم ساكنا ، ولا تعمل الأنظمة المستكبرة على تخليص القارة السمراء من حكامها الطغاة المتسببين في مأساة الطفولة وغير الطفولة على حد سواء . ولا زالت الدول المستكبرة لا هم لها سوى الطمع في مقدرات هذه القارة ، ومقايضة الوصول إليها بالسكوت على الاستبداد فيها .
وسادسة الآبار بئر التخلي عن تربية الطفولة التربية السوية ، وهي بئر أشد عمقا وخطورة يتردى فيها ملايين الأطفال الذين تخلى أولياء أمورهم عن رعايتهم وحمايتهم كما يجب ،وقد ألقوا في ذلك الحبل على الغارب ، وتخلوا عن دورهم الأساسي في التربية والتوجيه ، وأوكلوا ذلك إلى المؤسسات التربوية التي لا تقل عنهم عجزا في الاضطلاع بمهامها التربوية ، وهو ما ينطبق عليه القول المشهور : » تشبث غريق بغريق » وليس من وراء هذا التشبث سوى هلاك الطرفين . ولقد حل محل أولياء أمور الأطفال ومحل المؤسسات التربوية في التربية السوية الإعلام الرقمي المنحرف منه، والمهدد للطفولة بما يبثه من سموم قاتلة فاتكة تجر الطفولة إلى المهالك . وبالرغم من تعالي الأصوات الصارخة بطلب نجدة الطفولة من هذه الآفة الخطيرة ، فإنه لا مجيب ، ولا محرك ساكن ، وخطر هذه الآفة دائما في استمرار ، والمفارقة أن أولياء الأمور قد صاروا بدورهم أكثر إدمانا على هذا الإعلام الرقمي المنحرف من أبنائهم ، وهو ما يكرس إدمان الطفولة عليه .
وسابعة الآبار بئر تعاطي الطفولة البريئة المخدرات والمهلوسات، وهي بئرأشد فتكا حيث تنشط عصابات تسويق سموم المخدرات والمهلوسات بين الأطفال في الأحياء الفقيرة ، والموسرة على حد سواء مع اختلاف نوع المخدرات المسوقة هنا وهناك حسب مستوى العيش . ومع ارتفاع الأصوات أيضا لإنقاذ الطفولة من هذه الكارثة ، فلا مجيب ، ولا رقيب ، ولا حسيب ، ولا ضمائر تتحرك لتدارك الطفولة المهددة في عقولها وأبدانها .
وأخيار نقول إن العالم الذي تحرك ضميره ، وتعاطف مع الطفل المغربي ريّان المتردي في بئر حقيقية ، عليه أن يتحرك بنفس الشكل للتعاطف مع الأطفال المتردين في كل الآبار المجازية التي سردنا نماذج منها ، وقد يكون ما لم نسرده أعظم وأخطر وأدهى ، ومع تعدد الآبار بالمهالك واحدة . وليس المطلوب أن تذرف الدموع ، أوتردد عبارات الأسى والأسف والحسرة ، أوتدبج قصائد الرثاء والتأبين ، وإن كان كل ذلك يدل على حركة الضمائر بل المطلوب لا بد أن يكون ملموسا محسوسا يحصل قيل حلول الهلاك حتى لا يصدق المثل العربي الشهير : » ماذا ضر الشاة سلخها بعد ذبحها » أو المثل المغربي : » البكاء بعد موت الميت خسارة » إذ الربح أن توفر الحياة للمهدد بالموت والخسارة أن يموت حتف نفسه ، ويكتفى البكاء والحسرة عليه .
Aucun commentaire