بين فقه الصيام وفقه المعهد الفرنسي بالمغرب
بسم الله الرحمن الرحيم
بين فقه الصيام وفقه المعهد الفرنسي بالمغرب
لا شك أن الاستعداد لأمرٍ مَا قبل الإقبال عليه، يُعتبر من أبجديات المنطق السليم، ولا شك أنه كلما كان هذا الأمر مُهِمّا والإيمان به قوي، إلا وتطلب الاستعداد له بذل أقصى ما يمكن بذله من جهد علمي وبدني ومادي ونفسي…
واليوم ونحن مقبلون على عبادة الصيام التي تعتبر من أجل العبادات، لكون جزائها مرتبط بالله بشكل مباشر، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: « قال الله: كلُّ عملِ ابن آدمَ له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم، فلا يرفث يومئذ ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله، يوم القيامة، من ريح المسك » (رواه البخاري ومسلم)، فإن عملية الاستعداد ينبغي أن تكون في مستوى هذه الشعيرة التي تتسم بحرمان المسلم من الأكل والشرب وباقي المفطرات مع الإبقاء على مختلف الأعمال والواجبات الاعتيادية التي لا يتعين بأي شكل من الأشكال إهمالها أو التفريط فيها، لذلك كان من أولويات هذا الاستعداد الإلمام بفقه الصيام الذي من شأنه أن يضبط كل حركات وسكنات الصائم حتى يُحصِّل جل فضائل الصوم إن لم تكن كلها. وإذا كان الأمر كذلك فإن المسلم مُطالب في شهر رمضان أكثر من باقي أشهر السنة، بالتخطيط ليومه تخطيطا محكما، لا تمر عليه لحظة إلا وهو في عبادة الله وذكره. فعليه أن يخطط لكيفية ملاءمة عمله بما يسمح له بإنجازه على الوجه المطلوب دون أدنى نقصان أو خلل من خلال استحضار مراقبة الله له، كما يتعين عليه أن يُحسن استثمار ما بقي من يومه في كل ما يعود عليه وعلى أسرته ومجتمعه بالنفع والخير العميم، وتجنب كل الترهات وسفاسف الأمور من قول وعمل من قبيل الرفث والصخب كما ورد في الحديث المشار إليه أعلاه، ذلك لأن الجائزة المتمثلة في تحصيل مغفرة الله عز وجل مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم » مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ » تستحق ذلك وأكثر، الأمر الذي يدفع بالمؤمن الصادق أن يستفرغ كل وقته وجهده للعبادة بشتى أنواعها من صلاة وقيام وتهجد وصدقة بماله أو ببدنه أو بعلمه، وتلاوة للقرآن وفهم وتدبر معانيه، والعمل على تجسيدها في الواقع العملي اليومي، بالإضافة إلى التعرف على سيرة الرسول الكريم وتمثلها، وكذا تتبع مستجدات الأمة الإسلامية…إلى غير ذلك من الأعمال والأقوال التي تعود بالنفع عليه وعلى المجتمع ككل في الدنيا والآخرة.
مما سبق يتبين أن يوم المؤمن أغلى وأثمن من أن يتم تبذيره في صغائر الأمور وأتفهها، والتي مع كل الأسف تحرص جهات معينة على تسويقها لنا وتطبيعنا معها لخلق منظومة قيم هجينة لدينا يَسْهُل معها ضرب القيم الإسلامية بصفة عامة، والإجهاز على الممارسات الأصيلة التي يتعين على المسلم التحلي بها بصفة عامة وفي شهر الصيام على وجه الخصوص، وإلا فما معنى كل هذا الاهتمام الزائد عن الحد بموائد الإفطار وهذه المسرحيات والسهرات والمسلسلات المبتذلة.
وإذا علمنا أن المعهد الفرنسي بالمغرب قد دخل على الخط بإعلانه عن برنامج للسهرات الموسيقية تمتد من 9 إلى 14 ماي في أزيد من اثنتي عشرة مدينة بالمملكة، فإن الأمر يصبح جليا لكل من له بصيرة بحيث يمكن أن يستنبط العلاقة المشبوهة بين بعض أنشطة المحطات التلفزيونية المغربية وأنشطة هذا المعهد المسنود ماديا ومعنويا من حكام بلده الأم الذين نصَّبوا أنفسهم أوصياء علينا في كل صغيرة وكبيرة في مختلف مجالاتنا الحياتية، من سياسة واقتصاد وتعليم بل وحتى في المجال الديني الذي نحن بصدده، حيث يتبين من خلال هذه الأنشطة وغيرها أنهم يبذلون كل ما في وسعهم لخلق فِقْهٍ يضرب فقه الصيام لدينا في العمق من خلال التطبيع مع كل مظاهر الميوعة، والإفراط في الأكل والشرب الذي يضر أكثر مما ينفع والكسل الفكري والعضلي بترويجهم لفكرة الإفطار من أجل المردودية حتى أصبح بعض المحسوبين على الدين عندنا يفتون بجواز إفطار الطلبة في الامتحان، ناسين أن الصيام يربي المسلم على الجد والصبر وقوة العزيمة وتحمل الشدائد في سبيل بلوغ الهدف.
ختاما نقول لكل المسلمين بهذا البلد الأمين احذروا من كل ما يفسد عليكم صيامكم من قول أو عمل امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: «الصيام جُنة فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم مرتين» (رواه البخاري ومسلم) ومصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : « من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه » (رواه البخاري)، وتفاديا للخروج من رمضان صفر اليدين رغم الجوع والعطش مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم: « رُب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُب قائم ليس له من قيامه إلا السهر » (رواه ابن ماجه وصححه الألباني).
اللهم بارك لنا فيما تبقى من شعبان وبلغنا رمضان، واجعلنا ممن يصومون نهاره ويقومون ليله إيمانا واحتسابا ويظفرون بجائزة مغفرة ما تقدم من ذنوبنا. آمين.
الحسن جرودي
Aucun commentaire