بعض مظاهر الإساءة للتعليم العموي
بسم الله الرحمن الرحيم
بعض مظاهر الإساءة للتعليم العمومي
منذ سنوات خلت لا يمكنك أن تسمع حديثا عن التعليم العمومي ببلادنا إلا وكان سلبيا يتأرجح بين وصفه بالفشل ورميه بالإفلاس، سواء تعلق الأمر بعموم المواطنين، أو بالمسؤولين من أدنى المستويات إلى أعلاها. مما يستدعي طرح مجموعة من التساؤلات من قبيل: أين تتجلى مظاهر هذا الفشل؟ ومن المسؤول عن هذا الفشل؟ وما هي الآليات المساهمة فيه؟ ومن المستفيد من هذا الفشل إن كان هناك فعلا فشل؟
أما عن وجود الفشل من عدمه فالمسألة تبقى نسبية بحسب تقييمنا الذي غالبا ما يفتقر للمعطيات الكافية والموضوعية التي تسمح بتقييم مخرجات المدرسة العمومية في علاقته، ليس مع الأهداف التي رسمها النظام التربوي، ومن ثم إمكانية مساءلة هذا النظام عن عدم بلوغها، وإنما في علاقتها مع أهداف ذاتية تختلف باختلاف شرائح المجتمع المستفيدة من خدماتها، والتي غالبا ما تشترك على الأقل في هدف واحد يتمثل في إيجاد الشغل لكل متخرج منها، هذا مع العلم أن الأهداف المتوخاة من المدرسة العمومية كما هي واردة في الوثائق الرسمية تبقى جد فضفاضة على الرغم من تضمين الكتاب الأبيض مواصفات المتخرجين من مختلف المستويات والتي يصعب التحقق من تمكنهم منها في غياب آليات التقويم المناسبة، خاصة تلك المواصفات المرتبطة بالجانب القيمي، مع العلم أن الأطر المرجعية لامتحانات مختلف المستويات تنصب على المحتويات بالخصوص. ومع ذلك فالسؤال المطروح هل المدرسة هي المسؤولة الوحيدة على توفير الشغل؟ خاصة وأننا نعلم أن عددا مهما من خريجي الجامعات الأجنبية العريقة تطاله البطالة. ألا تكمن هذه المسؤولية بالأساس في تربية أبنائنا على القيم العملية والمبادئ السليمة المتمثلة في نبذ كل أشكال الغش، والالتزام بالوقت والمواعيد، وتجاوز الأنانية المفرطة، وإتقان العمل مهما كان بسيطا وذلك على مختلف المستويات.
والسؤال الثاني هو ألا يمكن للأعداد المتزايدة من الأطباء والمهندسين والتقنيين أن يشفع للمدرسة العمومية ويعترف لها ولو بنجاح نسبي خاصة وأن تزايد الطلب عليهم من قبل الدول المتقدمة يؤشر على ذلك؟
لماذا لا يتم تثمين الإيجابيات ولو قلت والعمل على الاستفادة منها عوض ضرب المدرسة في مجملها؟ ألا يُحتمل وجود من يريد ضرب المدرسة العمومية؟ (بعيدا عن نظرية المؤامرة) لأنها أصبحت مكلفة، ولأن حذف ما يسمى بالمجانية، التي لا تعني في الوقت الراهن بالنسبة لجل المغاربة الشيء الكثير بسبب كثرة المصاريف المدرسية، محفوف بالمخاطر، كان لا بد من الالتفاف على ما تبقى من هذه المجانية المبتورة بدهاء من خلال الزج بأبناء المغاربة في أحضان التعليم الخصوصي عن طريق تمييع سمعة التعليم العمومي عبر الإشاعة وعن طريق بروز مجموعة من الممارسات السلبية التي يقوم بها أصحابها إما عن وعي وإما عن جهل وكسل.
وحتى أكون عمليا فسأنطلق من كيفية التعامل مع عملية الدخول المدرسي على مختلف الأصعدة والمستويات لأبين كيف تتم الإساءة للتعليم العمومي عن قصد أو عن غير قصد.
من المعلوم في البلدان التي استوعبت أهمية التربية والتعليم في الارتقاء بالمواطن ومن ثم بالوطن إلى أعلى المراتب والمستويات، أن الكل يلتزم بالتاريخ المحدد لانطلاق الدراسة دون أدنى تأخير أو تقصير، فماذا عن الدخول المدرسي في بلادنا ومدى التزام كل الأطراف المعنية بمقتضياته؟
فإذا كانت وزارة التربية الوطنية تُصدر كل سنة مقررا وزاريا يحدد مختلف المحطات والعمليات والأنشطة المبرمجة خلال موسم دراسي معين، وللإنصاف فإن المقرر المتعلق بهذا الموسم قد صدر بتاريخ 11 مايو 2018 فإلى أي مدى تم الالتزام بمقتضياته؟
فعلى مستوى الوزارة نفسها، إلى أي مدى تم توفير العدد الكافي من الأطر التربوية، مفتشون وإداريون وأساتذة، التي يمكن أن تضطلع بمختلف المهام المحددة لها؟ وإلى أي حد قامت بتوفير مختلف البنيات من حجرات وعدة تجريبية وكتب مدرسية…
وعلى مستوى الأكاديميات والنيابات، إلى أي مدى تم حسن استغلال المتوفر من الموارد البشرية، وتفادي تكليفات اللحظات الأخيرة التي غالبا ما يُراعى فيها سد الفراغ أكثر من استحضار المؤهلات التربوية وملاءمتها للمهام التي يناطون بإنجازه أو المستويات التي يكلفون بتدريسها.
أما على مستوى الإدارة التربوية فإلى أي مدى تم الالتزام بإعداد جداول الحصص واستعمالات الزمن للتلاميذ ولوائحهم في الوقت المحدد، وحتى وإن توفرت فإلى أي مدى يسمح عدم استقرار المعطيات ابتداء من الخريطة التربوية إلى عدد الأساتذة مرورا بإعادة التوجيه الذي غالبا ما يكون سببا في خلخلة عمل الإدارة التربوية ككل، وبالمناسبة فإني أتساءل عن جدوى تأخير أجل عملية إعادة التوجيه المنصوص عليه في المذكرة 90 بتاريخ 21 ماي 2007 وكذا في المذكرة 62 بتاريخ 22 مايو 2016 إلى حدود أواخر شهر شتنبر؟
وعلى مستوى الأساتذة فما الدافع من عدم الشروع في تقديم الدروس في اليوم المحدد، وما مدى وجاهة المبرر القائل بعدم حضور التلاميذ أو قلتهم، وما هي الخطوات المتبعة من قبلهم ومن قبل مجالس المؤسسة لحمل الإدارة على تحمل مسؤوليتها لولوج التلاميذ إلى الأقسام مع العلم أن أعدادا كبيرة منهم تتجمهر إما في ساحة المؤسسات أو خارجها دون أن تجد من يأخذ بيدها إلى الحجرات الدراسية، ثم ماذا فعلت الإدارة التربوية مع الأساتذة الذين يوحون إلى التلاميذ بعدم إمكانية الشروع في الدراسة لسبب من الأسباب؟
وأخيرا على مستوى أولياء الأمور وممثليهم، فماذا فعلوا لإرغام المؤسسات على الشروع في الدراسة في وقتها المحدد، وتحفيز أبنائهم على الالتحاق بالمؤسسات عوض تثبيطهم والتلميح لهم بأن الدراسة لا يمكن أن تبدأ في التاريخ المحدد لها، مع العلم أنه في البلدان التي تحترم أبناءها تفرض غرامات مالية على الآباء الذين لم يلتحق أبناؤهم في الوقت المحدد.
هذه بعض الأمثلة وغيرها كثير للنقائص التي تحيط بالدخول المدرسي عندنا، وأعتقد أنها كافية لتشويه صورة التعليم العمومي أمام صورة التعليم الخصوصي الذي يتم فيه الدخول المدرسي في الوقت المحدد له، مما يؤدي إلى الاعتقاد بأن التعليم الخصوصي أجود من التعليم العمومي، وإذا أضفنا اعتماد المؤسسة العمومية على الأساتذة المتعاقدين وتسريح أطرها المقتدرة من خلال التقاعد النسبي ليستفيد منها التعليم الخصوصي، فإن الإشاعة التي مفادها أن التعليم الخصوصي أجود من التعليم العمومي تصبح ذات مغزى ومن ثم الإقبال على التعليم الخصوصي عن طواعية رغم الضائقة المالية التي يمر بها معظم الأولياء وضرب المجانية في الصميم. لذا فعلى كل من له غيرة على التعليم العمومي وعلى مجانيته أن يتشبث به من خلال عدم الإساءة إليه قولا بعدم ترويج فكرة الفشل والإفلاس وعملا من خلال القيام بعمله بإتقان وتفان رغم كل المثبطات، وإلا قيل له « من قال هلكت المدرسة العمومية فهو أهلكَها » مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: » من قال هلك الناس فهو أهلكُهم وفي رواية أخرى فهو أهلكَهم » صدق رسول الله صلى الله ليه وسلم.
1 Comment
كم أعجبني الخطأ اللغوي المطبعي الوارد في العنوان. وكأن القدر تدخل ليجلي لنا طبيعة المسار الذي أخذه تعليمنا العمومي منذ فترة. خاصة بعد وضع مسئولية تعليم أبناء عموم المغاربة بيد مدرسين لا تكوين لهم، وكأننا نرسل أبناءنا للحلاقة لدى أناس لم يتعلموها بعد