العار الحقيقي هو تدبيركم السيء!
يبدو أن قلقا شديدا بات يتملك بنكيران خلال هذه الأيام الأخيرة من عمر حكومته، معتقدا أن مؤامرة سياسية خفية تحاك ضده، بغرض طرده من نعيم « الجنة » ونسف ما بناه من « مجد ». مما أفقده توازنه، وراح يبث رسائل التهديد والوعيد والابتزاز لمن يهمهم الأمر، حتى يتصدر حزبه نتائج تشريعيات أكتوبر 2016. فبعد الإساءة إلى أهل البادية، وادعائه أنهم يعيشون في اطمئنان على وقع « البندير » كلما انتهوا من تناول العشاء، يعود ثانية لمخاطبتهم بالقول: « خاصكم تغسلو العار لي لاصق فيكم من انتخابات 2015 بالصابون وجافيل، باش توليو نقييين »
ذلك أنه غير مستعد للخروج من « الجنة » مدحورا مذموما، بعدما ذاق حلاوة نعمها وامتيازاتها، لاسيما أن حزبه وبإيعاز منه، مهد له سبيل ذلك عبر قرار تمديد ولايته أمينا عاما سنة إضافية أخرى، في مؤتمره الوطني الاستثنائي. لكن، أليس من الاستهتار بالمسؤولية، ازدراء فئة من أبناء الوطن ووصفهم بالوسخين، لا لشيء سوى أنهم عبروا عن إرادتهم بشكل ديمقراطي في اختيار ممثليهم، إبان الانتخابات الجهوية والجماعية في شتنبر 2015؟ فمفهوم العار بالنسبة إليه، هو التصويت لغير رمز « المصباح »، وأنه يتعين على من قام بذلك، تطهير نفسه من « الدنس » في الانتخابات القادمة.
لا يا سيدي، لستم أنتم من يجوز لكم الحديث عن العار، بعد تقديمكم التنازلات تلو الأخرى مقابل الحفاظ على « المنصب الكبير »، وفقدانكم المصداقية إثر ما اتخذتموه من قرارات قاسية ولاشعبية، أدمت القلوب وأنهكت الجيوب، منذ توليكم مسؤولية رئاسة الحكومة. فالعار هو إخلالكم بالتزاماتكم ووعودكم وما رفعتموه من شعارات زائفة، جعلتم منها وقودا لحملتكم الانتخابية في نونبر 2011، وما ترتب عن ذلك من إحباط وفقدان الثقة في العمل السياسي. فلا أنتم حاربتم الفساد والاستبداد، ولا حسنتم الأوضاع المزرية للمواطنين، وإنما عفوتم على المفسدين وناهبي المال العام، وافتقدتم الشجاعة لاسترداد الأموال المهربة، واكتفيتم بالزيادات « المسعورة » في أسعار المواد الأكثر استهلاكا بين فئات الشعب والرفع من الضرائب، إلغاء صندوق المقاصة وتحرير أثمان المحروقات، فضلا عن إغراق البلاد ومستقبل العباد في أوحال المديونية الخارجية…
فأنتم من يتحتم عليكم التطهر بالماء والثلج والبرد، لما اقترفتموه من خطايا في حق هذا الشعب الأبي، وليس سكان القرى والأرياف الذين يعانون من التهميش والإقصاء، جراء الفقر الذي ينخر دواويرهم، في غياب سياسة تنموية ذات أبعاد بشرية واجتماعية واقتصادية. إذ باستثناء المشروع الملكي المتمثل في « صندوق تنمية العالم القروي »، والهادف إلى تحسين مستوى العيش في المناطق النائية والمعزولة، خاصة بالأطلس والريف والمناطق الصحراوية والجافة، وبعض القرى في السهول والسواحل… لم تقوموا بإعداد الإمكانات ووسائل الدعم والمساندة، التي من شأنها مساعدتهم على تجاوز أوضاعهم الجد متدهورة، بسبب ضعف التنمية البشرية مقارنة مع سكان الوسط الحضري.
والعار هو نقل جثث ضحايا فيضانات الجنوب في شاحنات القمامة، دون متابعة المسؤولين على تلك الفعلة الشنيعة، التي أساءت ليس فقط إلى موتانا، بل إلى قدسية ديننا وصورة وطننا. وتجاهل ما تعرض إليه أساتذة الغد من مجزرة فظيعة في الخميس الأسود 7 يناير 2016، إثر التدخل الوحشي للقوات العمومية من أجل تفريق مسيراتهم واحتجاجاتهم السلمية. وبدل إنصاف الضحايا، رفضتم وصف منفذي التدخل الأمني ب »رجال القمع »، وقولكم بأنهم « يسهرون على أمننا، ويتكبدون الصعاب في سبيل ذلك »، دون رد الاعتبار ل »جنود » العلم والمعرفة، الذين يصنعون أجيال المستقبل في سائر القطاعات.
والعار هو تساهلكم مع المتسببين في إفلاس المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب وإفراغ صناديق التقاعد، وموافقتكم في الملف الأول على الزيادة في فواتير الاستهلاك، وإصراركم على معالجة الملف الثاني بشكل انفرادي على حساب الموظفين والأجراء. وهو أيضا الاقتطاع القسري من أجور المضربين عن العمل بدل تنزيل قانون الإضراب، إغلاق قنوات الحوار الاجتماعي مع المركزيات النقابية، تدني مستوى الخطاب السياسي في البرلمان، والتغاضي عن فضائح بعض الوزراء، الذين اضطر الملك للتدخل وإعفائهم، دون أن يعقب ذلك ربط المسؤولية بالمحاسبة، فيما يتعلق بالغش في العشب الاصطناعي لمركب الأمير م. عبد الله بالرباط، و »شكلاط » عقيقة ابن وزير من ميزانية الدولة. علاوة على عزل قضاة رأي نزهاء، والسماح بتشغيل الأطفال القاصرين دون سن 18…
والعار هو عجز حكومتكم عن النهوض بمنظومة التربية والتكوين، والدفع نحو التعليم الرقمي، واستعمال التكنولوجيات الحديثة في تكوين الأجيال الصاعدة. والاستمرار في التبجح ببطاقة « راميد » وخفض أسعار بعض الأدوية و »الطيارة »، في الوقت الذي مازال القطاع الصحي يكابد من اختلالات عميقة، ونقص حاد في الموارد البشرية والتجهيزات اللوجيستيكية. وما استنزفه ورش « إصلاح » القضاء من أموال باهظة دون جدوى.
والعار هو الهجوم على ما تبقى من مكتسبات، والسعي الحثيث نحو اعتماد مرسوم التشغيل بالعقدة، مما سيساهم في تدمير الوظيفة العمومية وإلغاء نظام التوظيف والإدماج، وفتح المجال للمحسوبية والزبونية، وتعميق التوتر واليأس وسط جحافل العاطلين، من أبناء الشعب خريجي الجامعات والمعاهد العليا ومراكز التكوين المهني…. لانعدام سياسة قمينة بتشجيع الاستثمار وخلق الثروة، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق الطبقية والمجالية.
فالعار الحقيقي سيكون لا قدر الله، هو إعادة انتخاب حزبكم وعودتكم لخنق الأنفاس والعبث بالشأن العام. أفلا تستحيون؟
اسماعيل الحلوتي
Aucun commentaire