عقدة الامتحانات وتجاهل المقاربة التشاركية
الأستاذ منير الحردول
في ظل الجدل القائم، حول مدى نجاح مايسمى بالتعليم عن بعد، وارتباطاته بالوضعية الوبائية التي اجتاحت العالم، وخلفت هلعا كبيرا في صفوف التجمعات السكانية، وما تبعها من قرارات جريئة وشجاعة وتاريخية، اتخدتها حكمة الدولة المغربية، رغم الوضعية الصعبة، للاقتصاد الوطني من جراء الجفاف، وإغلاق الحدود، البرية والجوية البحرية، مما سيؤثر لا محالة على قطاعات مهمة، يعتمد عليها الاقتصاد المغربي، خصوصا المرتبطة بالخدمات كالسياحة وغيرها، وانعكاسات تأثيرها على عشرات الآلاف من اليد العاملة وملايين الأسر.
لكن وبما أن الحياة أقدس، فلا أحد سيجادل الدولة في حكمتها، إن أقدمت على المزيد من الإجراءات المتشددة، بهدف كبح الاستهتار المرتبط بالتحركات السكانية ككل، لأن التجربة، والعبرة جوهر القرارات الشجاعة، التي سنتها مؤسسات الدولة الغربية، وبالأخص المؤسسة الملكية، التي تتابع الأمر عن كثب وتبصر تام ومستمر.
وبالعودة لتعليق الدراسة، وإشكالية التعليم والتعلم عن بعد، فهناك فرق شاسع بين الأجرأة الفعلية للقرار بين التعليم العالي، الذي وضع أسس ذلك، بالاعتماد على متخصصين في المعلوميات والنظم الحديثة، بغية تيسير الأمر للأساتذة، لتوجيه محاضراتهم إلى فئة طلابية واعية، ومسؤولة قادرة على الاستيعاب، والفهم والادراك بحكم مستواها العمري والادراكي لتقدير الأمور الصعبة، والظرفية الحرجة للوضع العام ككل.
وبين التعليم المدرسي، وبالضبط سلكي الابتدائي والاعدادي، وبالأقل الثانوي التأهيلي، فهذه الفئة تحتاج للمواكبة في كل شيء، ومن الصعب إن لم نقل من المستحيل، أن تكوم لهذه الفئة العمرية، القدرة على التعامل مع هذا النوع من التلقين، أي التعليم عن بعد، فهذه الفئة تحتاج للمراقبة الدائمة، بحكم أن طبيعتها ميالة أكثر للعب، ومن تم، فالتعامل معها يتطلب نوعا من الصرامة، والانضباط للزمن، و القدرة على المكوث أمام هذا النوع من التعليم مدة أطول، وجل الأسر المغربية، تعاني الفقر والهشاشة، ناهيك عن ظروف العيش الصعبة، والخوف النفسي، الذي يستحيل أن يدفع الأسر نحو الزام هؤلاء الأبناء بتتبع البرامج التعليمية، سواء في الرابعة أو الوسائل التواصلية الأخرى، والتي بالمناسبة متوفرة وبسيطة وشاملة لجميع المواد بدون استثناء، ويبقى المشكل كيفية الوصول إليها، وتحفيز الناشئة لتتبعها.
علاوة على ذلك، فهذه الطريقة تؤثر على أهم المبادئ المرتبطة بالعملية التعليمية، كتكافؤ الفرص والمساواة في التلقي، والفهم والادراك على مستوي الفئة المستهدفة، و ارتباط ذلك بخصوصية التلاميذ والأسر الثقافية، ووضعيتهم الاجتماية الاقتصادية.
هذا مع الاختلاف التام، الموجود بين الجهات والاقاليم والمدن والقرى، والمداشر والأحياء، ومواقع المؤسسات التعليمية، وبعدها أو قربها، وتلاميذ وتلميذات الداخليات، ووضعية المدارس الجماعاتية وهكذا دواليك.
كما أن تغطية صبيب الأنترنيت، تختلف من مكان إلى مكان لآخر، حيث لا يمكن اسقاط شيء، وتعميمه على الجميع، فهناك أسر كثيرة لا تتوفر على حواسيب، أو لا تشترك في الخطوط المرتبطة بالانترنيت، أو لا تتوفر بحكم امكانياتها عل القدرة على تعبئة الموصلات أو الهاتف، فهناك كذلك عراقيل أخرى كثيرة يصعب جردها في ظل هذا المعطى الحتمي، المرتبط بالوباء، والذي تحاول الوزارة الوصية التعامل معه وفق تدبير أزمة وبائية غير متحكم بها وفيها مفتوحة على كل الاحتمالات، وكل سكان الارض معنيون بها.
فتنويع طرق الايصال مهمة صعبة،لكن ليست مستحيلة، فالمعلومة التعليمية سهلة، و قد تتوفر بطرق عصرية، عبر وسائل الاتصال الحديثة، أو عن طريق أمور كلاسيكية كطبع الدروس أو غيرها، لكن المشكل الجوهري هو عدم التأكد أن هناك تفاعل مع الأمر، أو وجود ميول أو رغبة في التعلم، بحكم طبيعة الفترة العمرية للناشئة، ومن تم من الصعب الجزم في نجاح هذه التجربة، فلو كانت ناجحة لتبنتها الدول المتقدمة التي تتفوق علينا في الوسائل والعتاد والتكنولوجيا التواصلية، وتخلت عن ملايير الدولارات التي تصرفها على المدارس والمعاهد المختلفة!
أمام الوضع الحالي، ولتفادي الضغط النفسي، والمادي المستمر على الأسر، والتلاميذ والمدرسة، والوزارة في هذه الأوقات العصيبة، فالحل سهل ويقتضي نوعا من الجرأة والغيرة الوطنية ، في التعامل بمرونة الاستثناء، وليس التهويل الاعلامي، في مجال توقف الدراسة الاحترازي والمفيد للجميع دون استثناء.
فتجربتي المتواضعة، تؤكد ان الموسم الدراسي ناجح بكل المقاييس، لأن أغلب المقررات أنجز منها تقريبا نسبة 70 او 80في المئة. وبالتالي الاعتماد على نتائج للاسدس الأول(الدورة الأولى) والفروض المستمرة للطور الأول من الأسدس الثاني(الدورة الثانية) كافية لتحديد عتبة النجاح، وحتى نظيف نوعا من المصداقية على عتبة النجاح، نعطي للمجالس التربوية والتعليمية بشراكة مع الحراس العامون وأطر التوجيه المدرسي، سلطة تحديد من له الحق في الانتقال إلى المستويات اللاحقة، وفق شروط صارمة تربوية وتعليمية، لا تحابي أحدا، في المقابل، الدروس التي لم تنجز يخصص لها شهر من السنة الدراسية المقبلة، في المستويات الجديدة القادمة، وفق نموذج الدعم المزدوج وغير ذلك. هذا في حالة الطوارئ فقط.
وإيمانا منا بأهمية المقاربة التشاركية في بلورة أفكار جديدة غير ملزمة لأحد .
نرى أنه وفي ظل هذه الإكراهات الموضوعية المنطقية، حبذا لو نظرت الدولة في حالة استمر الوباء بخطورته، في الحل الاستثنائي، في هذه المرحلة الحرجة، وطمأنت الأسر، من خلال اصدار مرسوم استثنائي يلغي الامتحانات الاشهادية للسلكين الأساسي الابتدائي والثانوي الاعدادي والتأهيلي، ويتم اللجوء فقط في هذه المرحلة، لنتائج الامتحانات المحلية والفروض المنجزة لحد الآن في الدورة الثانية أي الأسدس الثاني، أواتخاذ قرار كبير في نفسية الأسر المغربية في هذه الظرفية الصعبة، واعلان نجاح جميع التلاميذ وانتقالهم للمستويات الموالية، مع تعويض الدروس المتبقية في بداية السنة المقبلة إن عولجت مشكلة هذا الوباء.
مع دمج تلك الدروس المتبقية في المستويات الجديدة للسنة المقبلة الموالية، مع التركيز على تقليص دروس بعض المستويات، ووضع استراتيجية للدعم المندمج، دون الحاجة إلى التعسف في طريقة وضع الإيقاعات التعليمية التعلمية، أو الزيادة في الزمن المدرسي، الذي لن يحقق شيئا إن ضغط على القدرة التحملية للناشئة، والتفصيل في ذلك طويل ويحتاج لصفحات! وإن أراد المسؤولون هذا التفصيل فأهلا وسهلا أنا في الخدمة.
هذا الإجراء إن تم، سيحقق الكثير من المكتسبات للبلاد، يمكن تلخيصها فيما يلي:
أولا: سيطمئن جل الأسر المغربية على مستقبل أبنائها وبناتها في قضية استكمال السنة الدراسية ، ويسعد تلك الأسر، ويدفع بها للانخراط التام في حماية وحراسة أبنائنا وبناتها، والاهتمام بما تتطلبه المرحلة، من وعي، ووقاية واتباع ما تقرره حكمة الدولة المغربية.
ثانيا: سيقلص بشكل جدري من الهدر المدرسي، ويشع باقي التلاميذ، الذين ينفرون من المدارس على العودة بقوة للحياة المدرسية.
ثالثا: سيوفر للدولة مبالغ مالية تقدر بالملايير هي بأمس الحاجة إليها في هذا الوقت العصيب، خصوصا المبالغ المرتبطة باللوجستيك ومختلق التعويضات المرتبطة بهذه العملية كالامتحانات وغيرها.
رابعا:سيخفف الضغط على الدولة، في تأمين الامتحانات، ومراكز التصحيح، ويدفع بها إلى الاهتمام بأمور أكثر أهمية، كوقف زحف هذه الجائحة المفاجئة، وتأمين ديمومة الحركة الاقتصادية ومناصب الشغل وزد على ذلك.
أمام هذا ، ها أنا أقترح من جديد من هذا المنبر الإعلامي، وأترجى من العلي القدير، أن يعيننا جميعا في هذه البلاد على التغلب على هذه الجائة، من خلال التضامن في كل شيء، حتى في مجال تبادل الأفكار والقدرة على تحمل الصبر في الإنصات الحقيقي.
الوطن يحتاج للجميع ويستحيل أن يكون
أما، وإن عادت الأمور لنصابها، فالكل سيعود إلى مكانه الطبيعي، والوطن، و سلامة المواطنين، أغلى وأهم من كل شيء.
وفي النهاية، نتمى أن تعود المياه لمجارها الطبيعي الاعتيادي، ويسلم الجميع من هذا البلاء الفيروسي المجهول المنبع، كما نجدد الدعم، المطلق على كل خطوة تخطوها الدولة للحفاظ على سلامة شعبها ومجالها الترابي.
1 Comment
أستاذي الفاضل أشكركم جزيل الشكر على هذه المقالة الجميلة التي ينتظرها التلاميذ الممتحنين بشوق كبير – نظرا لهذه الظرفية التي يمر منها تلامذتنا في اطار الحجر الصحي ،الدراسة عن بعد و التهييئ للامتحانات وخاصة الاشهادية منها …
موقع وجدة سيتي ومنذ نشأته الاولى برعاية الحاج حسين وفقه الله لا يمناع في نشر المواضيع التي تهم الجميع . دعوة لكم ولباقي السادة الأساتذة لنشر المواضع التي تهمنا وتهم فلذات اكبادنا لنسير بخطة تابته نحو مدرسة النجاح . واغتنمها فرصة لأشكر الحاج حسين قدوري على نشر الدروس المصورة النافعة التي سجلها ونشرها بهذا الموقع المتميز ، قبل ظهور هذا الوباء اتمنى اعادة نشرها بانتام والشكر للسادة الاساتذة الذين قاموا بذلك مجانا . فاللهم اجعل اعمالهم خالصة لوجه الله بلا رياء ولا سمعة .
مرة شكرا لكم والدعوة للجميع ونحن ننتظر .
-عكاشــــــــــــــ أبو حفصـــــــــة ــــــــــــــــــــــــة .