بين الملاكم سعادة والمغني لمجرد..
هما شابان مغربيان يفيضان حماسا وطموحا، فرقت بينهما الإرادة الإلهية في الرزق والموهبة. الأول: المغني سعد لمجرد، ينحدر من أسرة فنية ذائعة الصيت بالمغرب، والده البشير عبدو مطرب، ووالدته نزهة الركراكي ممثلة. وبغية صقل موهبته، عبدا له طريق الفن بالدعم المادي والتوجيه، فاستطاع بفضلهما وإصراره على التحدي، عبر انخراطه في عديد المسابقات والمناسبات، أن يفرض اسمه في عالم الغناء، لتتجاوز شهرته الحدود ويحظى بشرف نيل وسام ملكي في 21 غشت 2016.
بينما الثاني: الملاكم حسن سعادة، ينتمي إلى أسرة مغمورة وذات إمكانات مادية محدودة، اختار لنفسه رياضة الملاكمة وبنى عليها كل أحلامه، يحذوه الأمل في أن يلمع نجمه يوما في سماء الأبطال. وفي غياب مراكز وطنية مجهزة جيدا، وتعنى برعاية الشباب وصناعة الأبطال الحقيقيين، كان مضطرا إلى الاعتماد على جهوده الشخصية، مما مكنه من التأهل للمشاركة في الألعاب الأولمبية بالبرازيل.
وكما فرق القدر بينهما، شاء أن يوحدهما في تهمة « التحرش الجنسي ومحاولة الاغتصاب » خارج أرض الوطن. ف »لمجرد »، اعتقلته شرطة فرنسا بالعاصمة باريس ليلة الأربعاء 26 أكتوبر 2016، إثر شكاية تقدمت بها مواطنة فرنسية عشرينية، تتهمه باغتصابها بعد العودة من سهرة خمرية إلى غرفته بفندق إقامته. وهي ثاني مرة يتعرض فيها للاعتقال بنفس التهمة، إذ سبق لشابة أمريكية أن أقامت دعوى جنائية ضده، من أجل « الاعتداء الجنسي والاحتجاز » خلال مقامه بالولايات المتحدة الأمريكية عام 2010، وأنه بمجرد تسديد واجب الكفالة فر هاربا إلى المغرب، ومازالت العدالة تحتفظ بملف القضية. و »سعادة » المؤهل لتمثيل المغرب في مسابقة وزن 81 كلغ، بفعاليات أولمبياد ريو دي جانيرو، التي جرت ببلاد الصامبا البرازيل من 5 إلى 21 غشت 2016، حرمه الاعتقال من التباري، جراء إقصائه من المقابلة التي كانت ستجمعه يوم 6 غشت بمنافس تركي، بسبب وجوده في قبضة العدالة منذ افتتاح الألعاب الأولمبية، عقب بلاغ لمنظفتي غرف تدعيان فيه اغتصابهما، عبر تحسس سيقانهما وصدريهما دون رغبتهما، قبل أن تتمكنا من الفرار خارج غرفته بفندق القرية الأولمبية. وبعد قضائه 15 يوما من الأسر على ذمة التحقيق، أطلق سراحه مؤقتا شريطة عدم مغادرة الديار البرازيلية.
إلى هنا يتضح جليا أننا حيال حدثين منفصلين، بطلاهما شابان في أوج العطاء: مطرب وملاكم، تجمعهما تهمة الاغتصاب، والحال أنه كان يفترض فيهما التسامي عن مثل هذا التصرف، الذي من شأنه التأثير ليس فقط على مستقبلهما، بل الإساءة أيضا إلى الوطن وتلويث سمعته، لاسيما إذا أضفنا إلى ذلك حادث آخر مماثل، ويتعلق الأمر بشبان مغاربة تسللوا إلى ألمانيا متنكرين في ثوب لاجئين « عرب »، أوقفوا من قبل الشرطة لتورطهم في جريمة التحرش الجنسي بنساء ألمانيات، خلال فعاليات كرنفال الثقافات بالعاصمة برلين ما بين 13 و16 ماي 2016. ألهذا الحد يعاني شبابنا من الكبت الجنسي؟
نحن وإن كنا نشجب ممارسة العنف بكافة ألوانه، انطلاقا من ثقافتنا الدينية وإيماننا الراسخ بالقيم الكونية واحترام حقوق الإنسان، لا ندري إن كان الظنينان أذنبا فعلا في حق المشتكيات الثلاث، ولا يحق لنا التضامن المطلق معهما أو اتهامهما ظلما مادمنا لا نملك الحقيقة، وأنه يتعين علينا انتظار قرار المحكمتين بريو دي جانيرو وباريس، عملا بالقاعدة القانونية التي تقول ببراءة المتهم إلى أن تثبت إدانته. لكن ما لم نستطع تجرعه، هو ما حصل من تمييز بين مواطنين مغربين، علما أن مبدأ المساواة ركن أساسي في العدالة الاجتماعية، وخاصة ما يرتبط منها بالحقوق والواجبات، إذ تعتبر المساواة القاعدة الذهبية التي تنطلق منها قيم مبادئ حقوق الإنسان، وأساس المواطنة والبناء الديمقراطي السليم، وأي إخلال بها يؤدي حتما إلى نسف أحد أركان دولة الحق والقانون… إذ وجدنا « السعيد » لمجرد يحظى بدعم نفسي متواصل، وتضامن واسع من قبل « جمهوره » وأصدقائه الفنانين مغاربة وعرب، ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية وشبكات التواصل الاجتماعي، ووزير الثقافة في الحكومة المنتهية صلاحيتها محمد أمين الصبيحي، وهيأة دفاع مكونة من محامي القصر « إريك ديبون مريني »، والفرنسي « جان جاك فديدا » والمغربي إبراهيم الراشدي، فضلا عن السماح لأبويه بزيارته داخل سجنه.
في حين أن الملاكم « سعادة » كان سيء الحظ، ولم يستمر في مساندته عدا ثلة من أصدقائه وخطيبته، التي ناشدت السلطات المغربية عبر تدوينة لها على الفايسبوك بمؤازرته، وأن يتخذ القضاء البرازيلي القرار السليم في قضيته، مؤكدة على ثقتها الكبيرة في براءته، لما يتصف به من طيبوبة وخلق حسن… وحسب ما أفاد به محاميه الوحيد بعض وسائل الإعلام، فإنه يعيش حالة نفسية مزرية، ويترقب بقلق شديد تسوية وضعيته المعلقة، حيث بات مستقبله مهددا بعد تخلي المسؤولين عنه، وتماطلهم في التدخل لدى الحكمة الفدرالية، للسماح له بالعودة إلى المغرب حتى يحين موعد محاكمته.
وفي انتظار أن تقول العدالة كلمتها، لنا أن نتصور لو أن « سعادة » سمح له بدخول الحلبة واستطاع كسب إحدى الميداليات، هل كان سيعامل بمثل هذا الجحود والتهميش؟ وماذا لو لم يجد ذلك المهاجر المغربي الذي أواه ببيته، وتلك المنحة البسيطة من اللجنة الأولمبية؟ أليس ما يعانيه حاليا أفظع من ظروف السجن؟ فقليلا من المروءة، ولتعيدوا النظر في سياساتكم الفاشلة تجاه شبابنا، أيها المسؤولون.
Aucun commentaire