رسائل قايد صالح ،مَيِّتا
رمضان مصباح الإدريسي
تقديم:
أغلب ما يصدر عن المعلقين الجزائريين ، في منبر هسبريس، الذي يفتح لهم بابا مغلقة في وجوههم – وفي وجوه المغاربة – بإعلامهم،كلام بذيء،من درجة هُراء؛ ينم عن خبث أصيل مخبوء في نفوس من يسميهم المعارضون الجزائريون الشرفاء، بالذباب الالكتروني ،و « الكاشريست ».
وتتوهم أجهزتهم ،المنتصبة دوما لتعقب ما ينشر مغربيا عن الجزائر ،أن ديوان النذالة هذا قد يرهب النفوس ويكسر الأقلام ؛حتى لا يستنشق المواطن الجزائري غير أوكسجين الثكنات الملوث بالبارود .
أَلاَ إن الرسالة نبيلة ،ورثناها عن شهداء الشرعية التحريرية في الخرائط المغاربية كلها؛نتمثلها في حاضرنا المغربي قِيَّما نبيلة ،ونريدها فاعلة في دمج الشعوب كلها ،لتبني أخيرا أهرام الكرامة المغاربية ،على أنقاض الحدود الشائكة الملغومة ،وجدران الاستبداد والفرقة.
إننا شعوب منذورة للاندماج ،مهما طال الزمن ؛ومهما تسيدت العصابات ؛وليس لنا إن فشلنا ،بِغلبة من حمقانا وذبابنا وانفصاليينا، إلا أن يعاودنا الاستعمار من جديد ،ضعفاءَ كما كنا بالأمس؛وقد بدأت ارهاصاته تلوح في الأفق الجيوسياسي.
وهل يقوى مجرد كلام بذيء،أو رَفَّة جناح ذبابة، أن يوقف رسالة نبيلة مثل هذه؟
بعد هذا ،وقبل الاسترسال في موضوعي ،أترحم على قايد صالح الإنسان ،أما الجنرال فمن حق الجميع الانكباب على عسكريته السياسية بالخصوص، للوقوف على ما له وما عليه ؛فالرجل ركن عسكري، قاد الجزائر في ظروف حرجة ،وأثر في أمورها كثيرا،ولعله رسم لها مستقبلا ما ؛وهو من الآن في ذمة تاريخها ،والتاريخ المغاربي .
الرسالة الأولى:
إذْ اندلع حراك غير مسبوق في الجزائر ،على خلفية من الحرائق المندلعة في أكثر من قطر عربي،تأكد لأركان الجيش،في بلاد الجيش،وأنا على رأسها، أن إسقاط النظام المدني الصوري أفضل من انهيار الدولة كلها.
بالنسبة لي فالأمر كان في غاية الوضوح و « الرجلة » العسكرية ؛لأن من سجنتهم من الكبار لم يكونوا ينتظرون – متلهفين – غير هذا:الحماية من انتقام بعاع الشعب ،وعرمرم الشباب ، الفقراء والمحرومين .
هاهم اليوم في سجني الحراش وسيدي امحمد ،لا لسان لهم غير الثناء ؛إلى أن ينطفئ هذا الغضب .
حتى ما تركت القضاءَ يتداوله في حقهم ،ليس إلا ثُمالة الكأس التي أسكرت الشعب وهيجته .
ستتغير الأحوال ،ولكل موسم ثماره.
الرسالة الثانية:
تركت فيكم عزيزي بوتفليقة ،وكله شكر لقيادة الأركان على رضاها باستقالته فقط؛بدل هدر دمه تحت أقدام الحراك ،تقربا وتهدئة.
أما محاكمته فمطلب سفيه ،لأنه ينفذ،فعلا ،ومنذ سنين ، حكما إلهيا .
أشعر به من الآن بجواري ،فلا تغيروا الأحكام الإلهية .
حتى سعيد بوتفليقة لم يخالفنا الرأي في أخيه، ولا في نفسه؛انه حيث هو ينتظر ليعرف ،مع جاري بوضياف- الذي يجافيني وقد ينقض علي – إلى أين تمضي الجزائر .
لا يهم كم سينصرم من الزمن، لتضيء الإجابات في ذهنه؛مادام آمِنا على نفسه وأبنائه وثروته .
الرسالة الثالثة:
لم يكن منطقيا ألا أشرك المؤسسة العسكرية العميقة في التضحية من أجل استتباب الأمن ،وعودة الجزائر إلى سالف استكانتها وطاعتها؛ولهذا أدخلت في مربع السجن الافتراضي جنرالات وازنين ،نُسلم جميعا أن فضلهم علينا كان كبيرا،مهنيا وسياسيا.
هم يشكرون لأننا نصنع لهم فخر الشرعية الثورية الجديدة، على حراك يدار من الخارج ،كما ذكرتكم مرارا.
وسرَّحنا في الطبيعة الدولية ،ليفر بجلده،اسما بارزا وثقيلا ،وبأبعاد لا تسعها كل سجوننا .
إن المؤسسة العسكرية بحاجة دائما إلى تجديد شرعيتها ،ولا يمكن ألا تظل جذوتها مشتعلة ،دائما أبدا.
الرسالة الرابعة:
كنت عولت على أن تتواصل رسائلي إليكم ،على هذا النهج ألاعترافي ،الذي يصحح كل خطبي الحراكية بثكنات البلاد،وأنا بكامل عدتي وعتادي وصولتي الدنيوية الزائلة؛لكن هذا النهج ،ورغم كشفه للمستور، لا يقدم شيئا ذا قيمة لفائدة حاضر ومستقبل الجزائر .
تعديل هذه الرسائل – من الآن – لم يمله علي ضميري ،لأن الضمير أمر أرضي يموت بموت صاحبه ؛هذا إذا كان له ضمير وهو في الحياة.
لقد ألزمتني به هذه الوجوه التي أراها حول قبري ،وأستحيي أن أنظر إليها ملء عيني.
انه حراك آخر أراه يتشكل مدمدما ،وينفذ غضبه إلى أعماق كياني فيرتعد رغم موته.
انه حراك شهداء التحرير الكبار ،وشهداء العشرية السوداء،وشهداء كل الأوطان القريبة والبعيدة،وقد حضروا من كل الأصقاع مناصرين.
هذا الحراك لا قبل لي به ؛لا عتادا ولا ثكناتٍ ولا نياشينَ ولا جاها.
» وكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ».
وقبل أن تلتئم كل الوجوه الشهيدة ، وتطبق علي لتلقيني خارج مقبرة الشهداء؛أرجوكم أن تستمعوا إلى رسالتي بإمعان ،عساني أقدمها بين يدي يوم الحساب ،كتوبة متأخرة.
أنا فقير إليكم اليوم،وكل رجائي أن تستمعوا إلي،في رسالتي الخامسة وما بعدها ،حتى تتمكنوا من إطفاء كل الحرائق التي أشعلناها بالبلاد،ونحن في كامل سطوتنا وزهونا الكاذب ، ورفع كل المظالم التي نثرناها بذورا مقيته في الداخل والخارج.
كنت أخيف ،لكني اليوم خائفٌ مرتجف ؛ومن يقوى على النظر إلى وجه بوضياف فقط ؟
الرسالة الخامسة:
يتبع
Aucun commentaire