أستاذ سكر وأستاذ لايت
أستاذ سكر وأستاذ لايت
رمضان مصباح الإدريسي
لولا الوظيفة لضاع العلم:
سأبدأ من النهاية:
حين يكون على الطلبة الأساتذة ،المتخرجين بنجاح – أي أساتذة -، من مراكز التكوين ،أن يجتازوا مباراة التوظيف ،لتثبيت نجاحهم ؛ أساتذة مرة أخرى ؛ وفق مقتضيات المرسوم 588.2.15،الذي قيل فيه ما لم يقله مالك في الخمر .
وبمقارنة الأعداد التي استقبلتها مراكز التكوين ،منذ منطلق الموسم التكويني 2015- 2016،بالحاجيات الحقيقية للوزارة ؛فان العدد الكبير من الخريجين ،الذين شهدت لهم الوزارة بالأستاذية ،ثم عادت ،بنفس الأطقم، و نسخت شهادتها، ورسبتهم في مباراة التوظيف – أقول رسبتهم لأن الناجح لا يَرْسُب وإنما يُرَسَّب- سيجدون أنفسهم خارج هيئة التدريس المعتمدة رسميا .أي خارج الوظيفة بمفهومها الإداري ؛وخارجها بمفهومها الثقافي والسوسيولوجي ؛كما ترسخت في المخيال الشعبي ؛مآلا منطقيا يبرر مسار الدراسة برمته. فلولا الوظيفة لضاع العلم؛وفي هذا تدقيق معاصر لمقولة :لولا أبناء الفقراء لضاع العلم.
وعليه فسنكون ، ونحن نفحص مخرجات المرسوم،أمام فئتين من الخريجين:
فئة أوتيت كتابها بيمينها،وفئة أوتيته بشمالها؛رغم رفقة نفس التكوين ،وتحصيل نفس الكفايات؛ورغم نفس الفرحة بالنجاح ،وهي فرحة تطال الأسر أيضا، للظروف الاقتصادية المعروفة.
أساتذة سكر ،وأساتذة لايت . لم يبق إلا القطاع التربوي الخاص – المصاب بالسكري، تخمة- لينعم ب « اللايتيين » بعد أن نزعت عنهم مباراة الترسيب كل عنفوانهم ،وتخلت عنهم مهيضي الجناح،يقبلون أي عرض ،لأنهم لا يصلحون إلا ليكونوا أساتذة؛بشهادة اللجان التي أفتت بنجاحهم.
لو أرفق المرسوم588،بآخر يلزم القطاع التعليمي الخاص بألا تقل رواتب الأساتذة ،به، عن نظيرتها في التعليم العمومي ؛ويلزمه،أيضا، بتطبيق نفس سلم الترقي المعتمد على مستوى القانون الأساسي للوزارة ،لحل جانب مهم من الإشكال المطروح اليوم؛ خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن القطاع الخاص « الراقي » قادر على مضاعفة راتب الوزارة أو حتى تثليثه. ولعل شيئا من هذا حاصل على مستوى المؤسسات التربوية الأجنبية بالمغرب.
أقول هذا وأنا أستحضر ما سبق أن وعد به الميثاق الوطني للتربية والتكوين ،من العمل على تضافر جهود القطاع العام والخاص لتكوين أساتذة قارين بهذا الأخير. لو تم إرساء مثل هذه الشراكة ،على أسس تشريعية واضحة ،لحل حتى مشكل المنح ،من خلال مساهمة القطاع الخاص .
في البدء كان التذاكي:
ما الذي أوصل إلى هذه النهاية ؛التي يناضل الطلبة الأساتذة اليوم- سلميا من خلال حراكهم في الشارع – من أجل ألا تتحقق واقعا ،يرفع البعض ويُزري بالبعض الآخر؛ وهم سواسية كأسنان المشط ،و صنوان من رحم تكوينية وتقييمية واحدة؟
تدلي الوزارة بمرسومها الذي صدر في 16 يونيه 2015؛والذي يُعتبر عارفا به ،وقابلا له ،كل من تقدم لمراكز التكوين ،في شتنبر 2015.
أما الطلبة الأساتذة الرافضون – بعد التحاقهم بالمراكز،وفق شرط الوزارة – فيدلون بمرسوم شعبي عُرفي لم تنتبه إليه الوزارة ،وهي تباغت الساحة الوطنية – ليس التعليمية فقط- بمفهوم تشريعي ثوري يفرق –لأول مرة بالمغرب،بكل هذه الشساعة- بين التكوين والتوظيف :
أن تُختار من طرف الدولة للاستفادة من التكوين ،لم يعد يعني ،تلقائيا، أنك ستُوظف لديها. هكذا يتغير حتى مفهوم المُعطل ،لأنه أصبح يستدخل حتى خريجي مراكز التكوين ،وليس الخريجين الجامعيين فقط.
ينص المرسوم الشعبي ،الراسخ في المخيال المواطني،أن النتيجة المنطقية للتمدرس ، ثم التكوين، ليست شيئا آخر غير الوظيفة ؛ولو كرهت الحكومة.
بالنظر إلى تاريخ المرسوم نقتنع بأن الوزارة اختارت – في أمر تشريعي انقلابي – أن تتذاكى ،بالمباغتة الصيفية ؛معتبرة أنها الأقدر على فرض الأمر الواقع ،بأقل الخسائر ؛ما دام الصيف رديف التراخي والغفوة. وقد أعذر من أنذر، ولو صيفا.
لكن « اللي في راس الجمل ،في راس الجمالة » كما يقول المثل الشعبي؛إذ بدا أن الطلبة الأساتذة « جهلوا فوق جهل الجاهلينا »؛إذا اختاروا التظاهر بقبول الشرط التشريعي إلى حين. وأي حين غير حشد الجبهة الطلابية،بالمراكز ،والخروج إلى الشارع للنزال ؛تغليبا للمرسوم الشعبي؟
هل ننظر إلى نازلة التكوين هذه على أنها شأن طلابي صرف؛أم نعتبرها استدراجا سياسيا ،تفوقت فيه المعارضة على الحكومة؛وهي تتظاهر بغض الطرف عن إجراء تشريعي انقلابي؛حتى يستتب الأمر بالمراكز وتتشكل جبهة الرفض.أليس الركح الآن انتخابيا ،يبيح جميع الضربات؟
الحلقة المفقودة:
هي الحلقة التواصلية؛لأن الاقناع ،خصوصا في المراسيم الانقلابية – ذات الشساعة- سابق عن التشريع. فلا يكفي أن تجعل المواد 17،23،27؛من المرسوم رقم : 2.02.854،بشأن النظام الأساسي لموظفي الوزارة ،دالة على كذا …بعد أن كانت دالة على كذا…
حتى تغيير ثمن البطاطس والطماطم يحتاج إلى مشاورات مع الفرقاء المعنيين ؛فكيف بتشريع يغير كلية نظرة المواطنين المغاربة إلى التكوين والتوظيف، في التعليم والصحة وغيرهما؟
واعتبارا لمركزية قطاع التعليم ،وشساعته الاجتماعية ، وارتهانه لكل الجهود التنموية المبذولة ؛كان لزاما ليس على وزارة التربية الوطنية فقط ،بل على الحكومة برمتها ،أن تفتح نقاشا وطنيا صريحا ؛ من خلال المؤسسة التشريعية ،ومختلف الفرقاء ،حتى تصل إلى قرارات ذات مصداقية،فاعلة في تغيير النظرة المواطنية – وليس الطلابية فقط – إلى التكوين والتوظيف.
بهذا يكون الرهان التنموي لقطاع التعليم الخاص – وغيره من القطاعات في الحالات الأخرى – واضحا للجميع ؛ولا يمكن أن يقبل فيه الاعتراض بعد ترسيمه.
إن المباغتة ،كَنِية مبيتة؛والتمويه على خدمات مجانية مقدمة للقطاع الخاص ،بتبريرات أخرى ،ليسا أسلوبين ديمقراطيين.
وكونهما غير ديمقراطيين يُكسبان الطلبة الأساتذة الحق في الاعتراض ،رغم اطلاعهم المسبق على المرسوم المعدل. هذا من قبيل ما يسمى عند الفقهاء بالغبن ؛في البيع والشراء. رغم انعقادهما – وبالخيار- يجوز الطعن فيهما، إن بدا لأحد الطرفين أن هناك غبنا ما.
وقبل كل هذا – أو بعده باعتبار كوننا في عين الإعصار الاحتجاجي – لا بد من تخطيط عقلاني صارم ،على المدى المتوسط والبعيد، يصحح وضعية الشعب المعرفية بالجامعة ؛بالحد من خدمتها لقطاع التعليم فقط. أغلب الشعب لا تفضي إلا إلى الأستاذية.
فكيف ستستجيب الدولة لحق الخريجين في الشغل ،بمناصب مالية في تناقص مستمر؟ أي حل هذا الذي يقدمه المرسوم 588؟
إذا كان لا بد من الاستمرار في الهيكلة المعرفية الحالية للجامعة ،فمن الأفضل حذف مراكز التكوين الحالية ،وإسناد مهامها التطبيقية للجامعة . على الأقل ستكون هناك مباراة توظيفية واحدة؛ وستتفادى الوزارة حرج المباراة الناسخة لعمل وتقييم الأساتذة المكونين بالمراكز.
لقد سارت الأمور هكذا ردحا من الزمن ،قبل إرساء مراكز التكوين،في مستهل السبعينيات بالنسبة للإعدادي والثانوي : من الجامعة إلى الوظيفة.
طبعا هذا استطراد جدل، مؤسس ، وليس حلا جذريا.
اقتراحات:
إلى أن تعود الحلقة المفقودة (الحوار)إلى موضعها في مسار الإصلاح- وهو هدف الجميع – لا بد من تعطيل العمل بالمرسوم 588،واعتبار الفوج الحالي من الطلبة الأساتذة خاضعا للنظام القديم .
وإذا كان هذا غير ممكن ،لسبب ما ، فان صدور مرسوم يلزم قطاع التعليم الخاص بالشرطين المذكورين يصبح ضروريا؛حتى يساهم هذا القطاع بدوره في الإصلاح ، وفي تحقيق تكافؤ الفرص .
على أن يتم العمل على أن يصبح قطاع التعليم الخاص شريكا حقيقيا للوزارة في التكوين ،كما أسلفت.
كل مقاربة أمنية ،في هذا الملف ،مرفوضة ؛إذا لم يكن هناك عنف يقتضيها. لا يمكن أن نهين اليوم ،من نعول على تربيتهم لأبنائنا غدا.
تذكروا ميركل الألمانية ،وهي تواجه القضاة ،حينما طالبوا بالمساواة بينهم وبين الأساتذة في الأجر:
لا ياقضاة ألمانيا ،لايمكن أن أساويكم بأساتذتكم..
ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire