أي جدوى لنصائح منظمة الصحة العالمية للمسلمين؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أي جدوى لنصائح منظمة الصحة العالمية للمسلمين؟
الحسن جرودي
في إطار تتبعي للمستجدات المحلية والعالمية المتعلقة بفيروس كورونا، لفت انتباهي مقال ورد بجريدة وجدة سيتي الإلكترونية تحت عنوان: « نصائح هامة من منظمة الصحة العالمية للمسلمين خلال شهر الصيام في زمن كورونا » بتاريخ 21 أبريل 2020، والتي يمكن إجمالها في الآتي:
شرب السوائل لتعويض ما يفقده الجسم أثناء ساعات النهار (ما لا يقل عن 10 أكواب)
بما أن رمضان يأتي هذا العام في أيام حارة، ويمتد الصيام لساعات طويلة، حيث تصل مدة الصيام في المتوسط إلى 15 و 16 ساعة يوميا، فإنه من الضروري التواجد في مكان مُظلل وجيد التهوية خلال ساعات الظهيرة، وتجنب التعرض لأشعة الشمس؛
يجب تناول وجبة إفطار صحية ومتوازنة لتعويض مستويات الطاقة لدى الأشخاص؛
يجب تناول الكثير من الخضروات في وجبة الإفطار لتزود الجسم بالفيتامينات والمغذيات، بالإضافة إلى الحبوب الكاملة التي تزود الجسم بالطاقة والألياف،
تناول اللحوم الخالية من الدهون والدجاج بدون جلد والأسماك سواء كانت مشوية أو مطهوة في الفرن للحصول على حصة جيدة من البروتين الصحي. وتجنب الأطعمة المقلية أو المُصنعة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون أو السكر.
انطلاقا من فَرَضِيَّة صحة هذه النصائح ودون التقليل من أهميتها بالنسبة للبعض، فإن المنطق يقتضي مساءلتها لوضعها في سياقتها والتعرُّف على خلفياتها. ومن هذا المنطلق فإني أود تسليط الضوء عليها من زاويتين متكاملتين، الأولى تتعلق بتوقيتها والثانية بمدى ملاءمتها لعموم المسلمين عبر العالم.
ففيما يتعلق بالزاوية الأولى يُطرح السؤالُ: لماذا تكَرَّمت منظمة الصحة العالمية بنصائحها على الأمة الإسلامية هذه السنة بالذات دون سابقاتها؟ وقد يقول قائل بأن هذه السنة تتميز بحلول جائحة كورونا من جهة، وبتوقيت رمضان الذي تزامن مع شهرٍ يَطول نهاره وترتفع درجة حرارته، كما أشارت إلى ذلك المنظمة. والرد على هذا هو كالآتي: إن الصيام شُرع للناس منذ ما يزيد عن 14 قرنا، ومنذ ذلك الحين وشهر الصيام يَدور مع فصول السنة حارَّها وقارَّها مع ما صادفها من الأمراض والأوبئة التي تم التعامل معها بحسب الظروف وبحسب ما تَوفَّر من الإمكانات في غياب منظمة الصحة العالمية التي تكن موجودة بعد، وقد كان الكِتَابُ والسُّنَّة وما تَضمَّنهُما من تشريعات وتوجيهات هما المرجعان الأساسيان في التعامل مع الواقع المعيش للمسلمين، بحيث رخَّص القرآن الكريم للمريض والمسافر بالإفطار في الآية 185 من سورة البقرة « وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ » كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُنَنا نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تعجيل الفطور مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم « لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر » وحثه على السحور مصداقا لقوله « تسحروا فإن في السحور بركة » كما كان صلى الله عليه وسلم يؤكد على أهمية التمر سواء في الفطور أو في السحور حيث قال: « نعم سحور المؤمن التمر » وقال « إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر » كما روى الترمذي وأبو داود أنه « كان صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطيبات، فإن لم تكن رطيبات فتمرات، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من الماء » ، مع العلم أن مقاصد الصيام تتجاوز الجانب المادي إلى الجانب الروحي.
ومع تقدم الطب في السنوات الأخيرة وتوفُّرِهِ لبعض شرائح المجتمع الإسلامي، تم تدعيم التوجيهات النبوية كلما كان ذلك ممكنا بالنصائح الطبية التي تُسدَى حسب طبيعة المرض ومستوى تأثيره على المصاب. وما كورونا إلا حالة مَرَضِيَّة من بين الحالات المرضية الكثيرة التي تعرَّض لها ويَتعرضُ لها المجتمع الإسلامي بل والعالمي، ومن ثم وجب التعامل مع الصائمين في ظلها كلٌّ حسب حالته الصحية والمادية والمعنوية، ولا يمكن بحال من الأحوال تعميم نفس الخطاب على كل أفراد المجتمع الإسلامي المصاب وغير المصاب والغني والمُعدَم، لا لشيء سوى أن الأمر يتعلق بشهر الصيام .
أما بالنسبة للزاوية الثانية فالأمر يتعلق بالشريحة التي وُجِّهت لها هذه النصائح، أهي لخاصة المسلمين أم لعامتهم، أم فقط للاستهلاك الإعلامي، ذلك أن الخاصة في غِنى عنها، لأن لهم من الإمكانات ما يسمح لهم باستشارة أهل الخبرة في الطب وفي ميدان التغذية إن أرادوا ذلك، أما العامة وهم السواد الأعظم الذين لا شك أن منظمة الصحة العالمية أعلمُ من غيرها بظروفهم التي تَفتقِر لأدنى مقومات العيش الكريم بسبب الحروب العسكرية والاقتصادية والقيمية المفروضة عليهم، لِتَتَفضَّل بنصحهم بتناول الأسماك المشوية أو المطهية في الفرن وتناول الكثير من الخضروات وتناول اللحوم الخالية من الدهون والدجاج بدون جلد !!!! وهو ما يذكرني بأحد برامج الطبخ الذي كان يعده المرحوم بركاش للتلفزة المغربية حيث اقترح وصفة يتم خلالها حشو كتف الخروف بكفتة العجل، وهو يعلم علم اليقين أن وجبات أغلب المتتبعين لبرنامجه تتكون من الخبز والشاي وشيء من زيت الزيتون أو الخبز مع شيء من الزيتون الأسود أو كاس من حليب طازج. لذا أرجو من منظمة الصحة العالمية إن كانت فعلا عالمية أن تتجاوز الخطاب الموجه للاستهلاك الإعلامي الذي جَسَّدتهُ في إسداء نصائح موجهة لأشخاص ومجتمعات هم في غنى عنها، إلى الفعل إذا كان لا زال في إمكانها أن تفعل شيئا على أرض الواقع، من خلال توفير الماء الصالح للشرب للذين يَضْطرون لاستهلاك الماء الملوث إن وجدوه، وهم كثر مسلمين وغير مسلين، وتوفير الحد الأدنى من الطعام للذين يتحدد سقفهم المعيشي في توفير خبز وماء، وتوفير المأوى والملبس للذين لا يجدون ما يسترون به عوراتهم، عوض نصحهم بالتوقي من حر الظهيرة، خاصة وأننا نعلم أن جل هؤلاء ممن يعملون في البناء والزراعة وغيرهما تتوقف معيشتهم على العمل إن وجدوه دون التمييز بين الحر والقر سواء أفطروا أو صاموا. كما أرجو أن تعمل على توفير الدواء لمختلف الأمراض التي يعاني منها الأفارقة والأسيويون بغض النظر عن دينهم أكانوا مسلمين أو غير مسلمين، مع العمل الجاد على إيجاد لقاح لوباء كورونا في أقرب الآجال، وما عدا هذا فيبقى كلاما لا حاجة لا للمسلمين ولا لغيرهم به لأنه لا يسمن ولا يغني من جوع ولأنه يضرب مصداقيتها في العمق.
الحسن جرودي
Aucun commentaire