لا لاستهداف منظومة القيم ولا للاستقواء بالتجمعات والمنظمات المسماة عالمية
بسم الله الرحمن الرحيم
لا لاستهداف منظومة القيم ولا للاستقواء بالتجمعات والمنظمات المسماة عالمية.
تتميز الأمم من بين ما تتميز به بمنظومة الثوابت والقيم التي أَكْسَبَها إياها أبناؤها البررة من علماء ومجاهدين ووطنيين عبر مختلف الحقب التاريخية التي مرت بها، وهذه الثوابت والقيم هي التي تتصدر بصفة عامة دساتيرها والتي يتعين العض عليها بالنواجد والذود عنها بكل ما أوتيت الأمة من قوة معنوية كانت أو مادية.
فعندما يعتبر الدستور المغربي أن الإسلام دين الدولة وأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية، فهذا معناه أن العمل على سيادة هذين المقومين في الواقع العملي بكل ما لكلمة سيادة من معنى، يصبح واجبا على كل المغاربة حكاما ومحكومين، وإذا ما لوحظ تقصير في شأنهما يتعين على الطبقة المسؤولة بالأساس اتخاذ كل الإجراءات المناسبة لتصحيح مختلف التجاوزات المعاينة، إلا أنه مع كل الأسف فعوض العمل على معالجة التجاوزات وما أكثرها، فإن المسؤولين يشجعونها بشكل أو بآخر من خلال ازدواجية الخطاب، حيث التصريحات الرسمية تتنافى مع التصرفات الفعلية على أرض الواقع حيث يُسمح لمن هب ودب أن يقول ما شاء ويفعل ما يشاء دون أدنى ردة فعل، بما يجعل المواطن العادي يفقد الثقة في هذه الطبقة مما ينعكس سلبا على إيجاد الجو الملائم للانخراط الواعي واللامشروط في التنمية المستدامة للبلاد، والتخلي عن النظرة الأنانية في التعامل مع أي مشروع مجتمعي يخدم المصلحة العامة.
فعندما نلاحظ على سبيل المثال استماتة الفرنسيين في استغلال اللائكية لمحاربة كل المظاهر التي يعتقدون أنها تشكل خطرا على قيمهم، من مثل ارتداء المسلمات للحجاب، وولوجهن المسابح وقيامهن ببعض الرياضات باستعمال لباس غير الذي يستعملون…وعندما ندرك الأهمية التي يتصدرها الدين الإسلامي في الدستور المغربي، يبدو بديهيا أن نتساءل عن الآليات الرسمية التي وُضعت للدفاع عن هذا الدين من عبث العابثين الذين لا يتورعون عن مهاجمته في مناسبة وغير مناسبة؛ فعندما يضطر المسلمون للصلاة في الشارع بسبب قلة المساجد في أكبر المدن المغربية، يتم وصف عملهم بالفوضى، بل يفتي بعضهم بكراهية هذه الصلاة، وعندما يتصدى الخطباء لحملة التمييع التي تستهدف الأغرار من أبناء الشعب المغربي من مثل الدعوة إلى الزنى عن طريق ما أصبح يطلق عليه الرضائية، وإلى اللواط باستعمال مصطلح المثلية، وإلى الإفطار العلني في رمضان بحجة الحرية، قلت عندما يقوم العلماء والخطباء بدورهم هذا ليس إلا، يطلع علينا مقال لإحدى الجرائد الإلكترونية يدخل فيه على الخط عنصر مشبوه أطلق على نفسه « التجمع العالمي الأمازيغي » حيث قام عن طريق ما سمي بالفرع المغربي، بالتحذير من استغلال المساجد للتحريض ضد المدعو عصيد ويدينون « الحملة التحريضية والتكفيرية الممنهجة التي يتعرض لها كل الحداثيين من نساء ورجال هذا الوطن؛ بغية مصادرة حقهم في التعبير والتفكير والإدلاء بمواقفهم وقناعاتهم بشكل حضاري » ليُحَمِّل بعد ذلك المسؤولية للدولة في حماية المفكرين والفاعلين الأمازيغيين من التحريض والتطرف الديني الذي يستهدف سلامتهم البدنية؛ والتحريض على اللغة الأمازيغية، وعلى حرفها الأصلي والأصيل تيفيناغ ».
وأود بهذا الصدد أن أطرح سؤالين: الأول هو ما دخل « التجمع العالمي الأمازيغي » هذا إن وُجد في أمر يخص المغاربة، فعصيد حسب علمي مغربي الجنسية ،فمهما كان الاختلاف معه، فيبقى اختلاف بين المغاربة لا دخل فيه لأي كان لا ينتمي لهذا الوطن، وحتى في حالة وقوع مشكل لا قدر الله، فالمغرب كما يصرح بذلك عصيد نفسه قد تغير وأصبح دولة مؤسسات، ومن ثم فالالتجاء إلى هذه المؤسسات أولى من الاستقواء بهذا النوع من التجمعات وغيرها من الهيئات الخارجية للتدخل في الشؤون الداخلية للمغاربة. والسؤال الثاني هو كيف تم الانتقال من إدانة التحريض ضد الحداثيين إلى حصر المطالبة بالحماية على الفاعلين الأمازغيين ثم على حرف تيفيناغ؟ كيف يمكن حصر الحداثة على الأمازيغ دون غيرهم، أليس هذا نوعٌ من التعصب الأعمى للأمازيغ والأمازيغية وإقصاءٌ لباقي الحداثيين العرب وغيرهم؟ ثم كيف يمكن لهؤلاء العقلانيين أن يعطوا الحق لأنفسهم وهم يعلمون أنهم أقلية، وأنهم يستمدون قوتهم من لوبيات تخدم كل الأجندات التي لها علاقة بزرع بذور التفرقة والكراهية بين أفراد المجتمع عن طريق محاربة ثوابت الأمة المتمثلة أساسا في الدين الإسلامي واللغة العربية، وإظهارهما على أنهما عدو لكل ما سواهما، وأنهما السبب في كل المصائب التي يعاني منها العباد في هذا البلد المغلوب على أمره؛ قلت كيف يمكن لهم أن يعطوا الحق لأنفسهم في قول وفعل ما يشاؤون باسم حرية التعبير وحقوق الإنسان، ويصادرون نفس الحق من الآخر فقط لأنه يدافع عن وجهة نظره لكونه مسلما أو لأنه يريد للغة العربية أن تتبوأ مكانتها التي ينص عليها دستور البلاد.
وما دمنا في بلد دينه هو الإسلام، فشتان بين أن تقوم منابر الجمعة بدورها الطبيعي الذي بدونه تكون قد أخَلَّت بواجبها المتمثل في تنوير المؤمنين الراغبين في ذلك بحكم ارتيادهم الطوعي للمساجد من المخاطر التي تنطوي عليها مختلف الممارسات التي لا يمكن إلا أن تسيء للبلاد والعباد ماديا ومعنويا، فشتان بين هذا التصرف الذي ينطلق من ثوابت الأمة ومقوماتها، وبين أن تقوم مجموعة مجهولة ومشبوهة تطلق على نفسها اسم « التجمع العالمي الأمازيغي » بالدعوة إلى إسكات صوت العلماء والخطباء وفسح المجال لعصيد وأمثاله، ذلك أنه إذا كانت وظيفة المسجد هي محاربة كل مظاهر الانحراف العقدية والعملية بحكم الدستور نفسه، والذي يتعين بموجبه الضرب على يد كل من تسول له نفسه محاربة دور المسجد سواء من خارجه من أمثال هؤلاء أو من داخله من خلال عدم فسح المجال لبعض الحالات الشاذة التي تعتلي المنبر في غفلة منها عن مدى المسؤولية الملقاة على عاتقها ومن ثم السقوط من حين لآخر في أخطاء تُستغل للإساءة إلى الإسلام ومجموع المسلمين.
في الختام أود الإشارة إلى تلاعب هؤلاء بالمصطلحات الشرعية حيث يقومون باستبدال بعض منها من مثل استبدال الزنى بالرضائية، واللواط بالمثلية، والإفطار العلني بممارسة حق من حقوق الإنسان، ويُحمِّلون أخرى أكثر مما تحتمل من مثل نعت مُخالفيهم بالوهابيين والتكفيريين والظلاميين…وأقول لهم لا تنتظروا من أحد أن يكفركم أو يدرجكم ضمن خانة المؤمنين، وإنما قوموا بعرض أنفسكم على القرآن الكريم الذي يُعرِّف بكل دقة كل من المؤمن والكافر والمنافق، وحين تحددون موقعكم أخبرونا به حتى نتعامل معكم على أساسه.
يقول الحق سبحانه في سورة في سورة سبأ: « قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) » صدق الله العظيم.
الحسن جرودي
1 Comment
نعم للعقل، لا للخرافة