جريمة شمهروش: أصل أم شذوذ؟
يا ترى كيف يعقل أن تقع مثل هذه الجريمة في بلادنا؟ من قام بتربية تلك الوحوش البشرية؟ من أي المدارس تخرجوا؟ وفي أي كوكب ترعرعوا؟ هل أسماؤهم هي محمد وعبد الرحيم والطيب وعز العرب وفخر الدين؟ كيف يعقل أن مثل هذه الكائنات كانت تسير بيننا وتتجول في أسواقنا؟ وربما ابتسمت ابتساماتها السوداء الماكرة في وجه أبنائنا، وربما صافحونا يوما دون أن نشعر بالسم الذي في أيديهم أو نرى المكر والخداع الذي في أعينهم أو نلحظ الظلام الذي يملأ قلوبهم، إن كانت لهم قلوب؟
فمهما كان من وراء هذه الجريمة النكراء، أكانت فعلا شخصيا أملاه فكر إرهابي، أو مخطط همجي مدبر، فإن الهدف من ورائه زعزعة الاستقرار الداخلي في بلادنا بقض مضجع كل سائح أجنبي خدمة لأجندات ما، وقد أريد بتصويره أن يصل القاصي والداني وأن يراه الأطفال والنساء لبث الرعب في صفوفنا.
إن أهم حلقة في هذه الجريمة هي كيف يقبل هؤلاء على ذبح شابتين بريئتين في عمر الزهور جاءتا لزيارة بلادنا، ومن المفروض أنهما ضيفتان، كيف يعقل أن يذبح الضيوف؟ في أي ملة عربية أو غير عربية يمكن الإقبال على غدر الضيوف وعدم إعطائهم الأمان الذي قد أعطي لهم بمجرد حصولهم على تأشيرة الدخول إلى أراضينا؟
قد يقول قائل حتى إخواننا في فلسطين قد تم ذبحهم، وكيف تنسى مجزرة صبرا وشاتيلا والحرم الإبراهيمي….أقول يجب عدم خلط الأمور إن فلسطين هي أرض معركة ثم إننا إن قمنا بأفعال مثل الصهاينة وتحلينا بالغدر وسفك الدماء سنكون صهاينة مثلهم، وديننا منا بريء، حتى أثناء الحروب ديننا يحرم قتل النساء والأطفال والشيوخ واقتلاع الأشجار، إن كلام الله تعالى واضح، (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) وفي المقابل (ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا) ولم يحصر الله تعالى هذه النفس في كونها مؤمنة به أو مسلمة له بل قال (نفسا) أي مهما كان دينها أو ملتها، والله تعالى يأمرنا بإحيائها أي أن نطعم الكافر إن كان على وشك الهلاك، أو نسعفه إن أصيب وكان دانيا من الموت، أو أن ندفئه إذا كاد البرد أن يجمد عروقه إحياء له لأنه إنسان وكفـى، بل حتى أعضاءنا الداخلية الثمينة والنفيسة يجيز لنا ديننا أن نتبرع بها إنقاذا له رغم كفره بديننا ومعتقداتنا، أما دينه فلا شأن لنا به، وإن كان لنا به شأن فهذا الشأن يجب أن يتجلى في المعاملة الطيبة والحسنة والإحسان إليه حتى يعلم أن ديننا دين الرحمة وليس دين العذاب.
لا يمكن وصف هذه الجريمة بأقل من أنها جنون وحمق وطيش ووحشية وفساد وافتراس، وربما آن الأوان لنبتكر مصطلحات جديدة تصف هذا الفعل الشنيع وتدل عليه، وأن نبتكر من الصفات ما ينسجم مع وصف هؤلاء الوحوش الكاسرة، فتسميتها بالذئاب هو ظلم للذئاب لأن الذئاب قد خلقها الله دون عقل ووضع لها مكانه غريزة تتصرف على إثرها وبها حتى تسهم في التوازن البيئي خدمة للإنسان وحتى لا تطغى كائنات على أخرى فيختل توازن الأرض. كما لا يمكن تسميتها بالأفاعي ولا الضباع ولا الفهود لأن كل هذه الحيوانات رأينا عندما تتم تربيتها لا تخون أصحابها ولا تتنكر لهم ولا تخدعهم، وتكون في منتهى الود بل وتستطيع أن تلعب وتمرح مع أصحابها. إن الحيوانات المفترسة كالأسود تحمي بعضها البعض وكذا تفعل الذئاب التي تعيش في جماعات وتدافع عن بني جنسها. إننا نحن بني البشر ننتمي إلى جنس واحد هو البشر ميزه الله بعقل ولم يكله إلى نفسه يتصرف كيف يشاء، وحتى ينسجم مع بشريته وإنسانيته بعث له الرسل والأنبياء هادين ومرشدين، وكلما فقد هذه البوصلة بوصلة التأشير على الخير والرحمة تحول إلى بهيمة تتبع شهواتها ووحش كاسر لا يرحم، وهؤلاء بهذه الجريمة وهذا الافتراس وهذه الوحشية صاروا هم الوحوش المفترسة الحقيقية حيث فقدوا عقولهم واغتالوا ضمائرهم ومات فيهم الإحساس وإدراك الفعل.
وإن كنا سنجزم بأن ما قام به هؤلاء الوحوش الساديين يعتبر فعلا شاذا ليس لا من شيم المغاربة ولا من طبعهم، فإن من واجب المغاربة أن يقوموا جميعهم بشجب هذه الجريمة وإدانتها والتنكر لها، والمطالبة بإنزال أقصى العقوبات على هؤلاء الوحوش الضارية ومصاصي الدماء، وأن يتقدموا بالعزاء إلى عائلات الفتاتين وأصدقائهما وإلى دولتي الدانمارك والنرويج حتى يعلم العالم أن المغاربة مسلمون ودينهم لا يسمح بمثل هذا الفعل الشنيع، بل هو دين يدعو إلى الرفق والرحمة وحسن المعشر والتسامح وحسن الجوار واحترام الغير مهما كان دينه ومعتقده.
Aucun commentaire