عندما يتم الدفاع عن الرذيلة باسم الفضيلة
بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يتم الدفاع عن الرذيلة باسم الفضيلة .
أجرت احدى الجرائد الإلكترونية في الأيام الأخيرة حوارا مع البرلماني عمر بلافريج، دار بالأساس حول موضوع الحريات الجنسية. ونظرا لحساسية الموضوع وخطورة التصور الذي يدافع عنه بلافريج كان لا بد من إبراز مكامن الخلل في هذا التصور. وقبل ذلك ألخص أهم ما صرح به فيما يلي:
- يُطالب بنسخ الفصل 490 من القانون الجنائي المغربي الذي يُجرم العلاقات الجنسية الرضائية، ما دامت في أماكن خاصة، في الوقت الذي يجرم فيه العلاقات الجنسية في الفضاء العام التي وصفها بالإخلال بالأخلاق أو الحياء، كما أشار إلى أنه يُطالب بحماية الأطفال والقاصرين وتشديد العقوبات على مغتصبيهم لتصل إلى المؤبد.
- أشار أن هذا القانون جاءت به فرنسا، وأن عددا من الدول الإسلامية لا تجرم العلاقات الرضائية مستدلا على ذلك بكل من مصر وتونس وتركيا.
- يطالب بعدم تجريم المثلية في الأماكن الخاصة.
- أَوْرَد أن هناك 800 حالة إجهاض مقنن يوميا في المغرب، للدفع في منحى عدم تجريميه.
- بالنسبة للخيانة الزوجية أورد أن لا محل لها في القانون الجنائي، بل مكانها في مدونة الأسرة، ليقترح حَلَّين في حالة حدوثها، الأول يتمثل في التسامح، والثاني في الطلاق، بحيث يمكن للطرف المتضرر أن يطالب الطرف الآخر بتعويض مادي أو معنوي، مشيرا أن هذا معمول به لدى الدول المتقدمة ليتساءل لماذا لا يمكننا أن نعمل بهذا الحل، مع العلم أن المذيع لم يفته أن يذكره بأن نسبة الطلاق في فرنسا تبلغ 60%.
- في الأخير وجوابا على سؤال يتعلق بمدى أهمية التركيز على هذا الموضوع مقارنة بمواضيع ذات أولوية، أشار إلى أن قرب عرض تعديل القانون على البرلمان هو الذي أملى عليه تقديم اقتراحات في الموضوع، على غرار الاقتراحات التي يتقدم بها في جميع المواضيع المطروحة على البرلمان، معترفا بأن جميع مقترحاته تم رفضها لحد الآن.
أبدأ من حيث انتهى السيد البرلماني حيث اعترف برفض جميع مقترحاته، وهذا شيء يدل على أن لا مصداقية له داخل قبة البرلمان من جهة، وأنه لا زال هناك داخل المؤسسة التشريعية من يريد المحافظة على قيم الأمة ومبادئها من جهة ثانية، إلا أن الذي لا يمكن استساغته هو كيف لممثل برلماني في أمة مسلمة أن يتجرأ على الجمع بين هذه المقترحات وبين الأخلاق والحياء، فأي أخلاق هذه التي يتكلم عليها السيد البرلماني؟
- هل يمكن أن نتكلم عن الأخلاق والحياء عندما نفتح المجال أما العلاقات الرضائية والمثلية في الأماكن الخاصة؟ علما أن الأماكن الخاصة لا تكون لا في القمر ولا في المريخ، وإنما عبارة عن شقة في عمارة أو منزل في حي أو حتى غرفة في فندق. هل بإمكان الذي يستحيي أن يُدخل امرأة أجنبية وربما نساء أجنبيات « ولم لا » ما دام الأمر رضائيا، دون أن يخدش حياء سكان العمارة أو الحي، والأدهى هو تطبيع الأطفال مع هذا النوع من العلاقات الغير سوية، أما بالنسبة للفنادق فلا شك أنها ستتحول إلى ماخورات إذا ما فتح هذا الباب.
- هل يمكن أن نتكلم عن الأخلاق عندما نفتح باب الإجهاض على مصراعيه للتمكين لتجارة قتل الأنفس البريئة عن طريق القانون ليتحول الأطباء إلى قتلة الأنفس عوض إحيائها، فإذا كان التبرير هو رمي أجنة في القمامة، فأين تذهب الأجنة التي يتم إجهاض أمهاتهم في أحسن العيادات؟ أليس في قمامات من نوع خاص؟ ألا تكفي 800 حالة إجهاض مقنن للبحث عن طرق التخفيض منها عوض الزيادة فيها؟
- هل يمكن أن نتكلم عن الأخلاق والحياء حينما نفتح الباب أما الخيانة الزوجية لنقترح بعد ذلك التسامح أو الطلاق مع مطالبة الطرف الآخر بتعويضات مادية أو معنوية، أين الغيرة أين الشهامة عندما نسوي بين العِرض والتعويض المادي؟ أين احترام حقوق الأطفال في العيش في كنف والدين عفيفين يضمنان له نمو سليم في وسط سليم؟
- هل يمكن أن نتكلم عن الأخلاق عندما نشرع للمثلية حتى وإن كانت فوق المريخ؟ ألا يُعتبر هذا مرضا سيكولوجيا يتعين العمل على إيجاد الوسائل القمينة لمعالجته خاصة بعد تهاوي تلك النظرية القائلة بوجود جينات مسؤولة عن ذلك؟
هذا من جهة، من جهة ثانية كيف لك أن تمنع حصول علاقات جنسية بين من هم دون الثامنة عشرة، إذا تمت ممارستها في أماكن خاصة، هل ستجعل أمام كل مكان خاص شرطيا يطالبهم بعقد الازدياد أم أنك ستعتمد خطاب الحياء والأخلاق في الوقت الذي تقترح الاستغناء عنه بالنسبة للبالغين الذين تشترط فيهم القدوة لغير البالغين؟
أما بخصوص الاستدلال بوجود دول إسلامية لا تجرم العلاقات الرضائية، فالكل يعلم بأن النظام هو من أقر قانون عدم التجريم بضغط من الغرب وتواطؤ معه بالنسبة لتونس ومصر، أما بالنسبة لتركيا فالكل يعلم أن ذلك من بقايا أتاتورك الذي ألغى الخلافة الإسلامية وأعلن علمانية الدولة.
في الأخير أقول للسيد البرلماني بأن ما ننتظره من برلمانيينا هو العمل على محاربة الفساد بكل تجلياته، وعلى إيجاد قوانين تضمن لقمة عيش كريمة للمواطن البسيط، وتعمل على معالجة الواقع وتنقيته من الأمراض التي أصبحت تُصدَّر إلينا من الجهات لا تخفى على أحد، والتي أصبحت تنخر مجتمعنا وتعمل على ضرب كل مقومات وعناصر الالتحام، لا على اقتراح قوانين تُبرر جزءا من الواقع المريض وتعمل على ترسيخه رغم المخاطر التي تتضمنها على جميع المستويات، ذلك أن وجود هذه المظاهر في المجتمع والتي لا يخلو منها أي مجتمع ليس مبررا للإقرار بها، وإلا فكلما طغت ظاهرة معينة على المجتمع كالسرقة مثلا، واستهلاك المخدرات وعدم احترام قوانين السير، وعدم توقير الصغار للكبار… فإننا نسارع لتعديل القوانين أو حذفها لتتماشى مع الظاهرة، وهذا لعمري من الحماقات التي ستؤدي بالضرورة إلى انهيار المجتمع، وهذا ما لا نتمناه لمجتمعنا الذي له قيمه وثوابته التي لو تمسكنا بها بالشكل الصحيح لكنا في مقدمة الأمم الراقية ماديا ومعنويا.
أرجو أن يراجع السيد البرلماني مواقفه، وألا تأخذ العزة بالإثم ويتشبث بنشر الرذيلة والفاحشة وهو يحسب أنه ينشر الفضيلة حتى لا ينطبق عليه قوله جل وعلا: » قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) » سورة الكهف، وقوله تعالى » إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ » (الآية 19 من سورة النور). وصدق الله العظيم.
الحسن جرودي
Aucun commentaire