ليس لدى الجنرال من يُؤَمِّنُه
رمضان مصباح الادريسي
« ليس لدى الكولونيل من يراسله »
انه عنوان احدى روائع روايات « كابريال كارسيا ما ركيز » ؛وقد سبقت رواية »مائة عام من العزلة » بعشر سنوات.
أفنى الكولونيل زهرة شبابه ،وكهولته، مخلصا لواجبه العسكري ،يؤديه على أتم وجه ترضاه دولته ومواطنوه؛ معزِّزا هذا بنشاط سياسي كثيف ،أهله لتأسيس حزب سياسي مدني، سار فيه على نهجه المثالي في الجيش؛ خادما لبلده .
بعد تقاعده نسيه الجميع ،ولم يعد أحد من رجال الدولة، وحتى من معارفه، يجيبه على مراسلاته ،التي لا يزيد فيها على طلب صرف معاشه.
قضى خمسة عشر عاما ،فقيرا معدما؛ ينتظر ساعي البريد كل صباح ، عساها تكون المفاجأة ،فيأتيه بمعاشه .
يموت ابنه، المناضل السياسي، مطعونا، بسبب مباراة صراع الديكة، المشهور في أمريكا اللاتينية.
لم يعد يتدبر فقط معيشته ،ودواء زوجته طريحة الفراش؛ فهذا الديك ،البطل المشهور، الذي ورثه عن ابنه، له بدوره متطلبات معاشية.
حينما اشتدت عليه وطأة الفقر، قصد اطارا حزبيا سابقا، من معارفه، عرف كيف يشتغل لحساباته البنكية ،برأسمال من الفساد الولاَّد؛ لكنه صُدم وهو يستمع منه الى عرض ثمن لا يساوي الا نصف قيمة الديك ،المقاتل الشرس.
طبعا فضل الجوع على اذلال ديك ابنه.
للجنرال مطالب أخرى غير المعاش:
كيف يطلب المعاش فقط من استل الدستور ليقطع به ما تبقى ،حيا، من شرايين الرئيس بوتفليقة؟
نوع من القتل الرحيم للرجل « الميت أصلا » ،ليسلم النظام القائم، ويصمد في وجه هذه الشمطاء التي يسمونها الجمهورية الثانية.
ما أغبى كولونيل غارسيا ماركيز ،وهو الأسد في الحروب ،والنضال السياسي؛ لكنه الحمل في مطالبته فقط بمعاش هزيل أصلا.
الجنرال الرافض لمعاشه لم يُفْتِ فقط في أم الأزمات الجزائرية ،بل ثنىَّ الزي العسكري للنظام ، بالزي المدني السياسي والمعارض .
انه الآن الظاهر والباطن ،في العسكر ،والموالاة والمعارضة.
انه « رب الجزائر » فعلا ؛وقد أتى بما لم يأت به أرباب سابقون للجزائر.
من أين له كل هذا الدهاء والقوة ،وهو بالكاد يتهجى خطبه ،أمام ضباط بُكم ؛يؤمِّنون على كلامه الركيك ،سياسةً ولغة.
يحدِّث عن العصابة لكنه لا يسميها ،فردا فردا؛ ممن يخاف هذا الذي أريد له اليوم أن يكون رجل الجزائر القوي؟
ويتحدث عن الجماعة التي أجمعت أمرها بليل ،لتخرب دولة الجزائر.كل هذا الوِزر الثقيل والجنرال مصرٌّ على عدم تسمية أحد.
ثم يتحدث عن الخارج الجزائري ،الذي يحن الى تاريخه مع الجزائر؛ ومرة أخرى لا يسمي جهة محددة.
آثر خريطة الغرب الجزائري (وهران) ليحدِّث بحديث الخارج الذي يروي عن الخارج ..
اياكِ أعني يا جارة؛ ويعنينا بكيفية أبلغ حينما يأمر ضباطه « البُكم » بالاستعداد للقتال.
وهل تشد الرحال الجزائرية ،المدنية والعسكرية ،لغير المملكة المغربية.
من يُؤَمِّن الجنرال؟
رغم كل النياشين ،والدبابات والطائرات والغواصات؛ ورغم كونه الظاهر والباطن في جميع مؤسسات الدولة ،بما فيها قصر المرادية ،والحكومة ، فالجنرال خائف ،ولا يجد من يُؤَمنه.
لا يجد من يقول له :اهدأ وامض الى معاشك مطمئنا ،فلن يعكر شيخوختك الباردة أحد .
الجنرال يدرك أن قوة الجندي في نوعية التداريب التي يتلقاها.
وقد دُرِّب الشعب الجزائري ،منذ الاستقلال ،على تحمل مكاره دولة يلتبس فيها المدني والعسكري.
أما وقد نهدَ اليوم ،ونهض للعصابة ،التي تظهر وتختفي ،فلن يركن الى معاودة الخنوع ،والتفرج على قيادييه اليوم، في الشارع ،وهم يساقون غدا الى حتفهم الواحد بعد الآخر.
ان كاميرات الجنرال تشتغل للعصابة تُؤمنها وتُخذِّل عنها ،ولا تشتغل لتسميتها وفضحها.
هل يدخل الجنرال من الأبواب الكبرى لحل الأزمة؟
بدل خوض حرب ضد الشعب الجزائري ، انتقاما لرؤساء عرب هزمتهم شعوبهم ،ولم تمتِّع حتى جثثهم بدفن كريم؛ أدعوا الجنرال لخوض حرب ضد نفسه ،ضد حكم العسكر؛ وهي أم المعارك اليوم في الجزائر.
دونك أبواب جمهورية ثانية يأمن فيها الجميع:
الباب الأولى: الايمان بأن الجيش من مفردات الدولة المدنية الديموقراطية، وليس هو القاموس كله أو اللغة كلها.
الباب الثانية: الايمان بذكاء الشعب الجزائري، والاستماع اليه وهو يرد على حكومة نصبها رئيس مريض ومخلوع. حتى في الفقه لا تُقبل وصية المريض مرض الموت؛ فكيف بمن اجتمع فيه مرض الموت ومرض السياسة، ومرض العرش ؟
الباب الثالثة: ومنها دخل الرسول صلى الله عليه وسلم ،الى الكعبة يوم الفتح ،فأطاح بأرباب قريش ،الواحد بعد الآخر.
لا مكان للمفسدين تحت شمس الحرية، وظلال الإفلات من العقاب. هي محاكمات ينتظرها الشعب بفارغ الصبر ؛وهي خير مدخل للجمهورية الثانية.
وان اقتضى الصالح العام ،مسنودا بالحجج ،فكن من الداخلين الى ركح الحساب.
ألا تؤمن بالعدالة تُؤَمِّنك ،وأنت الظاهر والباطن في كل شيء.
اطمئن فقضاة الجزائر ،الذين خرجوا بدورهم اليوم،يعرفون أن « القاضي لا يحكم بعلمه ».
الباب الرابعة: فك الحصار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي عن الشعب الجزائري ؛واتركه يرحل شرقا وغربا ،ولو تنفيسا فقط .
أقول غربا ،وأنا استحضر وقفة أسر جزائرية بمدخل السعيدية ،أخيرا (بين لجراف).
هل نُقل اليك أيها الجنرال خبر نسوة جزائريات يزغردن فرحا ،على مرمى زهرة من شقيقاتهن المغربيات؟
أكيد نقل اليك لأن درك الحدود كان بجوارهن.
كان الفرح عارما من الجانبين ،غداة اسقاط حكم بوتفليقة.
ولم يكن يعني ،من الطرفين ، غير « اننا قادمون للفرح الكبير ».عوْدٌ على بدءٍ أيها الجنرال الذي يرفض أن يقل معاشه عن حجم دولة كاملة.
الباب الخامسة: مادمت تقول بالعصابة ،وتعصيبها لكل الشأن الجزائري ،فلماذا لا تحدث الشعب الجزائري عن حجم الخراب الذي أحدثته سياسة العصابة في المنطقة المغاربية ،وهي تزعم أن هناك شعبا صحراويا بحاجة الى دولة ؛والعالم كله يعرف أن الأمر لا يعدو أن يكون خدعة ،تتحقق من خلالها مصالح خارجية استراتيجية ،ومصالح جزائرية لطبقة من السياسيين والعسكريين الفاسدين.
ان دولة الخيام بتندوف ،ليست حُجة ًعلى دولة التنمية والمعمار الراقي ، بل والترف، بمدن الصحراء المغربية.
لم تترك وسائل التواصل الشعب الجزائري غير مبالٍ.
ولا حتى المغرر بهم من طرف العصابة التي ذكرت.
انهم يعرفون الحقيقة كاملة.
أبواب كبرى أيها الجنرال القوي ،فادخل منها ؛وليس لك خيار آخر لتأمنَ .
هدِّدنا بالسلم يا جنرال ،فهو أقوى من كل مدرعاتك.
اطلق جحافل المغرر بهم ليعودوا دفعة واحدة الى وطنهم؛ هذا ما ينتظره الجميع ،وقد ابان الشعب الجزائري الحراكي عن كونه أكبر من تفاهات مغاربية ،من تأليف العصابة.
لقد فضل الكولونيل الجوع والمرض على بيع ديك ابنه؛ فكيف تزهد أيها الجنرال في معمار مغاربي ،يتسع للجميع ،وتحيا فيه الشعوب معززة ومكرمة؟
Aucun commentaire