أحتاج إلى جرعة من الحرية
أحمد الجبلي
غردت شابة في مقتبل العمر في صفحتها في العالم الأزرق قائلة: « أحتاج إلى جرعة من الحرية كي أعرف ذاتي »، ولعلها تحدثت بما في فؤاد العديد من قريناتها من اللائي يحلمن بالحرية المطلقة ليفعلن ما يحلو لهن، وهذه التغريدة دفعتني دفعا لأطرح سؤالا على العديد من قريناتها وهو لماذا تريد فتاة في مثل سنكن جرعة أكبر من الحرية وأن تفعل ما تريد دون رقيب ولا عتيد؟
فكانت جل الأجوبة تدل على أن مفهوم الحرية هو التخلص من تدخلات الأسرة في حياة التلميذة أو الطالبة أو الفتاة عموما.
وبالتالي تبين أن أسئلة الأسرة عن الوجهة التي تريدها الفتاة تعتبرها هذه الأخيرة عبودية ورقا، وهي تطمح ألا تسأل عما تفعل، لا عن وجهتها، ولا عمن ستقضي معها أمسيتها أو ليلها، ولا عن وقت الدخول والخروج، إلى غير ذلك من الأسئلة التي أصبحت مزعجة للعديد من فتياتنا.
وظنا مني أنني سأحسم أمر نسبية الحرية، وأعيد الفتيات إلى أسرهن، فطرحت سؤالا يقول: هل تعتقدين أن أسرتك لو تركت لك الحرية المطلقة كي تفعلي ما تشائين، هل ستكونين راضية عن كل تصرف تقومين به؟ فالعجب أن الجميع أجاب بعدم الرضا عن ذلك، وهذا الجواب يجعلنا في مأزق كبير وخطير، أي أن هؤلاء الفتيات يعشن نوعا من الارتباك والتيه في معترك الحياة ولا يدرين ماذا يردن بالضبط. وهذا راجع للتناقض الكبير الذي تعيشه وسائل التثقيف والتربية التي تتجاذب أبناءنا.
وكأني بكل واحدة منهن تريد أن تكون بنتا مرضية مطيعة محبوبة تعيش سعيدة وسط أسرتها وتحافظ على الثوابت والأعراف والمبادئ والضوابط المتفق عليها داخل الأسرة، ولكن في نفس الوقت تعيش جاذبية أشبه بالمغنطيس الذي يجلبها للتمرد والتقليد وفعل ما تفعله الأخريات كالجلوس في المقاهي بكل حرية والسير مع كل من تريد والذهاب إلى هنا وهناك وارتداء ما تشاء من لباس وتتزين بالشكل الذي يحلو لها دون أن تجد أحدا يعارضها في ذلك، وأن يكون لها رفيق كما للأخريات رفاق، وأن تتخذ قرارات مهمة في يومها دون أن تحتاج إلى استئذان أو طلب رخصة من الأب أو الأم.
ولنعود إلى تغريدة الفتاة التي أرادت جرعة زائدة من الحرية كي تكتشف ذاتها، لنقول لها: يكاد يجمع المفكرون والفلاسفة من بني جلدتنا أن قمة الحرية أن يكون الإنسان عبدا لله، وأي حرية ستمارس خارج هذا الإطار لا نقول عنها أنها لن تحقق الذات فحسب بل ستكون عبودية حقة تسلب منك كل شيء.
فالحرية بالمفهوم المراهق الوردي المطلق لا وجود لها في هذا الوجود، فحتى الرجال الأقوياء الأحرار لا يملكون حرية مطلقة لأن نداء المسؤوليات التي تربطهم تجعلهم يسيرون وفق متطلبات وضوابط ويتصرفون في حدود معقولة تسمح لهم أن يعيشوا وهم يدركون أن للناس الذين من حولهم حقوقا ولهم تجاههم واجبات، وأن أي عمل يزاولونه يفرض عليهم قوانين لا يحق المساس بها وإلا اختل توازن الحياة.
إن هذه الطالبة نفسها، تؤمن بأن المؤسسة التعليمية التي تحتضنها لها قوانين لا يمكن بأي حال تجاوزها، كما أنه من غير المعقول أن تدخل القسم متى شاءت وتجتاز الامتحان باختيارها، ولها أن تختار أساتذتها قبل بداية السنة الدراسية بكل حرية، وتختار الوقت الذي يناسبها والعطل التي تريدها والمواد التي ترغب في دراستها، فلا شيء من هذا يحصل لا في بلادنا ولا في البلدان الأكثر حرية وليبرالية. فجميع الهيئات والمؤسسات والمنظمات لها نظام تسير وفقه، يحتكم هذا النظام إلى ضوابط وقوانين ومساطر كي يحافظ على وجوده ويستمر عطاؤه. فلماذا إذن تنكر فتياتنا أن تكون لأسرهن أنظمة وضوابط وقوانين ومساطر حفاظا على ذاتها وأبنائها حتى لايقع أي انفلات من شأنه أن يجعل هذه المؤسسة تفلس ويضيع من فيها من أفراد؟
Aucun commentaire