كفى مساسا واستخفافا بالمشاعر الدينية للمسلمين في هذا البلد الآمن
كفى مساسا واستخفافا بالمشاعر الدينية للمسلمين في هذا البلد الآمن
محمد شركي
يحدث بين الحين والآخر في بلادنا ما يستفز المشاعر الدينية للمواطنين من طرف بعض الجهات أو بعض الأفراد ممن لهم إيديولوجية أو توجه فكري أو ثقافي وافد ورافض للتوجه الديني في البلاد من خلال التجاسر بأشكال مكشوفة وأخرى فيها لف ودوران على المقدسات الدينية كتابا أو سنة أو نبوة أو صحبة النبوة أو مرجعية علمية أو مناسبة دينية … إلى غير ذلك مما يكتسي طابع القداسة لدى المواطنين في بلد يعتبر الإسلام دينه الرسمي .
وآخر ما اعتبر مساسا واستخفافا بالمشاعر الدينية للمغاربة هو استهداف مقدس من المقدسات بطريقة ماكرة ،وبنية مبيتة عن طريق إدراج نص من النصوص في كتاب مدرسي خاص بمستوى من مستويات السلك الابتدائي، تناول ما يسمى بزواج القاصرات ،علما بأن موضوعا كهذا لا يسمح مستوى المتعلمين في مثل هذه السن وفي مثل هذا السلك بطرقه أو تناوله معهم تحت أية ذريعة مهما كانت ، و هذا النص فيه إشارة إلى فتاة قاصر زوجها والدها من رجل يكبرها سنا ، وقد تعمّد صحابه أو أصحابه اختيار اسم عائشة للقاصر مع ذكر علاقة القرابة بين الزوج ووالدها ، وهو ما يوحي للتو بقصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، الشيء الذي يعني تعمد مع سبق الإصرار المساس بمشاعر الأمة الدينية ، كما أنه يعني استغلال المقررات الدراسية لتمرير هذا المساس المكشوف ، وهو أمر طالما أثاره بعض المحسوبين على التيار العلماني المجاهرين بعدائهم لكل ما يمت بصلة إلى الإسلام معتمدين أسلوب التعريض بالمقدسات الدينية سواء كانت نصوصا أوأشخاصا أومناسبات تحت ذريعة حرية الفكر والرأي والتعبير ، و ذلك في غياب رقابة الجهات التي تقع عليها مسؤولية أو بالأحرى واجب حماية المقدسات ، وضمان احترام المشاعر الدينية للمواطنين ، علما بأنها لا تتساهل مع أئمة وخطاب تجرمهم لأبسط الأمور، والتي يكون في الحكم عليها تعسف مكشوف لا مبرر له .
وهذا الحدث الذي استهجنه الرأي العام الوطني، واعتبره استفزازا لمشاعره الدينية كما تناولت ذلك وسائل التواصل الاجتماعي ، فرض التطرق في هذا المقال إلى موضوع كيفية التعامل الواجب مع المقدس الديني الذي من المفروض أن يظل بعيدا عن كل صراع فكري أو سياسوي أو مزايدة ، لأنه محل إجماع الأمة ، ويجب على الجميع مهما كانت قناعاتهم احترامه يل يجب التنصيص بقوانين على ذلك تماما كما توجد قوانين تفرض على الجميع احترام كل ما يعتبر احترامه محل إجماع الأمة .
والملاحظ منذ مدة ليست بالقصيرة هو تسارع وتيرة استهداف المقدسات في بلادنا والذي تقف وراءه جهات تريد إحداث تغيير في الهوية الإسلامية للبلاد وإحلال محلها هوية علمانية وافدة تحت شعار التحديث ، ومواكبة العصر ، وهي جهات مستأجرة من أجل تحقيق ما تروم الوصول إلى تحقيقه .
ولقد أخذ هذا الاستهداف أشكالا عدة يكفي أن نمثل له على سبيل الذكر لا الحصر بما تعرض له الإمام البخاري رحمه الله تعالى هو وصحيحه من تشكيك في مصداقيته التي هي فوق كل شبهة بشهادة أجيال متعاقبة من أهل العلم المشهود لهم برسوخ الأقدام فيه . ومعلوم أن استهداف صحيح البخاري يهدف بشكل واضح إلى استهداف الحديث النبوي الشريف ، ومن ثم استهداف كتاب الله عز وجل ، وهو ما حصل بالفعل إذ انتقل المستهدفون للصحيح إلى استهداف الذكر الحكيم ، وصاروا يقولون فيه بأهوائهم ما شاءوا ظنا منهم أن بناءهم الذي بنوه لاستهدافه له أساس متين وراسخ ، والحقيقة أنه أسس على شفا جرف هار فضح تهافته ، كما فضح ما وراءه من نوايا مبيتة .
إن الذين يراهنون على استدراج الأمة المسلمة إلى التنصل من هويتها الإسلامية إلى هوية وافدة بديلة رهانهم خاسر، لأنها تستقي اعتقادها وسلوكها من كتاب الله عز وجل، ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهما يمثلان معا مصدرها الأساس بحيث تتبع ما فيهما من أوامر ونواه ، وهي بذلك تتعامل على سبيل المثال لا الحصر التعامل المنصوص فيهما مع غيرها من أهل الملل والنحل الأخرى ، وهما يحددان حتى أسماء أو صفات أهل تلك الملل والنحل إلى درجة أن سورا من القرآن الكريم تسمت باسم هؤلاء كما هو الحال بالنسبة لسورة الكافرين وسورة المنافقين مقابل سورة المؤمنين . ولا يمكن لأي مهما كان أن يزعم أو يدعي أنه بإمكانه بأية طريقة أوسيلة أو تحت أي طائل أن يحدد لهذه الأمة كيفية تعاملها مع أصحاب الملل والنحل الأخرى ، وقد حسم القرآن الكريم والحديث الشريف في كيفيتها بنصوص لا تقبل تأويلا .
وكل المحاولات الحالية وحتى المستقبلية التي يريد أصحابها صرف هذه الأمة عن التزامها بما يمليه عليها كتاب ربها وسنة نبيها من قناعات ومواقف وتصرفات مآلها الفشل لا محالة طالما ظل الكتاب والسنة مصدرها ، ونظرا ليقين هؤلاء بأن استمرار بقائهما في الأمة يعني خسارة رهانهم ، فإنهم يلجئون إلى دسائس ماكرة وخبيثة تعتمد التشكيك فيهما ، لخلق هوة بينهما وبين الأمة ، وهم اليوم في مرحلة التطبيع مع التجاسر التدريجي عليهما بشتى الطرق الملتوية والمخادعة في انتظار أن تسنح لهم الفرص للتصريح بالإجهاز عليهما وفق الأجندة المسطرة والتي لا زالت طي الكتمان والسرية والتقية ، وهو ما لا يمكن أن يحدث أبدا لأن دين الإسلام قد أثبت تاريخيا أنه يزداد قوة وثباتا كلما اشتد التآمر عليه وعلى أهله .
وعلى كل من يستهدفونه أو من لهم صلة بهم أنهم في الحقيقة يقدمون له خدمة كبرى باستهدافهم الذي يحييه في قلوب أتباعه ، ويبعث الحياة فيها ،فيعودون إليه من جديد بعزيمة أكبر ، وبذلك يقطع الطريق على كل ما يراد بديلا عنه مما يحلم به الحالمون من خصومه سواء الحقيقيين أو المستأجرين من المحسوبين عليه الذين يتولون تلك الخصومة معه نيابة عنهم .
Aucun commentaire