صورة عابرة للقارات
أحمد الجبلي
في أول يوم من انطلاق أشغال المؤتمر العالمي للباحثين في السيرة النبوية، ومباشرة بعد الكلمة الافتتاحية التي كانت من نصيب المفكر الإسلامي الدكتور العلامة مصطفى بن حمزة تحت عنوان: » إعمال قواعد العلم وأصول الفقه في قراءة السيرة النبوية » والتي اشرأبت لها أعناق الحاضرين، وجحظت لها أعين الباحثين، وانفتحت لها آذان المنصتين من طلبة وعلماء، فكانت محاضرة، كما كان متوقعا، كعادة صاحبها حين يتحدث أو يحاضر، جديدة في معانيها، فريدة في تصورها، ومفيدة وموجهة لكل من أراد أن يبحث في السيرة النبوية الشريفة، لما حملته من منهج علمي دقيق يحمي من الزلل والفهوم الخاطئة، ويعصم من التشوهات المرافقة للتعامل مع سيرة المصطفى عليه السلام.
في أول هذا اليوم، ومباشرة بعد نهاية الافتتاح، سينشر الطالب عبد الصمد احسيسن صورة في صفحته على الفيسبوك، سماها « صورة عابرة للقارات » جمعت بين العلامة مصطفى بن حمزة وأحد الطلبة الماليين واسمه إبراهيما صوري سيلا، وكلاهما في حالة عناق حار والدموع تكاد تنهمر دلالة على فرح الطالب بحظوته وبحضور المحاضرة الافتتاحية الخالدة، وطربا لما شنف مسامعه من تحليل ولطائف تعد منهجا جديدا في التعاطي مع السيرة العطرة، وبعد ساعة واحدة من نشر الطالب لهذه الصورة الأيقونة حتى ارتفعت أيادي الإعجاب حتى وصلت إلى أزيد من سبعة آلاف يد وتم إعادة نشرها وتوزيعها من طرف سبع وثمانين معجبا مما يجعلها قد لفت العالم الأزرق في ظرف وجيز.
إن الذي يرى الصورة جيدا ويتحسس المشاعر الفياضة التي قد ارتسمت على الأوجه وما حمل العناق الحار الدافئ بين طياته والذي جمع بين عالم كبير وطالب مسلم من جنوب القارة السوداء ليدرك أن عناق الطالب الإفريقي للعلامة الدكتور مصطفى بن حمزة بتلك الطريقة وبتلك الملامح كان يشعر تماما أنه يعانق أبا حنونا محبا شغوفا، كما دلت ملامحه على أن الإسلام الذي تغلغل في قلبه جعله يحب علماءه ويجلهم ويشعر بكل الدفء وهو يرتمي في أحضانهم ويستكين تحت أجنحتهم.
وأما نظرة العلامة وقد اغرورغت عيناه بالدموع كأنه قد تنسم عبير الأخوة العابرة للقارات، تلك الأخوة التي تجعل المسلم في المغرب يُشَمِّتُ أخاه المسلم إذا عطس في مقديشو أو أديس أبابا.
وفي آخر المطاف، إنه العلامة سيدي مصطفى بن حمزة الرجل المتواضع، المفعم بالحب لطلبة العلم مهما كانت جنسياتهم وبلدانهم، سواء كانوا من المغرب أم من مالي أم من السينغال، المهم أن يكونوا مسلمين منتمين لهذه الأمة الخيرة التي حباها الله وانتقاها لتكون أمة نبيه خير المرسلين.
إن هذه الصورة الأيقونة ذكرتنا بما كتبه ليون الإفريقي في رحلاته إلى إفريقيا، وأحيت فينا من جديد الأعمال الجبارة التي قام بها أبو بكر بن عمر اللمتوني في فتوحاته الجنوبية حتى أسلم على يديه نصف إفريقيا..هكذا يتعامل العلماء مع الأفارقة الأشقاء، وهذا ديدنهم عبر التاريخ وما العلامة مصطفى بن حمزة إلا خلف لخير سلف، أحبوا إفريقيا لإيمانها بربها وحبها لنبيها وتمسكها بدينها.
فما الذي يا ترى جعل إبراهيما صوري سيلا يعانق العلامة بن حمزة بتلك الحرارة المنقطعة النظير غير حبه للدين ولعلماء هذا الدين وهو عناق يحمل معاني الفخر بالانتماء لدين جعل كل المؤمنين إخوة لهم حقوق فيما بينهم، ينصر بعضهم بعضا، ويعين بعضهم بعضا، يعبدون ربا واحدا، ويهتدون بنبي واحد ويتوجهون إلى قبلة واحدة.
ما أجملها من أمة لو اجتمعت وتوحدت ومزقت كل الحدود الفاصلة الظالمة وسحبت كل التأشيرات الجائرة التي حالت دون تلاقي الإخوة المومنين، كما حالت دون مرور العلماء بين مدنها وقراها حتى يصل نورهم كل الأرجاء فيعبدوا الناس ربهم على بصيرة ويفهموا سيرة نبيهم كما ينبغي أن تفهم لا كما يريدهم المستشرقون والأعداء أن يفهموها.
Aucun commentaire