السعيدية بين فقر التسيير وبؤس التدبير
أعود إلى السعيدية بعد غياب طويل ، وفي الذهن صورة خيالية ،كنت أؤمل أن أجد هذا المصطاف الجميل يعكسها أو يتجاوزها ،ولكن خيبة الأمل كانت صادمة .طفقت إثرها أنبش في ذكريات الماضي باحثا عما قد يهون خيبة الحاضرساءلت نفسي ،وحاورت زملائي ،باحثا عن أسباب هذا التردي .هل هو فقر في الموارد المالية ؟ هل هي إكراهات ما أرغمت المسؤولين على الاستسلام ؟ هل هو فقر في التسييروالتدبير ؟ أو بعبارة أوضح ، تدن في مستوى الموارد البشرية المكلفة بالتسييروالتدبير؟ من الصعب تحميل جهة ما لوحدها ،ولكن نسب المسؤولية تتفاوت بين عنصر وآخر،وقد قر رأيي على أن ضعف الموارد البشرية المدبرة وافتقارها الى ثقافة الاشراف على منتجع سياحي سيكون من الأسباب القوية التي أفرزت ما سأشير اليه في ما يلي:
أعطى المشروع السياحي للشركة السياحية قفزة نوعية للمدينة في إبانه، ثم ما لبث أن صار باهتا ،جنى منه البعض أموالا طائلة بغير وجه حق لأن جل ما بني هناك لايزال غير صالح ، أذا قارنا ما أنجز بما كان مقررا إنجازه .وكانت الخسارة أن فقدت السعيدية 750هكتارا من الأراضي في هذا المشروع .وماذا استفاد المواطن العادي ؟حرم المصطافون من شريط ساحلي كان قبلة للآلاف من العائلات تقصده لتجد راحتها وراحة أبنائها ، وتم ضغط الجماهير في الواجهة البحرية المحاذية للمدينة، وعم الاكتظاظ وسادت كل أصناف وصور السلوك الاصطيافي الرديئ ماذا فعل المسؤولون عن التدبير في المدينة؟ بدل أن يفتحوا مسالك نحو أجزاء شبه مهجورة خلف (فاديسا)قد لاتكلف أموالا كثيرة ، وستدر مداخيل هامة ،إضافة الى التنفيس عن المصطافين وتخليصهم من الازدحام وتوابعه أقول، بدل أن ينشأ ما ذكرت أو ماشابهه مما ينتجه ذكاء أولئك المسؤولين ، أباحوا الفوضىو » السيبة » بل ربما سوقوها رغم أنف كل الناس : على طول الشاطئ تحتل كراسي ومظلات شباب يكادون يفروضنها فرضا على المصطافين ،لكونهم لايتركون حيزا لمن يجلب أدواته الخاصة ليستعملها ،وويل لمن سولت له نفسه أن يحتج أو يعترض من أباح لهؤلاء استغلال الشاطئ وهو من الملك العام ؟ وكيف تم ذلك؟ ومن يراقبه؟ لااعتراض على ارتزاق أولئك الناس بكراء تلك المستلزمات ، ولكن بوضعها في محلات في الخلف ومن رغب فيها يطلبها ثم تثبت له على الشاطئ أما الباعة المتجولون لكل المأكولات والمشروبات ،فحدث ولا حرج .من بائع الزريعة الى شاوي الذرة ،سلسلة من أصناف أخرى .لااعتراض على توفير مثل هذه الخدمات ولكن بشروط وتحت مراقبة وتتبع جهات معنية ـتحرص على ان تقدم للمستهلك منتوجا جيدا ،كما تقدم صورة حضارية عن الشاطئ ومرتاديه وقفت على صورة يندى لها الجبين ، وقد تكون غيضا من فيض : فوطات نظافة الصغار ملفوفة فوق الرمال ،وغير بعيد عنها قشر بطيخ « دليع ».هذه لقطة واحدة من آلاف لاأحد يراقب أو يحسس أو يعاقب .أين تربية وأخلاق الانسان المسلم وحرصه على نظافة بدنه ومكانه ؟ اين مبادئ المحافظة على البيئة ؟ أيها المسؤولون ،إن من واجبكم تربية المجتمع ،وبكل الوسائل والأساليب: من التوعية والتحسيس، الى الزجر والمعاقبة ،إن اقتضى الأمرمن غرائب الأمور في الجوهرة السعيدة ، وبالمناسبة فإن اسم السعيدية ، وهو حديث قد جاء من نعت السعيدة كما يرجح البعض، إذ حين أسسها السلطان مولاي الحسن كانت تدعى القصبة السعيدة ،أما قبل ذلك فإن تسميتها القديمة هي « عجرود ». أقول من غرائبها الحالية أن أنشئ بها سوق جديد ذو تنظيم مقبول يضم تجارة الملابس والادوات المنزلية في جناح ،والخضر والفواكه واللحوم في جناح آخر ولكن دون توفره على الماء، فلنتصور معا سوق سمك ،في مدينة ساحلية ،لايتوفر على الماء ،ويلجأ الباعة الى احضار دلاء ماء من اماكن اخرى ، سوق منتوج مائي بدون ماء لتنظيف اماكن العرض وما حولها ان الزائر ليتقزز من الروائح الكريهة التي يشتمها في هذا المكان -لايمكن إنكار جهود مسؤولي الأمن المتمثلة في الحضور المستمر في المدينة ، والتدخل السريع عند الضرورة ، ولكن ما يغيب عنهم هو أن بعض المناطق الاخرى في المدينة تعرف فوضى مرورية وسرعة جنونية ،وأورد على سبيل المثال حي طنجة وشارع النخيل .تقديرا لجهود الأمنيين واستحالة تغطيتهم لكل المناطق باستمرار فإنا نهيب بهم إلى تخصيص دوريات بهذه المناطق التي تعرف اكتظاظا كبيرا في موسم الاصطياف
إضافة إلى ذلك فإن بعض مستعملي الشاحنات الكبيرة والحافلات يركنون مركباتهم ودعوة من يهمه الأمر إلى إقامة ممهلات سير « دودانات » في الطرق التي تغري بالسرعة بجوار مساكن المصطافين ويزعجونهم في أوقات متأخرة أو في الصباح الباكر،في حين يمكن منع ركن الشاحنات في هذه الاماكن (الصورة)
ليسامحني المسؤولون على تدبير الشأن العام بالسعيدية ،فأنا لاأبخسهم حقهم في ما يبذلون من جهود ،ولكني أقول إنها غير كافية ،وتحتاج الى التفكير والابتكار للرفع من القيمة السياحية للمدينة السعيدية الآن تجمع بشري كبير ، في مكان أريد له أن يكتظ ويزدحم وكأن الأرض قد ضاقت بما رحبت .هذا الجمع الغفير طاردته حرارة الصيف الحارقة ،جاء ليروح ويستريح ،فيفاجأ بتردي الخدمات والأماكن والسلوكات الشائنة.أما ماعدا ذلك فهو منعدم أعني جانب الترفيه والتثقيف ما عدا منصة اتصالات المغرب التي تتكرم بحفلاتها الغنائية المعتادة ،فلا وجود لمعارض فنية ولا لعروض مسرحية أو سينمائية .أين جمعياتنا الادبية والفنية ؟ أين مواهبنا المختلفة؟
لاشك أن فعالياتنا موجودة ولكنها غائبة .لاتستطيع أن تدعو نفسها .إنها في حاجة الى من يهيئ لها أجواء العرض وما يتطلبه من دعاية محلية ووطنية ..لن يخسر مسؤولونا أموالا طائلة وسيكسبون المدينة وجها مشرقا جذابا ، يمكن أن يتجاوز حدود الوطن الى خارجه أعود الى البداية وأؤكد فرضية الانطلاق :السعيدية في حاجة الى تدبير وتسيير يمتح من ثقافة الترفيه والتثقيف ، ناهيك عن مؤهلات الرواج الاقتصادي والتجاري ، وبذلك سيمكن
لكل غائب عائد مثلي أن يجد في جوهرته الزرقاء جواهر أخرى تغريه بالاطلالة بين الحين والحين.
1 Comment
حبذا لو تجد الصيحات المتتالية آذانا صاغية من المسؤولين لتطهير » الجوهرة الزرقاء » من الاوساخ والمظاهر المشينة…لانها المتنفس الوحيد لجهة الشرق والغرب معا…
تحياتي للأستاذ الذي وصف الوضع الحالي للسعيدية وصفا موضوعيا دقيقا…