لا لتزويج القاصرات ولكن ماذا بعد؟
بسم الله الرحمن الرحيم
لا لتزويج القاصرات ولكن ماذا بعد؟
صرح وزير العدل المغربي، حسب ما ورد في مقال بجريدة هسبريس الإلكترونية بتاريخ 19 فبراير 2020، أثناء لقاء نظمته المؤسسة الدبلوماسية أمام مجموعة من سفراء الدول الأجنبية المعتمدين بالمغرب، بأنه يعتقد بعدم وجود داع لهذا الاستثناء، وهو يقصد السلطة التقديرية التي أعطتها المادة 19 من مدونة الأحوال الشخصية للقضاة للسماح بتزويج القاصرات في بعض الحالات، مشيرا إلى أن هذه المادة التي كانت محط دعوات مستمرة للحكومة لإلغائها ماضية نحو الزوال، مستندا في ذلك إلى تطور المجتمع الذي يرفض تزويج القاصرات والذي يستعد لتصحيح السلطة التقديرية للقاضي.
وإذا كان رفض تزويج القاصرات أمرا محمودا في حد ذاته، فإن الإنصاف يقتضي عدم تناول الموضوع بكيفية مجردة عن السياق الذي تُجرى فيه هذه الممارسة، ذلك أن حكم القاضي بالسماح لهذا النوع من الزواج لا يمكن أن يكون اعتباطيا ودون وجود مبررات قوية تجعله يستحضر مصلحة مختلف الأطراف المعنية وعلى رأسها مصلحة القاصر نفسها، وإلا فإنة ليس أهلا لممارسة مهنة القضاء، ومن ثم فإذا كان لأحد أن يناقشه أو يراجعه في الموضوع فلا بد أن يكون من أهل الاختصاص الذين يُقدِّرُون المصلحة حق تقديرها، ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون من أولئك المعارضين ذووا الصِّفَة المبنية للمجهول الذين يعارضون كل شيء له علاقة بالدين تحت أقنعة تطور المجتمع والحريات الفردية والحقوق الكونية…
هذا من جهة، من جهة أخرى ما معنى طمْأَنة وزير العدل للسفراء الأجانب بأن المغرب ماض في القطع مع تزويج القاصرات؟ هل الأمر يتعلق بعملية إخبار؟ أم أنه يتعداه إلى عملية تقديم الحسابات لهؤلاء الأجانب الذين أصبحوا يتدخلون في خصوصياتنا باسم نفس المبررات والمسميات التي تلقفتها مجموعة من الببغاوات وأصبحت ترددها بمناسبة وبغيرها، إما عن إمَّعية وإما عن مقابل يتم تقاضيه عن طريق تمويل جمعيات وهيئات أصبحت تنبُت كالفطر، والتي رغم تعدد أسمائها فإن هدفها واحد لا يخرج عن خدمة أجندة علمانية تبذل كل ما في وسعها لمحاربة كل ما له علاقة بدين الأمة وقيمها وثقافتها الأصيلة.
جميل أن يُصرح الوزير وهو مُحق في ذلك بأن مكان البنت القاصر هو المدرسة، ولا أعتقد أن هناك من سيجادله في ذلك، إلا أن الواقع يعج بفتيات قاصرات لا هن في المدرسة ولا هن متزوجات، وتفاديا لكل غموض نطلب من السيد الوزير أن ينورنا بنسبة الفتيات القاصرات وحتى غير القاصرات اللواتي تم تزويجهن وهن لا زلن يتابعن دراستهن بشكل عادي؟ أما تزويج المتألقات منهن فذلك من قبيل المستحيل. ألم يكن حَريا بالحكومة أن تحرص على إصلاح حقيقي للتعليم تتكافؤ فيه فرص جميع شرائح المجتمع وتكونُ لشهادة التخرج من مستوى من مستوياته قيمتُها التي تَضمَن للحاصل عليها الاندماج في المجتمع والحصول على لقمة عيش كريمة، عوض الخوض في هذه الأمور التي لا يمكن أن تُحَل إلا في إطار شمولي يأخذ جميع المتغيرات بعين الاعتبار، أما الاحتفاظ بالفتيان والفتيات في المؤسسات استجابة لضغوط المؤسسات الدولية التي أصبحت تتحكم في السن الأدنى لمغادرة الدراسة على الرغم من أن المستوى التعليمي الهزيل لجلهم يكون عائقا أمام اندماجهم في السير العادي للمؤسسات التعليمية، وغالبا ما يكون سببا في عدم انضباطهم وتمردهم على كل قيم الجد والصدق واحترام الآخر، بدءا بأقرانه وانتهاء بالأساتذة والإداريين وربما حتى على أولياء أمورهم. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ما مصير الفتاة أو الفتى الذي وجد نفسه خارج أسوار المدرسة لسبب من الأسباب، التي لا شك أن السيد الوزير يعرفها حق المعرفة، سواء كانا بالغين أو لا يزالان في عداد القاصرين حسب مدونة الأحوال الشخصية (18 سنة)، سوى أن أغلبهم يصبحون عالة على أسرهم وعلى المجتمع بصفة عامة، في ظل عدم إتقانهم لأية حرفة أو مهنة من المهن والذي يرجع في جزء منه إلى تبني قانون تجريم تشغيل الأطفال الذي يحتاج تطبيقه إلى وجود أرضية ملائمة، ذلك أنه إذا كانت المؤسسات التعليمية في عدد من البلدان المتقدمة تعتمد ضمن برامجها مجموعة من الأنشطة اليدوية والحرفية التي تساعد المتعلم على الاندماج في المجتمع، فإن عادة مزاوجة أبنائنا بين الدراسة ومساعدة الآباء والأمهات والأقارب أو حتى التدرب على حرفة من الحرف مما يجعلهم يندمجون بشكل تلقائي في عالم الشغل في حالة مغادرتهم للمدرسة قد انقرضت، مما أفرز شبابا عالة على غيرهم في أبسط المهام الحياتية.
ثم بعد هذا وذاك فما هي الدراسات التي اعتمدها المغرب ليقرر بأن سن البلوغ هو 18 سنة؟ أم أن الأمر يتعلق بالإمعية لا غير، ونحن نعلم أن البلوغ وتحمل المسؤولية يختلفان من شخص لآخر ولا يمكن بحال من الأحول ربطه بشكل تعسفي بسن معينة، ذلك أن البيئة والتربية والطبيعة عوامل تلعب دورا أساسيا فيهما، ولنا في الطفلة السويدية ريتا تونبرغ ذات 16 ربيعا التي أقامت العالم ولم تقعده خير مثال على ما أقول، ومع ذلك فلا أحد قال بأن هذه طفلة قاصر لا تعي ما تقول، وبالتالي ينبغي عدم السماح لها بالانخراط في محاربة مظاهر الإخلال بالبيئة، وإنما عكس ذلك تم استقبالها من طرف عدد من الرؤساء ومجموعة من المنتديات الدولية. والسؤال البسيط الذي يمكن أن يُطرح في هذا الشأن هو ماذا سيكون رد فعل الذين يَحصُرون سن الزواج في 18 سنة فما فوق لو قررت أن تتزوج؟ فهل ستُنَدِّد وتسْتَنْكِر وتحرمها من تنفيذ رغبتها على اعتبار أنها قاصر، أم أن نضجها الفكري الذي جعلها تهتم بأمور غاية في الأهمية ولو على حساب مغادرتها المؤقتة لمقعدها الدراسي، يجعل منها حالة استثنائية لا يُطبق عليها شرط بلوغ سن الثامنة عشر حتى تتمكن من الزواج؟
ثم ما عسى لأب أن يفعل بابنته التي غادرت المدرسة في سن 17 أو 16 أو حتى 15 سنة دون أي أمل في إيجاد شغل تعيل به نفسها وتساعد به عائلتها، في الوقت الذي يتقدم لها زوج يلتزم أمام القاضي ببرها والاعتناء بها، وربما كان بإمكانه إعالة أهلها؟ أليست هذه حالة استثنائية ينبغي دراستها ضمن بيئتها وظروفها، وما أعتقد أن أحدا يمكن أن يلعب هذا الدور سوى القاضي المرتبط بهموم المجتمع ومشاكله والقادر على درء المفسدة وجلب المصلحة.
في الختام أسائل السيد الوزير عن حرصه على عدم تزويج القاصرات، أهو ناتج عن قناعته بأن ذلك يخدم مصلحتهن ومصلحة المجتمع، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون خضوعا لأجندات خارجية حتى وإن اقتضى منه ذلك الانقلاب على مجموعة من الخصوصيات المغربية وعلى مدونة الأحوال الشخصية التي تم إعدادها بشكل توافقي بين خيرة من العلماء والمفكرين وممثلي المجتمع المدني، والتي أعطت القاضي حق تقدير مصلحة « القاصر » الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُسحب منه لا لشيء، سوى أن مجموعة من الأفراد الذين نصَّبوا أنفسهم أوصياء على المجتمع يريدون ذلك، علما أن السلطة التقديرية للقاضي لم يكتسبها لاعن الهوى ولا عن طريق الانتخابات الشعبية وإنما منحه إياها عِلُمه الشرعي الذي يحثه على العدل وعدم اتباع الهوى مما يجعله معنيا بقوله تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا » الآية 135 من سورة النساء. صدق الله العظيم.
الحسن جرودي
1 Comment
صراحة لا أفهم لماذا تمنع الفتاة تحت الثامنة عشر من الزواج.. نتذكر هنا قصة أمينة التي كانت تريد الزواج من شاب يكبرها سنا تحبه لكنها كانت قاصر … فقامت « بالخروج » مع حبيبها و علمت أمها بالأمر فألتجأت الى الشرطة للشكوى ضد الشاب الذي اعتقل بتهمة هتك العرض لأن البنت قاصر قانونا فتزوجوا في « الكومسارية » و كانت النتيجة مشاكل « العروسة »مع أهل الشاب الذين لم يتقبلوا زواج ابنهم بهذه الطريقة فأذاقوها مرارة العيش معهم .. و قيل بعد ذلك أنها انتحرت .لو كان القانون يسمح بالزواج للقاصرات لما حدث كل هذا .. ثم ما رأي الوزير في قاصر تحما سفاحا مع أحدهم؟ ماذا هو فاعل؟
( هذه القضية التي سميت قضية أمينة، تم تشويهها من طرف النسوانيات و الاعلام المتصهين و قالوا أنها انتحرت بعد تزويجها مغتصبها !!!)