استغلال مقولتي « حقوق الإنسان الكونية » و »تغيُّر الواقع » للإجهاز على ثوابت الأمة ومقوماتها
بسم الله الرحمن الرحيم
استغلال مقولتي « حقوق الإنسان الكونية » و »تغير الواقع » للإجهاز على ثوابت الأمة ومقوماتها
الحسن جروديِ / وجدة سيتي
منذ مدة ونحن نلاحظ تجنيد مجموعة من الجمعيات والأشخاص بهدف التشكيك في ثوابت الأمة ومقوماتها، فهذا يطالب بالمساواة في الإرث بين الذكر والأنثى، وذاك يدعو إلى عدم تجريم الزنا تحت اسم الرضائية واللواط والسحاق تحت اسم المثلية، والسماح بالإجهاض دون قيد أو شرط تحت شعار حرية التصرف في الجسد، وآخر يدعو إلى حلول الأمازيغية مكان العربية، وآخر يقترح التدريس بالدارجة… والقائمة طويلة دون أن نُعرِّج على وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية التي أصبحت عبارة عن بوق للدعاية للثقافة الغربية المائعة، والمشترك بين كل هؤلاء هو محاربتهم لكل ما يمت للإسلام والعربية بِصِلَة من خلال مقولتي حقوق الإنسان وتَغَيُّر الواقع.
فبالنسبة للمقولة الأولى يُركِّز أصحابها على سمو الاتفاقيات الدولية في هذا المجال على القوانين الوطنية في حالة تعارضهما و على مدى الزاميتها بالنسبة للدول الموقِّعة والمُصادِقة عليها، وهذا كلام مردود على أصحابه في بلد ينص دستوره بصريح العبارة على أن المغرب دولة إسلامية ذات سيادة كاملة. ومن ثمة فلا معنى لوجود مثل هذا التبرير لكونه يضرب في العمق مفهوم السيادة وكذا مفهوم الحرية الجماعية التي ينكرونها على التوجه العام للبلاد في الوقت الذي يستميتون في الدفاع عن أخبث مكون لها يمكن أن يُدرج ضمن الحريات الفردية.
أما بالنسبة للمقولة الثانية فإن مضمون خطاب هؤلاء هو أنه ما دامت هذه الممارسات متاحة على أرض الواقع، فإنه يتعين الإقرار بها من قبل الجميع على مستوى الواقع من جهة، ونزع صفة التجريم عنها ضمن القانون الجنائي المغربي المرتقب من جهة ثانية.
ومن هذين المنطلقين تم بمدينة طنجة تنظيم الدروة الخامسة عشرة لمهرجان ثويزا أيام 26 و27 و28 من شهر يوليوز من هذه السنة ، تحت شعار « تحول القيم في العصر الرقمي » استُدعيتْ له أسماء من خارج الوطن، وهي معروفة بتطرفها العلماني بهدف الإمعان في الاستخفاف بكل ما له علاقة بالدين الإسلامي ومقوماته إلى الحد الذي ذهبت معه إحدى المشاركات إلى التشكيك حتى في الوجود الفعلي للرسول صلى الله عليه وسلم. كما تم يوم 16 نونبر 2019 بنفس المدينة إطلاق حملة التوقيع على عريضة المطالبة بالحريات الفردية للنساء تحت شعار جسدي حريتي، صرحت خلالها مسؤولة سابقة في الحكومة المغربية بسعادتها للمشاركة في المبادرة، معتبرة بأن القانون الجنائي أصبح خارجا عن القانون، بينما صرحت ثانية بأنه يتعين ملاءمة القانون للواقع الاجتماعي على اعتبار أنه يتجه نحو تجريم مجموعة من الممارسات التي أصبحت مقبولة اجتماعيا ولا يمكن العيش بدونها، وتأتي ثالثة لتُعَدِّدَ المطالب التي من أجلها أُطلقت حملة التوقيع على العريضة في أربعة وهي:
- ضمان حرية النساء وحمايتهن من العنف.
- عدم تجريم الإيقاف الإرادي للحمل غير المرغوب فيه.
- عدم تجريم إقامة علاقات رضائية بين راشدين.
- ملاءمة جميع القوانين مع الاتفاقات الدولية.
والتبرير الوحيد لهذه المطالب هو كونها متاحة على أرض الواقع، وأن المجتمع تطور ولم يعد مجتمعا قديما. والسؤال الذي يتعين طرحه على هؤلاء النسوة وعلى كل من يدور في فلكهن وفلك الإملاءات الخارجية، كما طرحه أحد الإخوة في مقال له على صفحات هذه الجريدة المحترمة هو: إذا كان الأمر كذلك فينبغي أن نتخلص من كل ما هو قديم من جهة، وأن ندافع عن كل الجرائم الأخرى مثل الرشوة والسرقة والسطو على ممتلكات الغير والتهرب الضريبي و… ما دامت متواجدة في الواقع، وربما أكثر تجليا من المثلية والإجهاض. أي منطق هذا الذي يحكم هذا النوع من التصرفات غير المحسوبة العواقب سوى خدمة أجندات خارجية حتى وإن كانت تحت غطاء الأمم المتحدة التي أصبحت تعمل على عولمة قيم الانحلال الخلقي والفساد المجتمعي باستعمال طابور خامس مقابل دريهمات بالنسبة للبعض وبالمجان بالنسبة لعدد كبير من الإمعة الذين يساقون سوقا إلى سوق ذبح الأخلاق وكل القيم النبيلة، ودفعا بالبلاد إلى وجهة مجهولة العواقب، والتي لا يمكن إلا أن تكون كارثية. ولا شك أن هؤلاء خُتم على سمعهم وقلوبهم، وعلى أبصارهم غشاوة تحول بينهم وبين الرجوع عن غيهم مصداقا لقوله تعالى: « أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ » الآية 22 من سورة الجاثية.نسأل الله لهم الهداية.
وبما أن الدين كان عبر التاريخ وسيبقى إلى الأبد هو الوسيلة الوحيدة لمعالجة أسقام مختلف المجتمعات، والسمو بها إلى تبني مبادئ الحرية الحقة التي لا تتعارض مع حرية المجتمع التي ينبغي أن تنصهر فيها باقي الحريات، ولأنه يقف حجرة عثرة أمام معارضيه بسبب عدم إقرارهم على فسادهم سواء كان أخلاقيا أو اجتماعيا أو سياسيا أو اقتصاديا، فإنه يسهل علينا أن نفهم كيف أن هؤلاء المفسدين يبذلون كل ما في وسعهم لمحاربة الدين الإسلامي وكل ما يساعد على فهمه وتدبره، ومن ثم تطبيقه التطبيق الصحيح على أرض الواقع، مما يجعل اللغة العربية مستهدفة بشكل رئيسي لأن بدونها لا يمكن أن تقوم للدين الصحيح قائمة، وفي هذا السياق يمكن إدراج التيار الفرانكوفوني والتيار التمزيغي، وكذا التيار « التدريجي » نسبة إلى الدارجة التي دعا عيوش إلى التدريس بها، والتي لو لم يكن لها من مساوى سوى ذلك الجهد والوقت الذي تم هدره في المناقشة والأخذ والرد عوض الاهتمام بما هو أهم وأجدى من قبل شريحة من المغاربة بصفة عامة ومن المفكرين بصفة خاصة، لكان ذلك كافيا لرفضها ونبذها، ومع ذلك فلم يكد يخفت صوت عيوش حتى طلع علينا الأستاذ الجامعي محمد المدلاوي المنبهي بكتاب تحت عنوان « العربية الدّارِجَةُ: إملائية ونحو، الأصوات، الصرف، التركيب، المعجم » تماشيا مع التصورات التي يدعو أصحابها إلى ترقية العاميات وتبسيط العربية الفصحى مما سيفتح الباب واسعا مرة أخرى للانتقاد والانتقاد المضاد يُهدر معهما كثير من الجهد والوقت نحن في حاجة إليهما. وإذا كان لا بد من التبسيط فإننا نقول للسيد المنبهي هلا ألفت لنا كتابا لتبسيط اللغة الفرنسية التي تم فرضها فرضا حتى أصبح عدد كبير من تلاميذ الشُّعب العلمية يتحولون إلى الشعب الأدبية بسبب الصعوبات التي تواجههم لاستيعاب مادتي العلوم الفيزيائية والحياة والأرض على الخصوص، مما يكرس عملية اللجوء للدارجة ويجعل منها أمرا واقعا يُعتمد مبررا لدعم المطالبة بالتدريج الرسمي للتعليم على غرار الداعين للحرية الجنسية، لا لشي سوى أنه أصبح واقعا، إلا أن الملاحظ في هذا الشأن هو أن واقع الحريات الجنسية غالبا ما يصنعه المنحرفون والمتحللون من الدين، بينما واقع استعمال الدارجة في التدريس يساهم فيه المثقفون من رجال التعليم والسياسة والإعلام وفي بعض الحالات حتى بعض المحسوبين على الدين أنفسهم من حيث يدرون أو لا يدرون بسبب جنوحهم إلى سلوك الطريق السهل والاكتفاء ببذل أقل جهد ممكن، وإلا فما معنى أن يركن الأستاذ الجامعي في محاضراته والأستاذ الثانوي أو الإعدادي والمعلم في دروسه إلى استعمال الدارجة؟ عوض عقد العزم على إتقان استعمال العربية الفصحى أو أي لغة من اللغات المنصوص عليها في تدريس هذه المادة أو تلك، سوى أنه بتقاعسه هذا يجعل الدارجة أمرا واقعا ويعطي التبرير لهؤلاء لضرب اللغة العربية في الصميم، ويُسَهِّل مأموريتهم في الدعوة إلى التغريب والانسلاخ من الهوية العربية الإسلامية، كما يضرب في العمق وحدة الشعوب العربية المبنية أساسا على استعمال اللغة العربية الفصحى، والتي بدونها يتعزز منطق التشرذم والانقسام ويسود تعصب كل بلد، بل وكل جهة من جهات البلد الواحد لدارجته أو أمازيغيته، ولعمري لهذا هو التجسيد العملي للظهير البربري الذي يعتمد سياسة فرق تسد.
ختاما أهمس في آذان الغيورين على هويتهم العربية الإسلامية وعلى رأسهم رجال ونساء التعليم كل في مجال تخصصه لأذكرهم بجسامة مسؤوليتهم أمام الله وأمام المجتمع لإيقاف أصحاب هذه الدعوات الهدامة عند حدهم، وذلك بتجنب الطريق السهل وبذل كل الوسع لأداء الأمانة التي استؤمنوا عليها بدءا بالاستعمال السليم للغة العربية الفصحى أثناء حصص التدريس المقررة بالعربية، والحرص على معالجة المظاهر المخلة بالأخلاق داخل المؤسسات وفي محيطها ومحاربة ظاهرة الغش التي أصبحت تستفحل يوم بعد يوم حتى أن البعض أصبح يَضُمُّها إلى لائحة الأمور العادية بحكم الواقع، وهذا لا يتأتى إلا من خلال إعطاء القدوة الحسنة في الجوانب الحياتية كلها، وما عدا ذلك فلا يمكن إلا أن يزيد من فرص المتآمرين المُسْتترين أحيانا والمكشوفين أحيانا أخرى لضرب لغة ودين وقيم هذه الأمة، وآنذاك سيتجاوز الأمر الاستخفاف بالأمانة ليصبح خيانة لها، ومخالفة لقوله تعالى: » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ » (الآية 27 من سورة الأنفال). لذا وجب التحذير من مخالفة أمر الله تجنبا لعذابه مصداقا لقوله تعالى: « فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » (سورة النور الآية63). صدق الله العظيم.
1 Comment
الغريب استاذ هو آخراس صوت الأئمةو رجال الدين و إطلاق العنان لهؤلاء العلماجيين .