جامعة محمد الخامس أبو ظبي واستغنام الأطر العليا بالمغرب
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
« جامعة محمد الخامس أبو ظبي
واستغنام الأطر العليا بالمغرب! »
الدكتور محمد بنيعيش
كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة
لم يكن بودي ولا من مشربي أن أكتب عن موضوع كان دائما وراء الستار والظل أو لنقل كان يتم تدبيره بليل،خاصة وأن المسألة تهم رجال التعليم العالي في بلدنا العزيز الذي لا نساوم عليه ولا على مبادئه وأصوله ومذهبيته مهما كان الثمن.
لكن الذي استفزني ودفعني دفعا ،بالرغم من كراهيتي له لأن أتعرض له، هو حالة شاذة عرفتها جامعتنا منذ سنوات عدة ودخلت في حكم المسكوت عنه ،وخاصة في كليات الآداب ،وبالأخص الدراسات الإسلامية، حيث يفترض كامل النزاهة والأخلاق والصدق وتكافؤ الفرص والصراحة ورفض المكايد والمصايد مهما كان الاختلاف والتعارض.
يتعلق الأمر هنا مباشرة بموضوع الاتفاقية المبرمة بين جامعة محمد الخامس بالرباط مع جامعة مستحدثة بالإمارات العربية المتحدة، أطلق عليها اسم جامعة محمد الخامس أبو ظبي باعتبارها ملحقة بها، يتولى تسييرها وإداراتها شخص يعرفه الجميع ونعرف تاريخه وتسلقه وتقلبه في البلاد ،وهو في الأصل لم يكن من جذور مغربية وإنما مجنس لم تستقم لهجته على التمغرب مهما حاول ذلك ،لأنه فيما يبدو لي لم يكن يوما ما جادا في نسبته الوطنية ،خاصة وأنه قد كان من الوافدين على هذه البلاد ممن طردوا من بلدهم أو لم يكونوا مرحبين بهم هنا أو هناك،وقد قيل لي إنه قد تجنس مؤخرا بجنسية الإمارات ولبس عباءتهم كما لبس طربوش المغاربة وهكذا كما يقول الشاعر:
اعذر أخاك ابن زنباعٍ فإنّ له…في النّائبات خطوباً ذات ألوان
يوماً يمانٍ إذا لاقيت ذا يمنٍ … وإن لقيت معدّيّاً فعدناني
لم نكن على علم منذ سنوات عدة بما يجري بهذه الجامعة المستحدثة الملحقة زعما،ولم نفكر يوما في أن نتعرف عليها أو نأبه بها ،وخاصة كاتب هذه السطور، لأنني كان لي وما يزال موقف أخلاقي ووطني وعربي من دول الخليج برمتها،بالرغم من أنني قد كنت مطلوبا هناك لا طالبا وكنت كاتبا في عدة مجلات وجرائد لا مرتزقا، قبيل التسعينات،هذا الموقف كان من أهم أسبابه حرب الخليج الثانية وذلك التواطؤ واللؤم الكبير الذي وقعت فيه دوله بتدمير العراق ورد الجميل الأسود للشهيد صدام حسين رحمه الله، بعدما سلموه مجانا لأمريكا وإيران وحطموا كل أمل في الوحدة العربية وحلم الوطن الكبير من الخليج إلى المحيط.وها هم اليوم في ظل الأزمات ينتحبون عليه ويتمنون لو لم يفعلوا وما عليهم إلا استدراك ما فات واتقاء ما هو آت.
ومع هذا فقد راودتني فكرة السفر خارج المغرب الذي لم أغادر ترابه ولو مرة في عمري لحد الآن،فكان من بين البلدان التي قررت الذهاب إليها،ولم يتحقق بعد ،هي فرنسا ،ولم لا الذهاب إلى الخليج المعاصر سياحة وتدريسا وإفادة واستفادة،خاصة وأن من زملائي الأساتذة من يذهب ثم يعود يتحدث عن العود القماري والدولارات السائبة في دولة الإمارات،ومنهم من يذهب المرات المتكررة ولا من يعترض ولا من يراعي الفراغ والخصاص بالجامعة ولا تكافؤ الفرص !!! ويكذب على نفسه وغيره من يزعم أنه يذهب بسبب الكفاءة العلمية أو لطلب العلم أو تلقينه كغاية محورية.حيث إن البلد ليست بلد علم بالدرجة الأولى وإنما هي تجارة وتسوق وعملات وسياحة واستجمام وركوب للخيل ،مع ركوب المخاطر مؤخرا بالتدخل في شؤون داخلية لدول عربية أعرق منها وجودا وحضارة وثقافة.ويا ليتها لم تفعل!
أخبرني بعض الزملاء بأنه يوجد طلب مدرسين موسميين بجامعة محمد الخامس أبو ظبي كمصطلح مستحدث وإلحاق في غير محله،فقلت في نفسي لم لا أجرب حظي للذهاب مع الذاهبين واغتنام الفرصة مع المغتنمين خاصة وأنني لم أسافر خارجا ولم أستفد أبدا في حياتي، لا من تكريم جامعتي ولا من علاوات وزارة الأوقاف ولا من سفريات الخارج التهريجية مع ما قدمته لوطني من خدمات وكتابات كلها تصب في الحفاظ على وحدته واستقراره .فأدليت بملفي في السنة الماضية ولم يرد علي لا بالقبول ولا بالرفض ! تعجبت في البداية ثم أصررت على تقديم الملف هذه السنة فجاءني القبول مستدعيا إياي للحضور إلى ما يسمى زعما بالمقابلة العلمية،وهي في الحقيقة مصيدة مهينة للأساتذة ومساومة لهم وضرب في قيمة الجامعة المغربية ومستواها .
إذ كيف يستساغ أخلاقيا أن يخضع أستاذ قضى كل حياته في الجامعة والتأليف لمقابلة على شكل اختبار من طرف تلامذة أو شبه أساتذة وأطر إدارية لا يحسنون حتى السؤال وليس لهم ولو عشر معشار ما للأستاذ الباحث في تخصصه أو حتى خارجه،خاصة وأن بعض الأساتذة من بينهم كاتب هذه السطور قد قضى ما يزيد عن ثلاثين سنة محاضرة وتأليفا وتأطيرا لأساتذة وطلبة وفي تخصصات متعددة ،ناهيك عن مؤلفات وكتب منشورة داخل المغرب وخارجه لا تعد ولا تحصى منها المحكمة وغيرها؟فهل جامعاتنا عقيمة بالنسبة إلى نظر للخليجيين الذين يعرف الجميع مستواهم ويا له من مستوى لغة ومعرفة وذكاء حتى يتم تقييم أساتذتها بهذا الشكل الذي لا معنى له ولا خلق؟وهل شواهدنا ملفقة إلى هذا الحد حتى يمتحننا من ليس به حياء ولا اعتبار علمي مرموق ومعمق،وكأنه يطعن في الجامعات المغربية برمتها،بينما نحن من نصدر الفكر والعلم والأصالة والمعاصرة ؟.
ومع هذا قلت في نفسي فلأجرب حظي كفرصة للاستجمام وتبديل المكان،بالرغم من أن بعض زملائي الذين يعتبرون من خيرة الأساتذة ويشاركون في ندوات دولية قد حذروني من المشاركة لأنهم مروا بنفس التجربة وتعرضوا لنفس الإهانة ،وكلهم مجمعون على أن المقابلة لا نزاهة فيها وإنما هي اختيار ذاتي وتصفية حسابات مذهبية وطائفية يتزعمها رئيس اللجنة أو المدير وهو الشخص المشار إليه سابقا.ناهيك عن التضييق الذي يتعرضون له عند الإقامة هناك ،فيما حكي لي ،كأنهم في سجن وحصار بالدقيقة والثانية والكلمة والحركة،نحمد الله على بلدنا المغرب وجامعاتنا المنفتحة والمتحضرة عند المقارنة مع هؤلاء !
وهكذا التقيت بالأساتذة في بهو جامعة محمد الخامس بعد سفر شاق لم أكن أحبذه مهما كان الثمن.وفي لحظة الانتظار قلت لزملائي على سبيل المزاح إنني هنا لست من أجل المقابلة العلمية المزعومة وإنما لدي رغبة في السفر والعودة بالعود القماري الذي يقال بأن الإمارات مشهورة بجودته ،فضحك الجميع وهم مقرون بأن الأمر لديهم كذلك.
بعد برهة جاء دوري لتلك المقابلة المشؤومة ،بأهلها طبعا،وما كدت أن آخذ مكاني من القاعة حتى لمحني مدير الجامعة مناديا إياي باسمي كأول خروج عن الموضوعية والشفافية ،هل هذا هو الأستاذ بنيعيش متظاهرا وكأنه يريد بي خيرا ويسعى لتذكر ذلك الطالب الذي عرفه عابرا يوما ما من ضمن طلبة سلك تكوين المكونين والذي كان يعترف بقوة فكره واجتهاده وتميزه.مع أنه لم يكن من أساتذة تخصصي الذي هو الفكر والحضارة بينما كنا نجتمع معه في لقاءات ثانوية بفرع علوم مصطلح الحديث حيث الدوران مع ألفاظ مستهلكة وجرح وتعديل في غير محله.
توهمت خيرا فاستأذنت اللجنة في أن أسلم عليه في إطار الصلة،صلة طالب عابر مجازا بأستاذ متنمر، على الرغم من أنه لم يكن له أي دور فعلي في تأطيري ولا تحديد تخصصي.وهكذا تعانقنا بالأحضان من غير خلفيات، ولكن بمبادرة ماكرة من طرفه يسألني فيها متهكما: »ازينت يا السّي بنيعيش ازينت بالذكر ،هل ما زلت تذكر وتذهب إلى الزاوية »أجبته بعفوية ومن دون مساومة: »نعم مازلت و »ألا بذكر الله تطمئن القلوب » بعدها أخذ في سؤالي عن والدي وعن أطروحته حول ابن عبد البر التي طبعت في فترة الوزير المدغري.ثم التحقت بالمجلس وكأنني من الفائزين.لكنني في نفس الوقت رجعت بي الذاكرة إلى 1986 حيث اختلى بي هذا الشخص نفسه قبيل إعلان النتائج النهائية وحاول التدخل في شؤوني الشخصية بتحذيري من توجهي المذهبي وانتمائي الصوفي إلى الطريقة القادرية البودشيشية ،التي كانت وما زالت هي المؤطر الفعلي والموجه الحقيقي لمساري العلمي وعمقه وصدقه وأخلاقه.لكنني لم أراوغه ولا ساومت على مبادئي مما جعل بيني وبينه حيادا وحاجزا وغياب تواصل منذ ذلك الحين إلى أن جاءت الفرصة المواتية.وهكذا كان الشأن مع كثير من الطلبة منهم من كاد يرسبهم ومنهم من تم طرده بهذا الوازع ومنهم من أصبح من التابعين الذين لا يعصون له أمرا .ولدي شواهد على ذلك.
بدأت المقابلة ،فلم تكن اختبارا في العلوم ولا تدخلا في التخصصات وإنما هي حول السيرة الذاتية العلمية فاستعرضتها على أحسن وجه وأعلى مستوى نالت إعجاب اللجنة حتى حركوا رؤوسهم تحريك مستبلد،مع ملاحظة أعين تبدو قد بيتت أمرا ولخلفيات لا أعلمها،كما حددت لهم مناهج التدريس التي لم يكونوا يحلمون بها ولا يمكنهم القيام بها.فكانت مقابلتي حينئذ كأقصر مقابلة تعجب منها الأساتذة الآخرون في طور الانتظار .وعندما هممت بالخروج ناداني الشخص المشار إليه : »بلغ سلامي للوالد ».شعرت حينها بأن المسألة فيها مكر وخديعة وأن القرار قد اتخذ مسبقا لأنني لست من طائفة المجموعة ولا من مريدي المدير ولا من الذين تلوى ذراعهم من أجل مصالح رخيصة.
وبعد وقت وجيز ربما كان الأسرع في الجواب وصلني إعلام مفاده: »نأسف يا أستاذ لأننا لم نجد لك ساعات قانونية بحسب تخصصك » مع العلم بأن التخصصات المعلن عنها قد استوعبت أكثرها بل لدي مؤلفات علمية جد عميقة ومركزة حولها لا توجد عند الكثير من المقابلين و المقبولين لديهم والمترددين عليهم،بل قد توهمت أن ملفي قد قبل مبدئيا بسبب احتوائه لها.
تساءلت بعد هذا:هل بهذا الأسلوب يتم انتقاء الأساتذة على شكل أغنام لا مقصد لها سوى الكلأ؟ وهو مصلح عبر لي به عن مرارة أحد المقصيين والنادمين على هذه المشاركة التي نالت من كرامتهم وسحبتهم حقهم في الاستفادة من هذا الباب الذي فتح في وجه الأساتذة لتحسين أوضاعهم المادية و المعنوية ،لكنه استغل من طرف عراب الخليج وباتوا ينتقون ويتخيرون تخير الأغنام من أطر عليا هي أشرف منهم وأمكن علما وخلقا ومذهبا وطريقة من سائرهم !
من هنا أقول بأنه قد كان المفروض على المسؤولين الإداريين والوصيين على القطاع والشعب والعمادات والجامعات أن يتابعوا هذا الموضوع ويراقبوه وينظموه أو يغلقوه ، تماما كما فعلت بعض شعب الجامعات المغربية فيما وصلني بمراكش تحديدا لما لاحظوا بأن فئة معينة وحدها هي التي يتكرر ذهابها ومجيئها من الإمارات وكأنها مزرعة خاصة ومنجم للعود القماري الذي تفوح رائحته من دون منبه ناري .
وفي متابعة هذا الملف وإحصاء تحركاته كما أرى كرامة للجامعة المغربية وحماية لرجال هذا الوطن الكرماء من أن يستغنموا ويستحمروا من طرف مجروحين لا مجرحين ومعدلين ومن لا خلاق ولا أخلاق لهم في باب المسؤولية والضمير المهني.
Aucun commentaire