« هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام » وقفة مع خطاب العرش
« هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام » وقفة مع خطاب العرش
محمد شركي
» هذا يوم كائن له ما بعده من الأيام » عبارة منسوبة للشاعر الجاهلي دريد بن الصمة جرت مجرى مثل يضرب ليوم يكون فيه حدث جلل يؤثر فيما يليه من الأيام . وحق أن يضرب هذا المثل بمناسبة خطاب العرش يوم أمس . لقد جاء هذا الخطاب كما توقع الرأي العام الوطني في غاية الأهمية . وأول ملاحظة تسجل عن هذا الخطاب أنه خلا من تناول القضايا الدولية والخارجية بالرغم من خطورتها وأهميتها ،الشيء الذي يعني أن عاهل البلاد خص بخطاب العرش الوضع الداخلي بسبب بعض الأحداث الداخلية . ومع أن الخطاب الملكي وردت فيه إشارة إلى أحداث مدينة الحسيمة تحديدا، فإنه اعتبر ما حدث في تلك المدينة يمكن أن يحدث في غيرها، وركز على تحليل وضع البلاد الراهن عموما . ويتضمن الخطاب الملكي ثنائية عبارة عن انتقاد وإشادة ، أما الإشادة فكانت بأسلوب تدبير القطاع الخاص ، وبالمسؤولين الإداريين والسياسيين الشرفاء الصادقين في حب وطنهم المعروفين بالنزاهة والتجرد والالتزام بخدمة الصالح العام ، وبالقوات العمومية التي قامت بواجبها على الوجه المطلوب في الحسيمة بمسؤولية وشجاعة وصبر وضبط النفس والتزام القانون في الحفاظ على الأمن والاستقرار، الشيء الذي يوجب الفخر بها عكس ما كان يصفها به من نعتهم الخطاب الملكي بأصحاب الأطروحة المتجاوزة التي تستغل للاسترزاق والذين لا مصداقية لكلامهم . وأما الانتقاد فقد استاثر بحيز أكبر في الخطاب ، وشمل القطاع العام خصوصا الإدارة العمومية التي تعاني من ضعف الحكامة وقلة المردودية ، وشمل الموظفين العموميين الذين لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة والطموح اللازمين والذين يقضون أوقاتا معدودة في مقر عملهم ويكتفون بالراتب الشهري المضمون دون بذل جهد واجتهاد ، وشمل الأحزاب والطبقة السياسية والمنتخبين الذين أفسدوا السياسة وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل، الشيء الذي جعل الملك نفسه غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة ولا يثق في عدد من السياسيين الذين لهم مصالح شخصية وحزبية ويعتمدون خطابات شعبوية ، ويفضلون منطق الربح والخسارة للحفاظ على رصيدهم السياسي وتعزيزه على حساب حب الوطن .
ويمكن أن تستشف من الخطاب الملكي قرارات حاسمة تكون في غاية الأهمية إذا قدر لها التنزيل والتفعيل ، و نذكر منها ما يلي :
ـ الاستئناس بنموذج التسيير القائم على آليات المتابعة والمراقبة والتحفيز مع جلب أفضل الأطر المكونة وهو نموذج يعتمده القطاع الخاص ويتعين على القطاع العام السير على نهجه .
ـ حق المواطنين في الحصول على أجوبة مقنعة وفي آجال معقولة عن تساؤلاتهم وشكاياتهم مع شرح الأسباب وتبرير القرارات مع اعتماد السند القانوني .
ـ المسؤولية هي الانصات إلى انشغالات المواطنين .
ـ محاسبة وإقالة كل مسؤول ثبت في حقه تقصير أو إخلال في النهوض بمهامه .
ـ ضرورة التطبيق الصارم لمقتضيات الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة .
ـ تطبيق القانون على المسؤولين دون استثناء أو تمييز وبكافة مناطق المملكة كما يطبق على جميع المواطنين، ولا تهرب من المسؤولية ، ولا إفلات من العقاب .
ـ ضرورة التفعيل الكامل والسليم للدستور والقانون .
ـ تعطيل المسؤولين للمشاريع التنموية لحسابات شخصية او سياسية يعتبرخيانة .
ـ مراجعة مسؤوليات ومهام الأحزاب السياسية ومحاسبتها ،وذلك بتواصلها مع المواطنين وحل مشاكلهم وتأطيرهم وتمثيلهم وخدمة مصالحهم .
ـ النأي بالشأن العام عن المصالح الشخصية والحزبية .
ـ احترام اختصاصات المؤسسات ، وعدم عرقلة عملها ،وفصل السلط .
ـ من مهام الملك الدستورية ضمان أمن البلاد واستقرارها وصيانة مصالح المواطنين في حال تخلف المسؤولين عن القيام بواجبهم وترك قضايا الوطن والمواطنين للضياع .
ـ عدم التراجع عن المكاسب الديمقراطية .
ـ كل مسؤول لا يمارس صلاحياته ويبرر عجزه بوجود من يمنعه من ذلك عليه أن يقدم استقالته .
ـ المغرب فوق الجميع فوق الأحزاب و فوق الانتخابات وفوق المناصب الإدارية.
ـ من أجل وضع أنجع نموذج تنموي وأحسن المخططات والاستراتيجيات لا بد من : تغيير العقليات / توفر الإدارة على أفضل الأطر / اختيار الأحزاب لأحسن النخب المؤهلة لتدبير الشأن العام / الاتصاف بروح المسؤولية والالتزام الوطني.
هذا بعض ما يمكن أن يستشف من خطاب العرش وهو خطاب يوم كائن له ما بعده من الأيام . وإن الشعب المغربي يترقب تنزيل مقتضيات هذا الخطاب التاريخي في أقرب وقت ممكن لتنطلق قاطرة التنمية بقيادة عاهل البلاد الذي يعتز بخدمة شعبه الوفي والملتحم به حتى آخر رمق ، و الذي عاهد الله عز وجل على مواصلة العمل الصادق من أجله والتجاوب مع مطالبه وتطلعاته .
Aucun commentaire