الغوغاء
محمد شحلال
يمكن الجزم بأن بلدنا قد برهن بما لا يدع مجالا للغو ،بأنه دولة حقيقية، حينما وضع كل أجهزته في مواجهة اللحظة الاستثنائية التي نمر بها ،وهو تقليد سجله التاريخ في اللحظات الحاسمة.
لقد استيقظت الأريحية في عموم المغاربة،فتنوعت أشكال التضامن العلنية والسرية، حتى تلجم أفواه الشر التي تتصيد الهفوات لإشعال الفتنة إرضاء لنفوس مريضة، يؤرقها أن يعيش الآخرون حياتهم الطبيعية.
كانت المحاولة الأولى لإثارة البلبلة،هو ذلك السيل من الأخبار التضليلية التي تصدت لها الجهات المعنية-مشكورة-بحزم ،وجعلت هذه الطفيليات تتحول إلى مخلوقات منبوذة بفعل شذوذها عن القاعدة،وعلى نفسها جنت براقش.
اعتقدنا بأن الرسالة قد وصلت،وأن أجهزة الدولة ستتفرغ للأهم، حتى نثبت لأنفسنا بأننا نستحق الانتماء للعصر،لكن البلد تلقى طعنة من الخلف ليلة أمس، حين هب بعض الغوغاء ليفسدوا الانضباط الذي بدأت مؤشراته تترسخ في أوساط الشعب، بعدما استوعب عواقب الخروج عن الجماعة.
من المؤسف أن يكون بيننا مواطنون لا يهنأ لهم بال إلا بمعاكسة المألوف،متوهمين أنهم أوصياء على الدين من دون الناس !
هل يحتاج المسلم إلى ركوب الأهوال والصراخ ليلا لكي يستجيب الله ؟ هل من الإسلام في شيء أن يغامر هؤلاء بالخروج محفوفين بالأطفال من أجل توفير مرتع خصب للفيروس ليصيب الأبرياء ويجعل الدولة في حيص بيص ؟
إن المتتبع للشأن الديني بالمغرب، يلاحظ بأن فئة متعاظمة من إخواننا في المواطنة،يؤسسون لتقوية تيار يعاكس توجه الدولة التي اختارت المالكية والوسطية مذهبا توافق عليه المغاربة منذ قرون خلت ،وكل ذلك من أجل فرض تعاليم لم نعهدها إلى درجة أن منها ما يثير الغرابة: في التحية وطقوس الصلاة وأمور أخرى عديدة.
إن القاسم المشترك بيننا كمسلمين ،هو التوحيد والسير على منهج الرسول الكريم ما استطعنا ، لتظل علاقتنا بربنا مباشرة لا يعرف طبيعتها وقوتها إلا هو عز وجل، أما الخروج الاندفاعي ليلا لزعزعة الاختيار الذي قررته الدولة، بدعوى محاربة الوباء،فإنه مجرد صرخة في واد ضررها أكبر من نفعها،بل هو طعنة غادرة لسماحة ديننا الذي يدعو إلى الأخذ بالأسباب،وعلى رأسها التماس الدواء لدى الطبيب،فعما يبحث هؤلاء إن لم يكن إشعال الفتنة وتعميق الجراح؟
هل تناسى هؤلاء الذين صموا الآذان النائمة والمرضى والخائفين، آداب الإسلام ؟ ألا يذكرون رد الرسول الكريم على صاحب الناقة حين قال: أأعقلها أم أتوكل على الله ؟ فأجابه المصطفى عليه السلام: أعقلها وتوكل على الله ! أي عقلانية بعد هذه ؟
إن تصرفا من قبيل ماحصل أمس، لا ينبغي أن يمنعنا من مطالبة الدولة بتسخير وسائل الزجر التي تنفع مع هذه الفئة من المواطنين ،التي لا تتعدى معرفتها تعاليم بعض حملة الشر الذين يعادون الله ورسوله وإخوانهم تحت وقع الجهل بروح ديننا الحنيف الذي فصل في شأنه ربنا حين يقول:(إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء).
اعتقد أن السواد الأعظم من المغاربة قد غضبوا وتألموا لما حصل، وسوف لن يزيدهم ذلك إلا تضامنا وانضباطا لمواجهة الجائحة حتى تنكشف الغمة بمشيئة الله الذي لم يشترط علينا الصراخ للاستجابة، بل حثنا على صفاء السرائر.
تحية لكل الشرائح التي تغامر بحياتها وراحتها ليسلم الوطن، وتبا للغوغاء وشذاذ الآفاق أينما كانوا.
Aucun commentaire