خمس درجات على سلم بان كي
رمضان مصباح الإدريسي
إلى السيد بان كي مون:
كما يُعتبر رسميا،وعالميا « رمزا للمثل العليا للأمم المتحدة،ومتحدثا باسم شعوب العالم ومصالحه. »
طبعا، لستَ عالم زلازل؛و ربما لم يدر بخلدك يوما أن يُنسب لك سُلم ميكرومتري – على غرار ريختر الأميريكي- لقياس قوتها ،وتحديد مواصفاتها التدميرية المتدرجة.
ومن جهتنا ،هنا في المملكة الصحراوية، لم يرد على بالنا ، أبدا، أننا سنُضطر، ضمن ملحمتنا الوطنية الطويلة، لاستبدال مقياس عالمي للزلازل بآخر أممي .
لكن المناسبة شرط ؛إذ زرتَ بعض المواقع في صحرائنا،واستمعت فيها إلى مظلوميات مزعومة ؛وكان المفروض أن تواكبك قلوبنا ،لأنك البابا القانوني للعالم؛لولا أنها مُعلقة ،منذ شهور،في الريف، ترتج لارتجاجه اليومي ؛وتترجى لطف الله.
وبالمناسبة – أيها الأمين العام ،المتحدث باسم الشعوب – فأهل ريفنا في ريفهم صامودن؛يصلي الواحد منهم الفجر ،ويُسلم قياده لله ،ولهذا الباطن الأرضي الذي يمور ؛ثم يمضي صباحا إلى مشاغله اليومية , وآخرها رعب الزلازل.
أذكر هذا لكل من يفكر في ابتكار سلم عالمي لقياس المواطنة؛أما أنت ،أيها الأمين العام، فقد برهنت، إذ أوغلت جنوبا جنوبا فقط ، على أن محنة شعب الزلازل في الريف ،لا تهم الأمم المتحدة، ولا حتى الرأي الشخصي للأمين العام.
ورغم هذا أذكره حتى لك لتأخذ فكرة عن صمود المغاربة في الوطن ،وان ماد بثقله؛وعن المدى الذي يمكن أن يصل إليه.
نحن قوم إذا أحبوا ماتو..
ورغم نوازل الريف التي فرضت علينا أن نحدثك من خلال قاموس الزلازل هذا ؛فقد حرضتنا على القاموس إياه؛بل وعلى اعتبارك صاحب مقياس خاص حينما لم تر فينا ،رغم كل تاريخنا الصحراوي ،وجغرافيتنا المقضومة الحواشي،غير محتلين ؛هكذا بكل برودة الدم المعروفة لثقافة كورية ، استبدلت قيم الحب والجمال بقيم « الروبو » و »السامسونغ » و »الألجي »؛و استبدلت ديانات السماء بالشرائح الرقمية التي تشد وثاق الإنسانية ،يوما بعد يوم،وتقتل فيها عشقها الفطري للحرية.
أنت تتحدث عن رأي شخصي ،فاقبل منا أن نفسره من خلال ثقافة كوريا.
وحتى لا أبدو متعسفا،أو متطاولا، في نسبتك إلى الزلازل ومقاييسها ،إليك ما انتهيتَ إليه من درجات،ضمن سلمك ؛وأنت تزلزل جغرافيتنا . هذا من جهلك بالتاريخ طبعا.
كأنك بهذا تُقاد – ضدا على هواك- إلى البرهنة على مغربية الصحراء ،من خلال رجها رجا ،حتى تشاكه هذا الريف الرجراج؛إن كانت صادقة في مغربيتها.
ها قد وُفقت أيها البابا الأممي في امتحانك ، و جعلت الصحراء المغربية – إذ هززت إليك بسكينتها – تدشن مرحلة الهزات والارتدادات :
نزع الثقة من بعض المينورسو.تعطيل الدعم المغربي. قرع طبول الحرب . وسيأتيك ببقية الأخبار من لم تزود ؛حتى لا تتقاعد إلا والمنطقة على ما أردت لها..
( حينما هززت الصحراء المغربية، من الضلع الأعوج في تندوف ،رد عليك عالم نووي من كوريا الشمالية : أنت فعلتها بعيدا ،نحن بوسعنا تدمير « مانهاتن ».
تباهوا يا أهل الكوريتين كما تشاؤون لكن بعيدا عن سكينة صحرائنا.)
وكما هو حال شعب الزلازل في الريف ،الذي أقسم ألا يغادر السفينة ؛فان ساكنة الصحراء من المغاربة أقسمت ألا تغادر الهودج مهما مالت الناقة وأمالت ،ومهما راحت واغتدت.
هُزَّ اليك بما تشاء ،ونقب حتى في جحور الضِّباب فلن تجد غير مغاربة ادخرتهم لك الجغرافية، حيث هم ؛ما دمت لا تؤمن بالتاريخ ،كأي « روبو ».
خلافا لدرجات سلم « ريختر » المتدرجة ،من حيث قوتها التدميرية ؛فان درجات سلمك كلها بقوة هائلة:
الدرجة الأولى:
لم تنتبه لا أنت , ولا الهيئة الأممية التي رتبت زيارتك ،إلى أن المدخل الدولي الحالي الذي يفرض نفسه على كل محلل سياسي – خصوصا في الخرائط الجريحة والهشة التي تعرف- هو المدخل الأمني العالمي ؛مادام الإرهاب قد غدا كونيا ،وبأذرع شتى تضرب ما تشاء ،حيث تشاء.
لو فكرت فقط في ما كان يحيط بك من جماعات دينية ،إرهابية،شاكية السلاح ؛بدءا من جوارك القريب جدا ،ووصولا إلى جبال « افوغاس » في الشمال المالي ؛حيث يُقلّب « المختار لعور » الأمور على هواه ،ويوقع بالدم أنى شاء؛لما اعتبرت المغرب محتلا ،وهو في ترابه ،حريص على أمنه وأمن جيرانه.
وحتى لو ساورك الشك في هذا، لضعف باعك في التاريخ، كنت ، على الأقل،ستحمد له صنيعه – ولو محتلا كما تزعم – إذ أمن صحراء عظمى ،بجهود ذاتية ،تمتح من المواطنة الحق والتضحية؛وحرم القاعدة وداعش ،وتوابعهما،من إمارات شتى ،ظلت تحلم بها منذ عنفوان دفين بحر العرب.
اسأل إخوتنا في الجزائر، إن ارتبت في هذا الكلام ؛فهم أدرى بكل المسافات التي كانت تفصلك عن الجماعات الإرهابية الخمس ،التي تنشط حاليا في الداخل الجزائري ،رغم حنكة جيشها الشعبي.
يقينا أنك إذ ألقيت بحجرك في بركة لا تعلم عمقها ،أثرت خدرا ممتعا في أوصال هذه الجماعات ؛فكأنك أولمت ودعوت الجفلا لتحرير أرض ،وتكثير تراب وسواد الخلافة.
الدرجة الثانية:
قد يكون الأمر اختلط عليك ،فلم تحسن قراءة السجن الذي زرت في تندوف.ولعل خبراءك في المينورسو لم يشرحوا لك لماذا توجد أحزمة من القوات الجزائرية المتنوعة،تحيط بأحزمة من مسلحي الانفصاليين ؛وهي بدورها تحيط بآلاف من المدنيين ،من صحراويين وأفارقة ،عابري سبيل. لقد فوتّ على نفسك فرصة لإحقاق حقوق إنسانية تهدر ،يوميا- بقسوة قروسطية – في أكبر سجن تشرق عليه الشمس ،بكوكبنا.
لو فكرت فقط في رفع الحصار على المدنيين ،أسبوعا واحدا قبل الزيارة؛لما وجدت غير مضارب الخيام « تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد ». لو فعلتها أيها الأمين العام لاعتبرك التاريخ المحرر الثاني لعبيد العالم ،بعد أبراهام لينكولن.
بوسعك دائما إجراء هذه التجربة ،إن كنت فعلا تبحث عن حلول دائمة ؛ ولعلك لا تدري أن الوجه الآخر لمخطط التنمية في الجنوب المغربي الصحراوي مخصص لهؤلاء المحتجزين ؛لأننا هنا نؤمن بحتمية عودتهم عاجلا أو آجلا إلى هذا الوطن الآمن الذي أصبح يتسع حتى للأفارقة جنوب الصحراء؛يعيشون بين ظهرانينا طلقاء .
الدرجة الثالثة:
كان عليك ،قبل أن تقول بالاحتلال المغربي،أن تبحث في ملبس القوم وغذائهم وسكنهم ؛وتسأل لماذا جاعوا؟ ولماذا جرفت السيول منازلهم؟ ولماذا هي من تراب؟
ولماذا لا يسكن قادتهم في حارات البؤس ،بينهم ؛إن كانوا فعلا أصحاب قضية؟.
لن تعدم مصالحك مستندات الإجابة الصادقة ؛خصوصا وأجهزة الاتحاد الأوربي ،المعنية بالمساعدات،وعدد من الفعاليات المدنية ، ،على علم بحقيقة الوضع . يكفي فقط أن تنظر إلى مبيان الدعم الدولي لتلاحظ تنازله المتواصل ،منذ أن تبين لهؤلاء الداعمين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
لماذا لم تبحث في عاجل غذاء الجائع ،ومنع تنقله،وحرمانه من وثائقه؛ حتى يكون لزيارتك طعم القرب الإنساني ؛خصوصا وأنت تعلم أن جمل الصحراء وما حمل بيد مجلس الأمن،ولن تحله زيارة ميدانية سريعة ؟
الدرجة الرابعة:
لقد صنعت ظروف زيارتك صنعا ، منذ مدة، حتى لا تغطي غير شطر ضئيل جدا من هذه الصحراء الشاسعة؛ لتحقق فيه ما تراه بطولة سياسية ،ونراه، هنا في هذا المغرب الذي ازدريت، مجرد « هراكيري »، ونهاية محزنة لأمين عام تصرف بكيفية شخصية في شأن دولي.
أما كان لك أن تتوقع الحرج وأنت تمضي في طرقات لحمادة بنصف سروال؟ أما كان لك أن تبدع ظروف زيارة شاملة تغطي كل الصحراء ؛لتعرف كل وجوه الحقيقة؟ أما كان لك أن تجالس أسر المغاربة الصحراويين الوحدويين لتبحث في معاصمهم عن كدمات الأغلال،إن كانوا محتلين كما تزعم؟ لعلك كنت ستعجب من أذرع الصحراويات البضة ، ومن أردافهن ،وملاحفهن الحريرية.
مثل هذا لا يتحقق في الأسر سيدي..
الدرجة الخامسة:
مادمت لم تبحث أمر المساعدات المنهوبة في « أوشويتز » الجزائر ،فانك لن تُقدر تضحية المغاربة من أجل اعمار الصحراء؛وخصوصا مغاربة القمم حيث لا يفرخ غير الحجر. ولن تفكر في هذا المجهود المالي الضخم للدولة المغربية في الصحراء ،منذ سنة 1975؛ ولن تتساءل – طبعا -عن حق الوحدويين في الدعم الدولي ؛أسوة بالمحتجزين والانفصاليين.
هل يعقل ،في ملف أممي واحد،دعم الانفصالي وحرمان الوحدوي،وهما من أسرة واحدة؟
أكتفي بهذا ،ولن أختم إلا وأنا أكرر على مسامعك بأن المغاربة صامدون دائما ،سواء في الريف أو في الصحراء،مهما رجها جهلك بتاريخها.صامدون لسلم ريختر أو سلمك .
ورجاء لا تمش بيننا إلا بسروال كامل ،و وافر الحشمة.
Sidizekri.ahlablog.com
Aucun commentaire