من سيدي علي إلى « Gazorla »
بسم الله الرحمن الرحيم
من سيدي علي إلى « Gazorla »
بعد مرور ما يقارب ستة أشهر على انطلاق عملية المقاطعة التي استهدفت الشركات الثلاث المعروفة، يبدو من المنطقي تقييم التجربة والتساؤل عن النتائج التي حققتها بالنسبة للمواطن العادي، وعن مدى توفر عناصر استمراريتها.
في البداية لا بد من الإشارة إلى أهمية هذا النوع من السلاح السلمي في خلخلة تمثلات مختلف مكونات المجتمع حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في توجيه وخلق التفاعلات بين هذه المكونات ابتداء من المواطن البسيط وانتهاء بالحكومة وأعضائها مرورا بلوبيات التحكم في الاقتصاد الوطني. فبعدما كان يُكتفى فيها في أغلب الأحيان بتبادل مواضيع الترفيه، أصبحت وسيلة فعالة وناجعة وسريعة في تجنيد المواطنين للاستجابة لنداء أو فعل معين، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما مدى وعي المواطن بالأهداف والملابسات التي تؤطر هذا الفعل المتمثل في هذه الحالة في المقاطعة؟ وهذا السؤال يؤدي بنا إلى مجموعة من الأسئلة المتداخلة من بينها: من هم هؤلاء الذين دعوا للمقاطعة؟ ما هي أهدافهم من وراء المقاطعة؟ ما هي انتماءاتهم السياسية والحزبية؟ ما موقعهم في الساحة الاقتصادية؟ وما علاقتهم بمسؤولي الشركات الثلاث؟ …
إذا كانت هذه الأسئلة وغيرها كثير تبقى دون إجابة، فإن الاستجابة العفوية للمقاطعة من قبل عدد كبير من المواطنين تبقى محفوفة بالمخاطر، لأن أية عملية من عمليات التغيير تستلزم القناعة الناتجة عن الإحاطة الكاملة بمختلف العوامل المتحكمة فيه، ومن ثم تحديد وتقاسم الأهداف المتوخاة مع مختلف الشرائح المعنية بشكل دقيق، وإلا فكل واحد سيتمثل أهدافا خاصة به، وبمجرد عدم تحققها سيفقد الثقة في الداعين إليها، وما داموا غير معروفين، فإنه سيعزف عن كل عملية تغيير مستقبلية حتى وإن كانت وجيهة، ولنا في الربيع العربي مثال حي على خيبة أمل الشعوب العربية التي كانت تتوق للانعتاق من رقبة سيطرة الحكام وجورهم، حتى أصبحوا يتطلعون إلى أقل مما كانوا عليه في ظل الأنظمة التي أطاحوا بها، ولو تمت استشارة الشعوب وتم إشعارهم بإمكانية حصول ما حصل ما كان لها أن تنخرط في عملية محفوفة المخاطر دون الاستعداد الكافي لمواجهة كل الاحتمالات.
وإذا عدنا إلى موضوع المقاطعة وحاولنا جرد النتائج المنبثقة عليها سنجد أن ثمن المحروقات عرف ارتفاعا محسوسا عوض الانخفاض الذي كان يتوخاه المواطنون، ثمن الحليب ومشتقاته بقيت على ما كانت عليه باستثناء بعض السنتيمات التي وعدت بها الشركة المعنية، ماء سيدي تم استبداله بماء تتحكم فيه نفس الشركة تحت اسم آخر، والأدهى أن مجموعة من المقاهي استبدلته بماء « Gazorla » وماء « Mondariz » الإسبانيين المنبع والتعبئة.
وإذا اقتصرنا فقط على هذه النتائج البارزة والتي لا يمكن لأي كان أن ينكرها يمكن أن نطرح مجموعة من التساؤلات نجملها في التالي:
- ماذا ربح المواطن المغربي من مقاطعة شركة أفريقيا سوى المساندة لباقي الشركات التي تعمل في مجال المحروقات من مثل طوطال وشال وبيتروم …مع العلم أن دور هذه الأخيرة في تخريب اقتصاد وبيئة عدد من بلدان القارة السمراء غير خاف على أحد.
- ماذا ربح المواطن المغربي من مقاطعة سنطرال سوى الرفع من رقم معاملات الشركات الأخرى والتجني على مجموعة من العمال لدى سنطرال وعلى الفلاحين الذين كانوا يتعاملون معها، وكأن هذه الشركات كانت تبيع منتوجاتها بثمن أقل أو أنها كانت تؤدي لعمالها ثمنا أكبر وتقتني الحليب من الفلاحين بثمن أكبر.
- ماذا ربح المواطن والاقتصاد المغربيين من مقاطعة ماء سيدي علي في الوقت الذي لا زال ماء نفس الشركة يُستهلك تحت اسم آخر وبنفس الثمن والأدهى من هذا كله هو لجوء عدد كبير من أصحاب المقاهي إلى ماء معدني إسباني في غياب أدنى المعطيات عن ماهية الشركة التي تستورده، كأنهم بهذا يقولون بأن الماء المغربي أصبح غير صالح للشرب أو هو أقل جودة من نظيره الأوروبي على غرار ما يتم تداوله عند مقارنة أية سلعة مغربية بمثيلاتها من السلع الأجنبية، مما يؤدي بالضرورة إلى مزيد من فقد الثقة في كل ماله علاقة بالمنتوجات الوطنية سواء كانت مادية أو معنوية.
- أليس هناك ما هو أحق بالمقاطعة من هذه المواد، مع العلم أن جل هذه المواد أساسية ولا يمكن الاستغناء عنها في الوقت الذي توجد فيه مواد ليس فيها من الفائدة سوى ما تجنيه تلك الشركات نفسها وشركات تصنيع الأدوية التي تستفيد من الأضرار التي تُحدثها إن على مستوى الأفراد أو المجتمعات، فكل ما يتعلق بالمشروبات الغازية والمشروبات الكحولية ومختلف أنواع التبغ والمخدرات وكل الكماليات المستوردة بالعملة الصعبة أولى وأجدر بأن تُقاطع وأن تُحارب مختلف الجهات التي تعمل على التطبيع معها، وذلك من خلال توعية المواطنين بخطورتها على الأفراد والمجتمع وعلى الاقتصاد الوطني على حد سواء.
ألا يحق لنا بعد هذا أن نشك في الأهداف المتوخاة من المقاطعة، وفي الأيادي التي حركتها، وأن نفترض أن الأمر يتعلق بتصفية الحسابات المادية والسياسية بين مختلف اللوبيات المتحكمة في رقاب المواطنين باستعمال أخبث الأساليب المتمثلة في استغلال حسن نية المغاربة الممزوجة بنوع من السذاجة التي تؤدي إلى الإمعة، وإلى عدم التبين اللذان يخالفان مقتضيات ديننا الحنيف الذي يَنهى عن الإمعة ويدعو إلى التبين قبل الإقدام على أي فعل مهما كان، مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم « لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن أساءوا أسأنا، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسنوا أن تحسنوا وإن أساءوا أن لا تظلموا » ومصداقا لقوله تعالى: » يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ».
علينا إذن أن نكون أحرارا في أفكارنا وأن نتوخى في تجسيدها على الواقع مصلحة الأمة والثبات على المبدأ مهتدين بحديث الإمعة وبآية التبين، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
3 Comments
كانت هناك في السابق محاولات أذكى لكسر سلاح المقاطعة لكن باءت كلها بالفشل. المغاربة أثبتوا أنهم أذكى وأوعى مما يظن البعض
كلام في الصميم وسؤالك عن مادا استفاد المقاطعون من هده المقاطعة للمواد الثلاث؟؟؟ هل تم تفعيل المنافسة الحقيقية بين الشركات و استفاد المواطن منها بتخفيض أثمنة المحروقات و الحليب والماء المعدني وبالجودة المطلوبة؟؟! الجواب عند لمداويخ أما أنا فأقول ان اللوبيات المسيطرة على اقتصاد البلاد تتلاعب بالمستهلكين المغاربة و تفرض شروطها على الجميع في غياب دور الدولة بتفعيل مجلس المنافسة و سيبقى الحال على ماهو عليه مادام المواطن المغربي لم يعي ان هو المحرك الرئيسي لهؤلاء الشركات و ان خلق جمعيات المستهلكين امر لابد منه شريطة ان يقوم على اعمالها أناس نزهاء و نشيطين و يكون همهم الاول الدفاع عن مصالح المستهلكين وليس مصالحهم الشخصية . هذه الجمعيات يمكن لها أن تكون قوة اقتراحية للقوانين التي تحمي المستهلكين المغاربة و تفرض وجودها في الساحة السياسية و الاقتصادية.
أثبتت التجربة في المغرب أن الوسائط من قبيل الأحزاب والنقابات وجمعيات المستهلكين وغيرها ما هي إلا وسائل لدى النافذين للحيلولة دون دفاع المجتمع عن حقوقه بشكل جدي ومثمر.. وإدراك هذا المعطى هو ما أقنع المجتمع بضرورة الدفاع المباشر عن مصالحه، والمقاطعة هي إحدى تجليات هذه القناعة. ومن يرى أن تلك الوسائط خدمت مصالح أخرى أوسع من مصالح أفرادها فلبسطها لنا لنرى. أخيرا، الدوخة في رأيي هي أن نستمر كمجتمع في بلع طعم الوسائط التي تضمن للنافذين في آخر المطاف بقاء الحال على حاله، وذاك ما يحصل على أرض الواقع
مع احترامي الكلي لكل الآراء