خطأ شاع بالمساجد
خطأ شاع بالمساجد
لقد شاع بكثير من المساجد خطأ مستحدث لم نكن نراه سابقا، إنه قضية التباعد بين الصفوف في الصلوات؛ فبعض المساجد واسعة ولا تكتمل فيها إلا صفوف قليلة، فيختار المصلون أن يوسعوا بين الصفوف، وإذا كانت الزرابي مسطورة فإنهم يملؤون سطرا ويتركون آخر فارغا أو أكثر. فهل هذا الأمر مأذون به في الشرع؟ وهل في الفقه الإسلامي تحديد للمسافات بين الصفوف أم أن الأمر متروك لاختيارات الناس وأحوال المساجد؟
يدخل هذا الأمر في مسألة تسوية الصفوف المشمولة بقول الله تعالى: « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ » [سورة الصف، 4]، والتسوية مطلوبة سواء في مقاتلة العدو الإنسي الظاهر، أو في مغالبة العدو الجني الباطن أي الشيطان. وقد اهتم الفقه كثيرا بتسوية الصفوف نظرا لكثرة النصوص الصحيحة الواردة فيها، يقول الحافظ ابن عبد البر في الاستذكار (2/28): « هو أمر مُجتمَع عليه، والآثار عن النبي عليه السلام كثيرة فيه »؛ من ذلك ما ورد عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: « سوُّوا صُفوفكم فإنَّ تسوية الصف من إقامة الصلاة » (متفق عليه، وعند مسلم من تمام الصلاة). وتسوية الصفوف في الفقه الإسلامي تشمل أمورا منها:
وقوف المأمومين في خط مستقيم لا يتقدّم أحد على أحد ولا يتأخر أحد عن أحد.
سد الخَلل بين المصلين وملء الفرج بينهم بالمحاذاة بين المناكب والأقدام.
إتمام الصفوف الأول فالأول بحيث لا يبدأ صف حتى يكتمل الذي قبله.
ترك مسافة متساوية بين الصفوف، لأن التسوية لا تتعلق بكل صف على حدة بل بمجموعها أيضا.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « رصوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خَلل الصف كأنها الحَذَف » [صحيح أخرجه أبو داود والنسائي. والحَذَف غنم صغار سُود شُبِّهت الشياطين بها]، فالمطلوب شرعا هو المقاربة بين الصفوف، أما التباعد بينها فمخالف للسنة ومباين لإقامة الصلاة؛ فكم مقدار المقاربة المطلوبة؟
ناقش الفقهاء مقدار ما ينبغي أن يكون من المسافة بين الصفوف عند شرحهم للأحاديث الآمرة بالتقارب، ومن خلال عمل النبي صلى الله عليه وسلم القائل « صلوا كما رأيتموني أصلي » [متفق عليه]، وكذا من خلال ما ينبغي أن يكون من المسافة بين المصلي والسترة التي يجعلها أمامه، فإن كل صف هو بمثابة سترة للصف الذي بعده.
أما شرح قوله صلى الله عليه وسلم « وقاربوا بينها » أي الصفوف، فقد حدد الكثير من شراح الحديث المقاربة بقولهم: « أن لا يسع بين الصفين صف آخر« ، كما في عون المعبود شرح سنن أبي داود للآبادي، وفي فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي، وفي إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام لابن دقيق العيد. أي ما دامت المسافة بين صفين لا تكفي لدخول صف جديد فهما متقاربان، أما إذا أمكن دخول صف آخر فقد تباعدا وخالفا السنة في التقارب.
أما عمل النبي صلى الله عليه وسلم في مقدار ما يتركه بينه وبين السترة، فقد قال فيه صاحب التمهيد: « ومقدار الدنو من السترة موجود في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر عن بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صلى بالكعبة… جعل بينه وبين الجدار نحوا من ثلاثة أذرع » (التمهيد 2/348).
وأورد ابن حجر مناقشة مفصلة وجمعا بين الأحاديث في هذا الشأن، قال: « كان بين مقام النبي صلى الله عليه وسلم وبين القبلة مَمرّ عنز… أي مقامه في صلاته (وبين القبلة) وفي رواية للبخاري وبين الجدار… وفي رواية البخاري ممر الشاة، قال ابن بطال: هذا أقل ما يكون بين المصلي وسترته يعني ممر الشاة، وقيل أقل ذلك ثلاثة أذرع لحديث بلال… وجمع الداودي بأن أقله ممر الشاة وأكثره ثلاثة أذرع، وجمع بعضهم بأن الأول في حال القيام والقعود والثاني في حال الركوع والسجود… وقال البغوي: استحب أهل العلم الدنو من السترة بحيث يكون بينه وبينها قدر إمكان السجود وكذلك بين الصفوف وقد ورد الأمر بالدنو منها » (فتح الباري 2/241).
خلاصة القول:
إن المسافة بين الصفوف مقدرة شرعا وليست مهملة أو متروكة لتقديرات الناس وأهوائهم، ولا ينبغي أن تختلف بين الصيف والشتاء وبين وقت الحر والبرد أو غير ذلك.
المطلوب في السنة هو التقارب ما أمكن بحيث يتسع ما بين الصفين للركوع والسجود مع زيادة مقدار يسير.
إن ثلاثة أذرع الواردة في النصوص تعادل مترا ونصفه تقريبا (وذلك قريب من التسطير الموجود في الزرابي الجديدة المخصصة للمساجد)، فإذا زاد التباعد بين الصفوف عن ذلك، فلا ينبغي أن يترك مجالا لدخول صف آخر وإلا كان تباعدا فاحشا.
إن ما يقع في المساجد من ترك سطر أو أكثر بين الصفوف وإن كان لا يبطل الصلاة، إلا أنه مخالف للسنة وللأمر النبوي بالتقارب وعدم الاختلاف، ومناف لمعنى إقامة الصلاة ولحكمتها في التقارب الجسدي والروحي وعدم ترك فجوات ينفذ منها الشيطان.
إذا أمكن التقارب بين الصفوف فهو المطلوب، أما إذا حالت بينها السواري فلا بأس بالتباعد بقدره للحفاظ على تمام الصف.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د. مصطفى صادقي، في رمضان 1440 هـ.
1 Comment
أستاذي الفاضل، ملاحظة في محلها بالنسبة للأخطاء الشائعة بالمساحد و ما أكثرها . أنا ما يثير استغرابي واستهجاني هو وضع الأحدية كحاجز ما بين المصلي والقبلة خوفا من السرقة و خاصة في الصف الأول. وكم من مرة نبهت المصلين بلطف الى عدم وضع الحداء أو النعل كحاجز ما بين المصلي والقبلة ولو وضع في كيس . وآخر جواب قاله لي أحد المصلين هل ستعوض لي ثمن الحداء إذا سرق مني ؟؟؟ . تخيلوا معي أن المصلي خائف على حدائه داخل المسجد الذي هو بيت الله الذي يسده الاطمئنان والسكينة . أي خشوع ؟ ، و أي استحضار أمام من نقف اثناء الصلاة ؟ .
زرت البقع المقدسة وسرقت مني ملابسي بما فيها النعل أثناء تجديد العمرة وإهدائها الى روح أبي رحمه الله وعندما نقلت الخبر الى احدى العجائز – إن كانت ميته رحمها الله واسكنها فاسح الجنان وإن كانت مازلت على قيد الحياة أسأل الله أن يطيل عمرها في طاعته – . فقالت لي أنك ستعود الى هذه البقع الطاهرة المقدسة وبالفعل عدت أكثر من مرة أسأل الله القبول بلا رياء ولا سمعه .
اذا سرق من أي مصلي الحداء داخل المسجد الذي هو بيت الله فسيكون شاهدا له يوم القيامة و هذا ما يجهله البعض . و استخضر اللحضة : سرق أحدهم نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : * اللهم إن كان محتاجا ، فبارك له فيما أخذ ، وإن لم يكن محتاجا ، فاجعل هذا آخر ذنبه ؟ * . ولا أدري هل لهذه الواقعة أصل في السيرة أم لا ؟ . مع العلم ان الشرع متشدد مع من يسرق من خارج المسجد وما بالك من داخل المسجد الذي هو بيت الله .
كان هذا عن الأخطاء الشائعة داخل المساجد و منها الخوف من سرقة الأحدية بالمسجد ووضعها كحائل ما بين المصلي والقبلة رغم وجود أماكن مخصصة للأحدية .
أقف هنا والسلام عليكم ورحمة الله .
– كان معكم عكاشة أبو حفصة المغبونة .