الله يرانا
أجيال عديدة ومتعددة من التلاميذ تعلمت اللغة العربية الفصحى تعبيرا كتابيا و شفهيا و املاءا وصرفا و تحويلا من المؤلف المبدع أحمد بوكماخ رحمة الله عليه.فهذا الإنسان غير العادي ،أبدع في التأليف المدرسي.وكان ينطلق من مبدأ نفسي في التعلم (الانطلاق من الجزء إلى الكل،أليست بيداغوجيا الأهداف الأمريكية هي تطبيق تربوي لمبدأ التحول من الجزء إلى الكل؟أليس الفعل التربوي يجزأ إلى جزئيات إجرائية(قابلة للقياس و الإحصاء و الملاحظة) من جل الوصول غالى أهداف ارقي(العامة أو المرامي آو الغايات)؟الم يسبق احمد بوكماخ بعقود من الزمن السياسة التعليمية المغربية التي تبنت التعليم بالأهداف كإستراتيجية منذ الثمانينات من القرن الماضي؟
كتب المؤلف أحمد بوكماخ خمسة أجزاء من كتب القراءة لخمسة مستويات متواجدة بالتعليم الابتدائي من القسم التحضيري إلى المتوسط الثاني(التسمية القديمة)، وتحمل عنوانا كبيرا (اقرأ) .
في أحد هذه الأجزاء نص قرائي تحت عنوان: » الله يرانا » يحكي قصة أب مع ابنه في وضعية سرقة أحد البساتين. ولعلهما ينتميان إلى أسر فقيرة :على اعتبار المكان (البستان) و على اعتبار للمسروقات التي كانا ينويان سرقتها:هي سرقة لتملأ شيئا من البطون الجائعة،إنها سرقة بيولوجية بحتة(هدفها إسكات غريزة الجوع).و في غمرة أن هم الأب و ابنه بالسرقة، إذا بأزمة الضمير الخلقي و الديني تستيقظ من سباتها: فليس هناك من البشر من يراقبهما، سوى الله. وإذا بالابن ينبه أباه أنهما تحت المراقبة الإلهية. القصة المغربية لا تشبه رواية البؤساء، ل « فيكتور هوجو »Victor Hugo ،السارق الفرنسي نفذ فعل السرقة في قطعة خبز، و نال جزاءه المدني و الاجتماعي: 19 سنة سجنا وحبسا نافذا. و بقيت اللعنة تطارده أينما حل و ارتحل.
سارق أحمد بوكماخ أعلن التوبة ولم ينفذ فعل السرقة (كان الابن أصلح من أبيه، فهو من نبه أباه إلى الخطأ) .رغم أن ما أراد أن يسرقه هو شيء تافه (ما يأكله وهو الجائع). القصة المغربية تبين أن السارق فقير، و ليس سارقا من عفاريت و تماسيح رئيس الحكومة عظم الله أجره في ضياع المال العام…
مناسبة الموضوع جاءت من ما تتناقله وسائل الإعلام المكتوبة الورقية و الالكترونية عن فضائح سرقات و تبذير للمال العام في شراء سيارات جديدة وبأعداد معتبرة للمنتخبين وغيرهم في مدن مختلفة تحت حجة تجديد أسطول السيارات العمومية المتآكلة.وما نراهم اليوم و دائما،إلا مستعمليها لأغراض شخصية وفي أيام العطل الأسبوعية لتحمل أولادهم وعائلاتهم.
وتنقل وسائل الإعلام أخبارا عن سوء تسيير للصناديق رغم أن ما يمر به المغرب و المغاربة من حالة تقشف ،وزيادات مهولة في أثمان معيشة السكان وزيادات في الضرائب و البطالة …روائح الرشاوى وتبذير و إهدار و سرقة المال العام تزكم الأنوف وهي صادرة من منتخبين في مجالس قروية و بلدية ومجالس المدن و مجالس الجهة،ومن إدارات عمومية في وزارات مختلفة ومدراء لمكاتب أو صناديق(الضمان الاجتماعي و التقاعد …). وبعض الجمعيات الدينية- يا حسرتاه على العباد- لم تسلم من هذا الوباء(مثلا خبر:عضو من « الرابطة المحمدية للعلماء » يتهمها بصرف 160 مليون على ندوة بمراكش) الخبر ورد بالجريدة الالكترونية (لكمlakom ) بتاريخ 14 ماي 2016.بل شمل الغش و الفساد و التبذير حتى بعض الوزراء في الحكومة الحالية.هذا لا يعني أن الحكومات السابقة تألفت من الأنبياء والرسل و أولياء الله الصالحين و الأتقياء و الزاهدون و المتصوفة في ملذات الدنيا، بل، لأن الصحف لم تكن تتمتع بالجرأة و الشجاعة و (الحصانة) أيضا في كشف المستور من الأمور،كما أن وسائل الخبر كانت مقننة و مراقبة، بينما مصادر الخبر في الوقت الحاضر متعددة، و في متناول الجمهور المتعلم الذي يبحث…
الغرابة في الأمر أن يطال الفساد و التبذير و السرقات بعض الجمعيات الدينية التي لها باع في المجتمع(كما أشرنا إلى ذلك سابقا).؟ فهل يطمئن المواطن المغربي لهذا النوع من أشباه المشايخ الذين يبيعون و يشترون في الدين و باسمه، و يجعلونه مطيتهم لبناء الثروات؟ لا يعجبك فيهم إلا سبحتاهم و لحيهم وجلاليبهم، وما قال الله وما قال الرسول؟ أليست هذه توابل بها ينصبون على الناس و يخدعونهم(وما يخدعون إلا أنفسهم)؟ مع الاحترام الواجب و الكامل للنزهاء من المشايخ والعلماء في الدين(المشايخ الحقيقيون، و الذين يخافون اليوم العظيم الذي تشخص فيه الأبصار…).
.يضاف إلى ما سبق، ما يقوم به أعضاء في المجلس الأعلى للحسابات من تقديم ملفات ساخنة، بين الحين و الآخر، تتعلق بإهدار و سرقة وسوء استعمال للمال العام و بكميات هائلة و كبيرة، على أنظار الحكومة أو على مكاتب ونظر من يهمهم الأمر.فهل نقول ما قاله النبهاء من القوم « ليس في القنافذ ما هو أملس »؟؟؟
طبعا ما نستنتجه كمواطنين يهمهم أمر المال العام، أن ما خفي كان أعظم. لعلمنا أن من اكتشف من المفسدين متلبسا بالسرقة و إهدار العام وإبرام صفقات مشبوهة أو مغشوشة ، ليسوا إلا من المسؤولين المغفلين البلداء، الذين تركوا بصمات و قرائن مادية تدل عليهم.أما الدهاة المكرة من السارقين العتاة،فهم يمحون كل أثر،ولا يتركون قرينة دالة على جريمتهم. والغريب أنهم يظهرون بمظهر النساك و الوعاظ و الأتقياء، و المدافعين الشرسين عن المال العام وعن المحاسبة و المعاقبة، و الحريصين على النزاهة و الشفافية.و ليس ذلك إلا الوجه الآخر من شخصيتهم التمويهية،أما شخصيتهم الحقيقية فهم من التماسيح و العفاريت كما وصفهم رئيس الحكومة،و من السارقين الكبار ومن الذين في حالة نهم لا يشبعون، ولا يستطيع حتى الشيطان بحيله و قبيلته ، من ضبطهم لخبرتهم وتفوقهم في التحايل و النصب و التمويه.
المؤكد أن هؤلاء ليس لهم ضمير ديني أو خلقي،و لا يوجد في تفكيرهم وازع ديني أو إيمان و اعتقاد بقولة أحمد بوكماخ في نصه القرائي(الله يرانا).فهم يستهزئون من الذين يعملون بهذا الشعار الديني و الأخلاقي و يظنون أن من يعمل به سذج وبهم خبل وعته أو جنون …
و رغم سذاجتنا نقول: واحبذاه، لو كان هذا الشعار: « الله يرانا » موجود في كل مكتب إداري أو قاعات المحاكمات في محاكم المملكة، أو كل مصحة طبية أو قاعة للعلاج، أو قسم من أقسام المدارس و في كل دكان تجاري و كل سوق يعرض البضائع للبيع،و في كل منزل و في كل مكان…
فتخليق الحياة العامة لا يمر إلا بتذكير الناس باستمرار: أنك أيها الإنسان لا تظن أنك وحدك،تفعل ما تريد، فربك يراقبك ،فأحسن إلى عملك كما أحسن الله إليك…
لعل من يرى هذا الشعار كل يوم، أمامه ، يستحي أن يقوم بعمل يضر به نفسه أو غيره، عملا بالقول الذي سمعناه من أساتذتنا في الدين،عن معلمنا الرسول الكريم حيث قال: من (غشنا فليس منا ). و قد أضاف أحد أساتذتنا الأجلاء المحترمين وهو عضو من أعضاء المجلس العلمي، مصححا: (من غش فليس منا)…
وأخيرا أضيف إلى ما قاله الفقيه الفاضل، عضو المجلس العلمي، الحديث المتفق عليه، و الذي يجري على كل لسان: « إذا لم تستح فافعل ما شئت« .
انتاج :صايم نورالدين
Aucun commentaire