أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون
أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون
أحمد الجبلي
لم أكن أظن أنه سيأتي يوم نشعر فيه نحن المغاربة بالغربة كتلك الغربة التي عاشها المسلمون الأوائل، بل لو كان هذا هو شعورنا لكان أهون، لأن الأمر أبعد من ذلك، أي هو شعور بغربة تشبه الغربة التي عاشها سيدنا لوط في القرون الغابرة.
لقد قمت اليوم برحلة عبر الزمن حيث حطيت الرحال في زمن سيدنا إبراهيم الخليل، ورأيت كيف أن سيدنا لوط قام بأمور تتنافى مع الحداثة ولا تواكب تطورات العصر، لأن عصره كان متميزا متطورا ورائدا في الحرية حيث الرجل يمكن أن يجامع رجلا، والمرأة أن تجامع امرأة، والفتاة الصغيرة يمكن أن تصير أما عازبة، وذاك تحرر مطلوب، وأحد أهم مؤشرات التقدم والنمو، فعلا كان عصرا حداثيا بامتياز، لكن سيدنا لوط فضل التحليق خارج سرب الحداثة وتعاطى وبناته لأمور غريبة، حيث قالوا بأن هناك زواجا اسمه الزواج الشرعي أي زواج بين رجل وامرأة ولا يسمحون بأي علاقة خارج هذا الإطار، مدعين أن هذه العلاقة من شأنها أن تحمي الرجل والمرأة من السرطان وأمراض جنسية أخرى كالزهري والسيلان والسيدا، أي يحرمون العلاقات الجنسية المتعددة، والغريب في الأمر أن النبي لوط أبى أن يواكب حداثة عصره وظل متعصبا ومتشبثا بقيم غريبة مثل العفة والحياء والطهارة. وبعد صبر طويل لم يستطع المجتمع أن يتحمل وجود كائنات مثل لوط وبناته يدعون إلى هذه الأشياء الغريبة، ولهذا كان لابد من أن يتخذ المجتمع قراره وذلك بإخراجه وطرده ونفيه بسبب هذه الطهارة المزعجة التي ظل متمسكا بها بل ويدعو إليها ( وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون).
هذا هو المعنى بالضبط الذي دعت إليه سمية نعمان كسوس في رسالتها التي بعثت بها إلى وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية والأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء ورئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري « الهاكا »، بجانب وزراء الصحة والتعليم والثقافة والاتصال تشكو ما قاله أحد الفقهاء المغاربة في إحدى البرامج الإداعية، حيث قالت: « إن الخطاب الذي يعتمده الداعية المغربي يوجه من خلاله رسائل إلى النساء المغربيات يحرضهن على عدم القيام بالعلاقات الجنسية المتعددة مع رجال بمبرر تجنب الإصابة بالسرطان »، متسائلة: « هل يعقل، في مغرب القرن الحادي والعشرين الذي يتوجه للحداثة، ومحاربة الظلامية والتطرف الديني، التسامح مع مثل هؤلاء الأغبياء وكيف يمنح مسؤولو الإذاعات الكلمة لفقهاء جهلة لتعليم الناس وتوجيههم.. إنها إهانة لذكاء المغاربة وكرامتهم !! ».
نعم لا يعقل أبدا.. أبدا أن يبقى هؤلاء الحثالات يخطبون علينا خطاباتهم الظلامية والعدمية ويدعون نساءنا إلى اجتناب الزنى والعلاقات الجنسية المتعددة، لا يمكن السماح لهؤلاء المتزمتين المكبوتين المعادين للحداثة والعصرنة بأن يدعون بناتنا ونساءنا والأسرة المغربية عموما إلى العفة والطهارة والتحلي بقيم الحشمة والحياء. ولهذا لابد من إرسال رسائل تنديد إلى كل الجهات وتحميلهم مسؤولية هذه الجريمة النكراء التي تلحق بالزنى والمعاشرة الجنسية المتعددة.
لقد آن الأوان لنضع حدا لهذا الغباء والهراء ونقف كسد منيع في وجه خطابات هؤلاء التي تحرض على عدم القيام بالممارسات الجنسية المتعددة، وتدعو إلى الاكتفاء بالعلاقات الزوجية الفردية التي تتعارض والحداثة ومع تطورات القرن الواحد والعشرين.
نعم لا يعقل أن يسمح للجهلة والأغبياء أن يفسدوا علينا التمتع ببعضنا البعض نساء ورجالا، ولن نسمح لهم بفعل ذلك حتى يكثر أبناء الزنى وتختلط الأنساب، وتكثر الأمراض والسرطانات، لن يخوفونا بالسرطان ولن يخوفونا بعذاب الله، لأننا لا نخاف الله، فالحداثة تقتضي منا أن نفتح المجال بشجاعة ونشجع على العلاقات الجنسية المتعددة، ونحتفي بالأمهات العازبات، لابد من أن نواكب التطورات المجتمعية المنسجمة مع القرن الواحد والعشرين.
والله العظيم لم أصدق ما قرأت، وما كنت أعتقد أن التاريخ فعلا يعيد نفسه، وأن زمن سيدنا لوط عليه السلام قد أطل علينا من جديد، بعد كل هذه القرون، وأن الجريمة التي فعلها سيدنا لوط عليه السلام ومن معه هي دعوته الناس إلى اجتناب الزنى واللواط والتحريض على العفة والطهارة، لم أكن أعلم أن الدعوة إلى ترك الزنى جريمة خطيرة تتعارض مع ذكاء المغاربة. كما أنني لأول مرة سأشعر بحجم المعاناة الحقيقية التي عاناها الأنبياء وهم يدعون مجتمعاتهم إلى الفضيلة والعفة والشرف.
لقد قرأت قصة سيدنا لوط مرارا وتكرارا واطلعت على العديد من التفاسير التي قاربت ذاك الموضوع في بعده الاجتماعي والديني محللة طبيعته وطبيعة الصراع الأخلاقي والمجتمعي الذي كان حينئذ، ولم يحصل لي الشرف أن أفهم حقيقة أن يوجد أناس يعادون الطهارة والعفة والأخلاق. إلا هذا المساء، وعلى يد صاحبة كتاب « بعيدا عن العفة » عفوا » بعيدا تماما عن العفة » وكتاب » بلا حشومة » وعالمة الاجتماع الفرانكفونية التي احتفت بها فرنسا أيما احتفاء نظرا لاهتمامها بحياة المرأة الجنسية ولكونها راعية وحاضنة للأمهات العازبات.
لنفرض أن الرسالة قد وصلت إلى السيد وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية، ووصلت كذلك إلى الدكتور أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، ووصلت إلى جميع الوزراء، فماذا سيقولون لهذا الفقيه؟ هل سيقولون له لماذا تحث الناس على العفة والطهارة؟ أم لماذا تحرض على اجتناب الممارسات الجنسية المتعددة؟
ختاما وبكل صدق، لم أكن أعتقد إطلاقا أن مثل هذه الكائنات الغريبة، فعلا، تعيش بيننا.
Aucun commentaire