السلسلة الصحية « شَــرَّحْ…مَــلَّــحْ » « وزارةُ أبريل »
السلسلة الصحية « شَــرَّحْ…مَــلَّــحْ »
« وزارةُ أبريل »
« كذبة أبريل » عادةٌ ليس لها أصل تاريخي مؤكد لكن آراء غالبية المؤرخين تربطها باحتفالات الأوروبيين بمطلع السنة الميلادية الجديدة و التي اتخذت في بادئ الأمر اليوم الأول من أبريل كموعد لها تبعا للتقويم الذي وضعه الفرنسي « شارل التاسع » عام 1564م، حيث كان الاحتفال بعيد رأس السنة يبدأ في 21 مارس وينتهي في الأول من أبريل، إلى أن جاء البابا « غريغوري الثالث عشر » عند نهاية القرن السادس عشر فعدل التقويم ليبدأ العام الجديد في الأول من يناير، هنا تم إطلاق تعليقات ساخرة على من ظلوا يحتفلون حسب التقويم القديم لأنهم بذلك يصدقون « كذبة أبريل »…
للمغاربة أيضا أكاذيبهم في هذا الشهر و لعل أصدَقَها تعيين أعضاء الحكومة في 05 أبريل 2017 بعد غيبوبة دامت لستة أشهر وقفنا خلالها على تطبيقٍ « أبْريلي » للدستور المغربي أو بالأحرى « لروح » الدستور المغربي، و اكتوينا بلهيب الغيرة الوطنية المنقطعة النظير لدى أحزابنا و ممثلي « أمةِ أبريل »…لستُ ضليعا حتى أخوض في براثن السياسة المغربية لكن ما أثار سخريتي في الأمر هو تاريخ تعيين الحكومة و بالضبط تعيين السيد وزير الصحة في شهر له من الرمزيةِ « الورديةِ » الشيء الكثير…
مباشرة بعد تعيين السيد وزير الصحة صرح لمنبره الحزبي أنه سعيد بما حققه في الولاية السابقة و سيعمل خلال الخمس سنوات المقبلة على استكمال تنفيذ الأوراش التي بدأها سلفا، و سيستهل ورشا جديدا طالما نادى به مهنيو الصحة و أكدوا أنه الأولوية و المفتاح لنجاح و استقامة ما دونه من أوراش، ألا وهو النهوض بوضعية الموارد البشرية. أربع و عشرون ساعة بعد هذا التصريح و بالضبط يوم 06 أبريل 2017 بدأت أولى بوادر استراتيجية السيد للوزير لإكرام العنصر البشري من خلال السماح « بِطَحْنِ » مئات الممرضين الذين كانوا بصدد تنظيم اعتصام عند مدخل وزارة الصحة تحت إطار « حركة الممرضات و الممرضين من أجل المعادلة »، ما خلف أزيد من عشرين إصابة « بِـزْريـويِطاتْ أبريل » بين كسور و ارتجاجات و جروح و إغماءات…فبدأت بذلك الاحتفالات برأس السنة الوردية الجديدة… و تبنى بذلك السيد الوزير مقولة « محمود درويش » التي عرف فيها الخطابة على أنها الكفاءة العالية في رفع الكذب إلى مرتبة الطرب، وفي الخطابة يكون الصدق زلة لسان…
تطالب هذه الحركة و من خلالها يطالب جميع ممرضي المغرب بالمعادلة أو المماثلة العلمية و الإدارية لدبلوم ممرض مجاز من الدولة بسلكيه الأول و الثاني المسلم من طرف معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي (الذي يُتوِّج ثلاث سنوات من الدراسة الأساسية بعد الباكالوريا) بالإجازة الوطنية و بالتالي ترتيب الممرضين في السلم الإداري المناسب عوض السلم التاسع الذي يقبعون فيه حاليا. مطلب لم يأتي من فراغ بل أقرته وزارة الصحة نفسها في أكثر من مناسبة و على صفحات مجموعة من المحاضر الموثقة التي نذكر منها محضر اتفاق 05 يوليوز 2011 بين وزارات الصحة و الاقتصاد و المالية و تحديث القطاعات العامة من جهة و أربع نقابات أكثر تمثيلية من جهة ثانية، حيث جاء فيه بالحرف ما يلي: « …تمت الموافقة المبدئية على معادلة الدبلوم المسلم من طرف معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي بالإجازة. و سيتم تحديد كيفية أجرأة هذه النقطة بتنسيق مع مصالح وزارة التعليم العالي، و بناء على ذلك سيتم إدماج حاملي هذه الدبلومات و الشواهد في درجة مطابقة للسلم 10 ». بعد مرور أكثر من خمس سنوات ما تزال دارُ الممرضين على حالها و ما تزال الوزارة على بُهتانها رغم اعتراف وزارة التعليم العالي و البحث العلمي و تكوين الأطر بمماثلة دبلوم السلك الأول للإجازة الجامعية من خلال مراسلتها لوزارة الصحة تحت رقم 02/0431 بتاريخ 16 فبراير 2016، و قرار وزير التعليم العالي رقم 1432.16 الصادر بالجريدة الرسمية عدد 6486 المؤرخة ب 28 يوليوز 2016 القاضي بفتح تكوينات سلك الدكتوراه في وجه دبلوم السلك الثاني لمعاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي.
ورد أيضا في ذات المحضر و بالحرف ما يلي: « …و اعتبارا لصيرورة الحياة الخاصة بفئة الممرضين المجازين من الدولة، و تماشيا مع ما تم إقراره في إطار الحوار الاجتماعي الأخير، تقرر إضافة درجة استثنائية (خارج السلم) لفائدة الممرضين ارتباطا بمراجعة سن التقاعد، حيث سيتم تفعيل هذا الإجراء مباشرة مع الشروع في تطبيق مراجعة سن التقاعد ». بعد أزيد من خمس سنوات على توقيع المحضر شرعوا في تطبيق كل شيء و أي شيء إلا ما يتعلق بالممرض الذي نال « اللاشيء »…
محضر آخر بتاريخ 10 دجنبر 2012 وقعته وزارة الصحة مع لجنة التنسيق الوطني لممرضي و خريجي و طلبة معاهد تأهيل الأطر في الميدان الصحي بالمغرب اعترف حرفيا بالآتي: « المعادلة الإدارية لدبلوم ممرض مجاز من طرف الدولة بالإجازة المهنية، و بالتالي الإدماج في السلم 10، و فتح نقاش و حوار جاد مع المعنيين في أفق المعادلة العلمية ». كما جاء فيه أيضا: « الالتزام بإخراج الهيئة الوطنية للممرضين و القانون الأساسي المنظم لمهنة التمريض في أقرب وقت ممكن ». لكن للأسف و إلى حد كتابة هذه السطور لم يرى الممرضون سوى حِـبْـرِ المَحاضِرِ و وُعود المنابِـرِ و قسطٍ « وافٍ » من « فَتيتِ » العساكِـرِ…
أستحضر هنا تأملا من تأملات « حسن البنا » يقول فيه إن الإشاعة والأكاذيب لا يقضى عليها بالرد أو بإشاعة مثلها ولكن يقضى عليها بعمل ايجابي نافع يستلفت الأنظار ويستنطق الألسنة بالقول فتحل الإشاعة الجديدة وهي حق مكان الإشاعة القديمة وهي باطل… هي إذن دعوة إلى الممرضين و من خلالهم كل الأطر الصحية إلى التوحد الانكباب على مقترحات و تصورات للحلول التي نراها صالحة و شافية لعِللِنا، و أن تُـنافس قوتُنا الاقتراحية قوتَنا الاحتجاجية حتى لا تتحقق المكتسبات بصيغة تخدم غيرنا أكثر مما تخدم حقوقنا المشروعة، أن نبدع في اقتراحاتنا و حتى في نضالاتنا و ألا نصمت عندما يتعلق الأمر بالمهنة و بالكرامة المهنية و بالوسيلة الوحيدة التي إن طورناها و نهضنا بها انعكست إيجابا على صحة المواطن و متطلباته العلاجية فالكذب يكون بالكلمات وكذلك بالصمت كما قالت الشاعرة والكاتبة الأميركية أدرين ريتش.
إن سياسة التماطل و تسويق الهَرطقات ليست بغريبة على وزارة الصحة سواء في تعاطيها مع مهنييها أو مع المواطن الذي يسمع في جلسات غرفتي البرلمان عن بناء المستشفيات المضادة للوفيات و عن فائضٍ في أدويةِ العلاجات و عن « الرميد » و الطائرات… و عن خوصصةِ الحقِّ في الحياة… ليُصدم بالحقيقة العَلقَم عند أول زيارة للمؤسسات الاستشفائية. هي فعلا « وزارةُ أبريل » بامتياز نظرا لعدم التزامها بوعودٍ خطّتها أناملها، و إخلالها بعقود كانت طرفا فيها مما سيؤثر سلبا على مستقبل جولات الحوار أو التشارك معها سواء من طرف النقابات أو حركة الممرضات و الممرضين من أجل المعادلة التي ستدعوها الوزارة لامحالة للحوار بغية كبح اندفاع الممرضين و التوقيع على « محضر أبريل » و إعادة التاريخ الذي يعيد نفسه في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة…
و اعذروا زلات و هفوات أخيكم و رفيقكم محمد عبد الله موساوي.
بقلم محمد عبد الله موساوي.
Aucun commentaire