مجانية التعليم..حقائق وخلفيات
بقلم د. محمد بالدوان
bouddiouan76@gmail.com
تتعالى أصوات كثير من النقابيين والسياسيين والنشطاء الفيسبوكيين أن أدركوا مجانية التعليم فهي مستهدفة من قبل حكومة بنكيران ! هراء مفضوح لا يقول به من له أدنى اطلاع على ملف التعليم بالمغرب الراهن. فمتى ظهرت فكرة مساهمة الأسر بتمويل التعليم؟ ومن المسؤول عنها؟
يمكن إدراج مسمى استهداف مجانية التعليم في إطار الدعامة التاسعة عشر(19) من الميثاق الوطني للتربية والتكوين المعنونة بـ: »تعبئة موارد التمويل وترشيد تدبيرها »، وتحديدا في المبدأ الثالث الداعي إلى « تفعيل التضامن الاجتماعي بإقرار رسوم التسجيل في التعليم العالي، وفي مرحلة لاحقة بالتعليم الثانوي ».
وعليه فقد التزم الميثاق الصادر في أكتوبر 1999، والذي شرع تطبيقه في موسم شتنبر 2000، بإجبارية التعليم والإنفاق العمومي عليه إلى حدود المرحلة الإعدادية، ودعا إلى مساهمة الأسر الميسورة، ووضع شروطا تفصيلية تتوخى ملاءمة ميزانية الأسر ذات الدخل المتوسط.
وبناء على هذه المعطيات الضرورية وجب التنبيه إلى المتغيرات التالية: – بداية، لا يليق بمن شارك في إنتاج الميثاق الوطني للتربية والتكوين، من أحزاب ونقابات وشخصيات وفعاليات، في تسعينات القرن الماضي، أن يأتي في أواخر العقد الثاني للقرن 21م، وقد كان ممثلا عن الشعب ليلفت انتباه الجماهير إلى خطر يهدد مجانية التعليم !
– أعلن الميثاق عشرية 2000 – 2009 عشرية للتعليم وأولوية بعد الوحدة الترابية، وعبأ لذلك ميزانيات ضخمة من جيوب دافعي الضرائب بعيدا عن مساهمة الأسر، بمعنى أن للدولة قدرة على التمويل ولا تكمن المشكلة في التمويل بالدرجة الأولى، بل تكمن في إنفاق أموال عمومية طائلة لمدة عشر سنوات بلا فائدة، ودون محاسبة شاملة وصارمة لمن خالف الترشيد الذي حث عليه الميثاق، ولمن تجاوز حد الحكامة والنزاهة المطلوبتين في كل تكليف عمومي.
– من حق الحزب الذي سيتولى حقيبة التعليم أن يؤجل تنزيل إجراء مساهمة الاسر إلى حين تصفية الاختلالات المالية السابقة لبث مناخ من الثقة وضمان انخراط واقعي وسلس للاسر الميسورة في أداء رسوم التسجيل التضامنية الرامية إلى تجويد الخدمة بالمدرسة العمومية.
– إن تنوع مصادر تمويل التعليم لكفيل بأن يرفع من جودة الخدمة العمومية في قطاع التعليم تحقيقا لغاية تكافؤ الفرص، التي أكدها الميثاق، وردما للفجوة المتزايدة بين التعليم العمومي والتعليم الخاص.
– تبقى الكلمة الفصل في قضية مجانية التعليم للبرلمان بمجلسيه إذ هو من يملك صلاحيات إقرار القوانين أو إلغائها أو تعديلها، وستبدي مواقف أطيافه في الجلسات العامة وأثناء التصويت للمواطن من يرغب برفع الغبن عن الأسر، ومن يوظف شعار مجانية التعليم للكسب السياسي.
بما أن قضية إشراك الأسر في التمويل قديمة قدم دخول الميثاق الوطني حيز التنفيذ سنة 2000، فلِمَ يحاول بعضهم تصويرها كأنها إبداع حكومي بنكيراني صرف؟ ! ثم إذا كان الميثاق نفسه، مصدر هذه الدعامة المشؤومة، مشتملا على دعامات ذات أهمية بالغة كـ »حفز الموارد البشرية وإتقان تكوينها وتحسين ظروف عملها وسن نظام أساسي عادل يلائم مهنة التدريس »، فلم يتواصل التلكؤ في تنزيل هذه الدعامة(13) المُقَدَّمَة، ثم يسعى المعنيون إلى تنزيل الدعامة (19) المُؤَخَّرة في الميثاق؟ !
تلك تناقضات تجعلني أطمئن إلى القول بأن قطاع التعليم لحد الساعة لا زالت تتحكم به أطراف غايتها الاستنفاع بشتى أشكاله، والتوظيف السياسي في كل مرحلة، وبأن القوى التي كان ينبغي أن تتصدى لها بشكل جدي، اسْتُدْرِجَتْ منذ زمن إلى نادي الاستنفاع ولم تعد تحسن غير المزايدات وخلط الأوراق.
Aucun commentaire