!أريد أن أفهم الدستور
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أفهم الدستور !
الحسن جروديِ / وجدة سيتي .نت
من البديهي أنه قبل التفكير في تنزيل مقتضيات نص ما على أرض الواقع، يتعين العمل على فهمه الفهم الصحيح واستيعاب ما يتضمنه من مبادئ وحقوق وواجبات، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بنص يُحتكم إليه كما هو الشأن بالنسبة للدستور الذي هو عبارة عن مجموعةُ من القواعِد الأساسية التي تُبيِّن شكل الدولة ونظام الحُكْم فيها ومدى سلطتها إزاءَ الأَفراد والجمع (حسب معجم المعاني الجامع).
وفي سياق استيعاب مضامين الدستور المغربي أُقِرُّ بأنه استعصى عليَّ التوفيق بين عدد من البنود المتعلقة بمكونين أساسين من مكونات الهوية المغربية على الخصوص ألا وهما الدين الإسلامي واللغة العربية.
ففيما يتعلق بالدين الإسلامي نجد أنه ينص في الفقرة الثانية من الديباجة بأن « الدولة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة »، وفي الفصل الأول من باب أحكام عامة ينص على أن « الأمة تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة تتمثل في الدين الإسلامي السمح والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية والاختيار الديموقراطي ». وفي الفصل الثالث من نفس الباب ورد أن « الإسلام دين الدولة، والدولة تضمن لكل واحد ممارسة شؤونه الدينية »، كما ينص الفصل 175 من الباب 13 بأنه « لا يمكن أن تتناول المراجعة الأحكام المتعلق بالدين الإسلامي ».
إلى حدود هذه المضامين أفهم أن الدين الإسلامي هو الحَكَم الذي يُرجع إليه في شؤون الأمة عندما يتعلق الأمر بالنصوص القطعية، فيما يُرجع إلى علماء الأمة للاجتهاد في النصوص غير القطعية حتى تستوعب المستجدات الحياتية دون المس بجوهر الإسلام. إلا أن هذا الفهم سرعان ما يتبخر عندما أقرأ ما ورد في الفقرة الثالثة من الديباجة حيث ورد بأن « المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا »، كما تلتزم المملكة في موضع آخر من الديباجة « بجعل الاتفاقيات الدولية، كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية الراسخة، تسمو، فور نشرها، على التشريعات الوطنية، والعمل على ملاءمة هذه التشريعات، مع ما تتطلبه تلك المصادقة ». وهذه الازدواجية دفعتني لطرح السؤال التالي: هل يتمتع البندان بنفس الوزن، أي أنهما متكافئين فيما بينهما، أم أن لأحدهما أولوية على الآخر يتعين احترامها؟
أمام عدم تمكني من استخراج إجابة شافية وقطعية انطلاقا من النص، بحثت في التبريرات التي يقدمها طرفي النزاع المتمثلان في ذوي المرجعية الإسلامية من جهة وذوي المرجعية العلمانية من جهة ثانية، فتبين لي أن كلا الطرفين يعتمد على نفس التبرير ألا وهو أن الدستور ينص على ذلك في الوقت الذي لا يستطيع أي منهما أن يجزم بأحقية فهمه للنص، وهو ما يلاحظ على مستوى المجتمع المدني من خلال ما يثار في مختلف المنابر الإعلامية وحتى على مستوى نواب الأمة الذين يُفترض أن يكونوا هم الأولى بفهم مضمون وثيقة الدستور وباقي الوثائق التشريعية.
وبما أن الأمر بهذا الغموض والضبابية من جهة، وأنه لا يمكن أن نتصور أن واضعي الدستور، وهم لا شك فقهاء في المجالات التي لها علاقة بصياغة النصوص القانونية، أن يكونوا أغبياء أو جهالا بتعابير اللغة العربية إلى هذا الحد، فإن الاحتمال الأكثر ورودا هو أن هذه الصياغة مقصودة لذاتها، لأنها تسمح في مرحلة أولى بالتطبيع مع ما يطلق عليه الحقوق المتعارف عليه عالميا، بما فيها الرضائية والمثلية والإجهاض و… من خلال كل هذا الضجيج الذي تُحدثه مجموعة من الجمعيات والأفراد ذوا التوجه اليساري والعلماني تمهيدا للاستجابة الكلية للإملاءات الخارجية التي تروم سلخ المجتمع من كل قيم الدين الإسلامي الذي يدين به.
ولأن الأمة هي صاحبة السيادة حسب وثيقة الدستور نفسها، وتمارسها مباشرة بالاستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها، ولأن البرلمان بَيَّن غير ما مرة أنه يخضع لحسابات سياسية ضيقة لا تخضع لسيادة الأمة كما كان الشأن بالنسبة لتبني اللغة الفرنسية في التدريس، فلن يبقى سوى الاستفتاء المباشر للأمة في الموضوع، على أن يتم التحديد الدقيق لمدلول الحقوق المتعارف عليها عالميا، وتوضيح ما إذا كان المغرب مساهما في صنعها أم أنه يُستدعى وُيرغَم إرغاماعلى التصديق عليها، وجرد كل الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وتلك التي تحفظ بشأنها، وكذا الاتفاقيات التي لم يعد متحفظا عليها، وتبيان الحيثيات التي أدت إلى رفع التحفظ. وآنذاك سيتبين الرشد من الغي. فإن كانت الأمة تؤيد المثلية والزنا والإجهاض فلها ذلك، وما على ذوي التوجه الإسلامي إلا التسليم بالأمر والرضوخ للواقع، أما إذا كانت الأمة تتشبث بقيمها ولا ترضى عنها بديلا فيتعين على ذوي التوجه العلماني ومن وَالاَهُمْ أن يَبْلَعوا ألسنتهم ويكُفوا عن نشر خُبثهم في المجتمع خدمة لأجندات داخلية وأخرى خارجية، كما يتعين على المسؤولين في هذه الحالة أن يتصدوا لكل من يخالف إرادة الأمة ومحاسبة كل من يعمل بطريقة أو بأخرى على العبث بثوابتها ومقدساتها تحت شعار الحرية المستوردة والتي لا يمكن إلا أن تزعزع استقرار الوطن وأمنه.
وختاما أقول للعلمانيين الذين يريدون التفريط في هويتهم وتاريخهم ومقدساتهم ورَهْنَ حرية المغاربة لأعداء اليوم والأمس، عودوا إلى رشدكم وكَفَاكُم من الضجيج الذي لولا الْمِنَح والمساعدات التي تتلقونها من هنا وهناك لما استطعتم إليه سبيلا، وأتحداكم أن تطالبوا بإجراء استفتاء في الموضوع بل أتحداكم حتى بإجراء استطلاع نزيه للرأي تُحترم فيه الشروط العلمية في اختيار العينات الممثلة له.
Aucun commentaire