الصوم السياسي
أحمد الجبلي
كنا لازلنا شبابا، عندما صدر كتاب « قراءة رسالية في الصوم » للدكتور أحمد الأبيض، والذي أعادت طبعه دار الفرقان بالدار البيضاء سنة 1994، فعملت بذلك على تقريبه من المثقفين المغاربة، على أساس أنه كتاب مميز لمفكر مبدع سبق له أن أبدع « فلسفة الزي الإسلامي » « ومن أجل حياة جنسية إنسانية ناجحة ».
لأول مرة ستتاح لنا الفرصة لنقرأ عن شيء اسمه « الصوم السياسي » وكان المصطلح مضحكا إلى حد ما، بل وقابلناه بنوع من الاستغراب ربما لقصر نظرنا وقلة معرفتنا، ولكن كلما طال الزمن واتسعت آفاق الإنسان الفكرية والمعرفية إلا وأدرك كنه أشياء كثيرة كان يجهلها، ومثل هذا وقع لنا تجاه مصطلح « الصوم السياسي ».
أدركنا فيما بعد أن ربط الدكتور أحمد الأبيض للصيام بمقصد التقوى تماما كما تقول الآية، ليس إلا من أجل أن يجعل الصيام فعلا واعيا ومسؤولا يروم استحضار الذهن والعقل بعيدا عن كل الملهيات والمغريات التي تحول دون النهوض الكامل بواجب الوقت ومهام المرحلة. كما أن حصول الوعي يقتضي إنجاز الفعل في الواقع والإصرار على الموقف والانضباط في الممارسة في مواجهة التحديات والعقبات والصعوبات التي تعتري أي خط تغييري منشود حيث يعتبر العمل السياسي أحد أبرز هذه الخطوط التي تعمل على إصلاح العباد والبلاد في إطار من تحقيق الممكن.
وفي عملية ربط الصوم بما يفسده في خط عملية تحقق التقوى، يأتي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: « من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه » وإن قول الزور في معرض حديث الناس لبعضهم بعض قد لا يرقى إلى مستوى الزور، من حيث الضرر، الذي قد يمارسه السياسي بالتماهي مع مخططات التخريب، أو تزكية برامج تعمل على تفسيخ المجتمع أو تفقير الشعب وتجهيله، أو تعمل على التطبيع مع العدو الاستراتيجي للأمة، أو السكوت عن الحق في الوقت الذي ينبغي البيان والتبليغ لما فيه خير للدين والصالح العام.
وحتى لا يفقد السياسي الرسالي الحجة، في مقارعة الخصوم وأصحاب مشاريع الفساد، فيقع ضحية للانفعال، يأتي التوجيه النبوي بقوله: « فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل: إني امرء صائم » وهي دعوة من الصيام إلى تكثيف الحضور اليقظ والواعي والتعقل تجاه مختلف دواعي الانفعال في مواجهة الأحداث والتحديات لأن من شأن الانفعال أن يفقد الإنسان وضوح الرؤية وسلامة الحكم على الأشياء.
ومن منطلق أن الصيام تحرير للإنسان من قيود الشهوات والمغريات بجميع أنواعها والتي جمعتها الآية الكريمة في قوله تعالى: ( زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا، والله عنده حسن المتاع) فإن أولى إنسان بالتحرر من هذه العوامل عوامل الشد والإخلاد إلى الأرض هو السياسي لما يملك من حصانة وآليات الضغط والتحكم والعلاقات الواسعة والنفوذ، فيصوم عما ليس في ملكيته من نساء أو ذهب أو فضة أو خيل أو أراضي وضيعات. أما إذا لم يتحرر من جشعه وحبه للسلطة والترامي على أموال الغير فليس لله حاجة في أن يترك طعامه وشرابه.
1 Comment
شكرا للكاتب الكريم،
ورد سهو في الآية(( والله عنده حسن المآب)) وليس المتاع ، أما الصوم الحقيقي أرى أنه يجب على المجتمع كله، أن يعطي الوقت الكافي لفهم مقاصد العبادات إجمالا، فهناك غبش، وجهل، وسوء فهم، وتحريف، لذلك لا تتحقق الأهداف المرجوة من أي عبادة دون المستوى، وهذا هدف كبير، يجب على الجميع أن يشارك فيه، والا ستبقى دار لقمان على حالها، وهذا لا يحقق التغيير المنشود فردا وجماعة، فالله سبحانه وتعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
رمضان مبارك كريم.
وتحية عطرة لجودة سيتي وقرائها