وزارة التربية الوطنية في حاجة إلى وزير مختص في الهندسة البشرية لا إلى وزير مختص في الهندسة المعمارية
وزارة التربية الوطنية في حاجة إلى وزير مختص في الهندسة البشرية لا إلى وزير مختص في الهندسة المعمارية
محمد شركي
لا نستغرب أن يكلف مهندس معماري بتدبير شأن وزارة التربية الوطنية لأنها عرفت منذ مدة هيمنة أطر الهندسة عليها وتغلغلهم فيها مقابل تغييب ممنهج للأطر التربوية . ولا زال قطاع التربية منذ فجر الاستقلال يترقب وزيرا مختصا في الهندسة البشرية لأن العنصر البشري عليه مدار هذا القطاع . و لا زال أصحاب القرار عندنا يختزلون هذا القطاع في الجانب المادي الصرف مع تغييب كلي للعنصر البشري ، كما أن هذا القطاع يعتبر قطاعا مكلفا ماديا بالنسبة إليهم ، وهو أيضا يقلقهم بسبب عنصره البشري الذي لا يصنع وفق أمزجتهم وأذواقهم ولا تجري رياحه بما تشتهي سفنهم . وإذا كانت الهندسة المعمارية تتحكم في المادة الجامدة ، فإنها لا يمكن أن تتحكم في الكائن البشري الحي الذي يحتاج إلى هندسة من نوع خاص يضطلع بها خبراء التربية . وإذا ما وفق مهندسو المعمار في توفير البنى التحتية لقطاع التربية، فإن هذا لا يعني أنهم سيوفقون في تكوين الأجيال التكوين الذي يوفر للوطن الرأسمال البشري وهو عملة صعبة . ويبدو أن الأصوات التي ارتفعت للتحذير من الإجهاز على قطاع التربية محقة ، ذلك أن الدفع في اتجاه تجريده من المجانية التي هي ترياقه يعتبر بمثابة وضع آخر مسمار في نعشه وتشييعه إلى مثواه الأخير ، كما أن ذلك سيجعل منه قطاع استثمار مادي محض . ومن الطبيعي أن يدفع أصحاب الهندسة المعمارية في اتجاه إلغاء المجانية لأن مجالهم لا محل للإعراب فيه للمجانية ، ولا يخط فيه خط إلا بمقابل ، ولا يعوي فيه ذئب لوجه الله كما يقال.وليس إلغاء المجانية هو الإجهاز الوحيد على قطاع التربية وإنما الأخطر من ذلك أن يغيّب منه أهل التربية . ولا يخلو أن يكون الهاجس الأمني أيضا وراء تنصيب وزير للداخلية على قطاع التربية ليسود فيه أسلوب التدبير الخاص بوزارة الداخلية ، وهو أسلوب لا يناسب وزارة التربية الوطنية . وأخيرا نختم بتكبيرات أربع على قطاع التربية وقد صار أمره إلى رجل الداخلية .
1 Comment
سلام الله عليكم أستاذي الفاضل سي محمد شركي.
وأنتم الخبير بهذا القطاع؛ ألم تأت تكبيراتك متأخرة؟ أليست معطيات واقع المنظومة التربوية تفيد ما ذهبت إليه؟ لكن السؤال المطروح هو: ألا يمكن للميدانيين بمختلف أطرهم النهوض بهذا القطاع مهما كانت إكراهات وتحديات هذا الوقع التي وضع فيها كرها واختيارا؟ أننتظر التغيير من فوق أو نجري التغيير من تحت من الآن مهما كانت الضغوط التي تنزل من فوق؟ ألسنا جديرين بالتغيير، ونحن أهله؟! فليتصدى كل منا حسب طاقته وكفايته ومجاله للتغيير، ولا ينتظر من الآخر الإذن بالتغيير. فأغلبنا يعرف مكامن داء هذه المنظومة التربوية، وأعتقد أنه يعرف ما يجب أن يقوم به؛ فذلك مدخل التغيير. أما إذا انتظرنا مسلسل التغيير والإصلاح؛ فلن نبدأ لأن السياسة التعليمية لا تعرف الاستقرار ولا الاستمرار. فهي تبدأ دائما من الصفر، لا من حيث انتهت مرحلتها السابقة. فلا تعرف تركيم ولا ترصيد التجارب، ولا تعرف الاستفادة منها ولا استثمارها. فدائما العجلة تدور في مكانها كأنها في وحل لزج لا يسمح لها بالخروج إلى اليابسة!.
أعتقد أخي العزيز أننا نتقاسم نفس الهم، وعلينا أن نشترك في التفكير في كيفية البداية لأن التوصيف طال زمنه واستغرق زمن التغيير. فداء هذه المنظومة معروف؛ لكن العلاج هو المجهول. وحري بالجميع التفكير في العلاج.
وفقك الله فيما تطرحه من رؤى. والسلام.