انتهت الولاية ولم ينته التحكم
بقلم د. محمد بالدوان
bouddiouan76@gmail.com
هاجم رئيس الحكومة حزب الأصالة والمعاصرة أثناء رده على تعقيبات المستشارين في الجلسة الشهرية التي ساءلت الحصيلة الاجتماعية للحكومة يوم الثلاثاء 2 دجنبر2015، حين ذكّر بتحدي التحكم الذي قدم سنة 2008 وتسلط في انتخابات 2009، وكان سببا في تفجير الشارع سنة 2011. وزاد بأن التحكم طغى أثناء ولايته لدرجة محاولة منعه من الكلام، ووجه المستشارين إلى أن يتساءلوا كيف استطاع بنكيران انجاز ما أنجزه على قلته، من زيادة في منح الطلبة ودعم الأرامل و…، في ظل واقع يعقده تدخل قوى التحكم.
جاء هذا الهجوم قبل زهاء 10 أشهر من انتهاء ولاية بنكيران، وهذا ينبئ بالتوتر الشديد الذي سيطبع الحياة السياسية في أفق تشريعيات 2016.
نزل حزب الأصالة والمعاصرة بكل قواه في انتخابات 04 شتنبر 2015 لينتزع الصف الأول تمهيدا لتطبيع صدارته في الانتخابات البرلمانية القادمة. غير أنه لم يتصدر سوى البوادي، ونجح صمود حزب العدالة والتنمية بتلاحم جسمه وثقة المواطنين في خطابه بالتصدر من حيث عدد الأصوات وتسيير المدن الكبرى واحتلال الصف الأول في الانتخابات الجهوية التي لم يحظ منها إلا بتسيير جهتين بينما آل تسيير 5 جهات إلى الأصالة والمعاصرة باستعمال الأساليب المعلومة.
إن تجربة المغرب الجديدة بخصوص انتخاب المجالس الجهوية تلح بتعديل المقتضيات القانونية لتكون أكثر ديمقراطية، وبالرغم من كل ما جرى من تحكم فقد خرج حزب العدالة منتصرا كأنه فاز بتسيير جميع الجهات وذلك بانتزاعه جهتين نموذجيتين؛ الأولى تمثل إشعاع سياسي ومركز إداري وقطب اقتصادي (الرباط- سلا- القنيطرة)، فضلا عن تسيير جزء من جهة البيضاء-سطات وأعني عمودية العاصمة الاقتصادية التي تمثل قطبا للنشاط المالي والاقتصادي، والثانية تجسد نموذجا للجهات التي تعاني الهشاشة والتهميش(درعة-تافيلالت)، وإذا ما صارت الأولى نموذجا للحكامة المالية والإدارية وأبدعت جيلا جديدا للمدن، وتحولت إلى قطب مالي واقتصادي تنافسي حقيقي وتجاوزت تفاوتاتها المجالية، وإذا ما تم نقل درعة-تافيلالت من وضع العجز والهشاشة إلى جهة مؤهلة قادرة على جلب الاستثمارات، فإن مكانة الحزب ستتعزز في المستقبل ولن تجد باقي الأحزاب بدا من العمل بمنطق الانجاز والنجاح حتى لا يظفر حزب العدالة والتنمية بالجهات التي يدبرون شؤونها في المستقبل.
لقد أربكت هذه النتائج رهانات كل الأطراف المتشاركة في ترقب سقوط مدوي لإسلاميي بنكيران، وكان رد الفعل تجاهها سريعا، وعبر محطات مدروسة، من قبل القطب المتحكم في قيادة برنامج إسقاط بنكيران بتدارك حصد تسيير 5 جهات، والتأثير في قرار سحب ترشيح حامي الدين من رئاسة فريق العدالة والتنمية بمجلس المستشارين، ومشكلة المادة 30 من قانون مالية 2016، ثم قرار بلمختار القاضي بفرنسة المواد العلمية بالتعليم الثانوي التأهيلي، فضلا عن اطلاق دعاية إعلامية قاعدية موازية تبشر بعدم إكمال حكومة بنكيران ولايتها.
بقليل من التمعن ندرك مدى التخبط والحنق والتشنج الذي سببته هذه النتائج لمناوئي بنكيران: فكيف لا يكمل ولايته من حصل على مثل تلك النتائج؟ وهل منحه الشعب المغربي هذه النتائج أم جاءته من شعب آخر؟ وعن ماذا يبحث من لا يحترم إرادة الشعب؟ وأنى له أن ينهي الولاية؟ أتراه يبحث عن فتنة ويريد لبلده الفوضى والاضطراب؟ ! ألا قبّح الله امرأ يسعى إلى إرباك الاستقرار !
يتقدم الزمن وتتوالى المحطات لتؤكد دقة تشخيص بنكيران، وتماسك منهجه، ونجاح استراتيجيته؛ لم يساير حركة 20 فبراير ورأى الكثير في ذلك نهايته، غير أنها لم تكن سوى البداية. قالوا بأنه لن يصير وزيرا أولا فأصبح رئيس حكومة، حشدوا كل القوى لكسر شعبيته فتصاعدت بحجم الأصوات وعدد المقاعد وأهمية المواقع. إجمالا فقد حكموا بأنه ورقة مرحلة يلعبها أهل النفوذ، فصار بعد حين رقما صعب التجاوز في الحاضر والمستقبل.
بعد توالي هذه التطورات لا يمكن لفرقاء العدالة والتنمية الذين يلتزمون قليلا من الموضوعية إلا إعادة حساباتهم من جديد لمنافسة حزب العدالة والتنمية المغربي:
– على حزب التحكم أن يتكيف بالوضع الجديد الذي يسير ولو ببطء نحو فضاءات رحبة للحرية والشفافية والاستحقاق، وأن يقلع عن إدمان حمل جهاز التحكم والعبث بالموجات والأحداث والبرامج، والعاقل هو من يبتعد عن الإدمان قبل أن يدمر حياته وحياة من حوله.
– على حزب الاستقلال مواصلة السير في اتجاه العودة للأغلبية ومقاومة قوى اللقاحات والرادارات التي انتصبت لربط مصيره بمصير التحكم والاستبداد.
– على النقابات اغتنام التحول السياسي لكسب المزيد من النقاط لصالح الطبقة العاملة وتأمين تقاعدها وسلمها الاجتماعي، بدلا من الانسياق وراء لعبة شد الحبل التي تمسك خيوطها القوى المقامرة والمغامرة باستقرار البلد إشباعا لإدمانها الحاد.
– على العدل والإحسان اغتنام الوضع الحالي لتقوية الصف الوطني المدافع عن المرجعية والقيم الإسلامية والوقوف بوجه بعض القوى الدولية والوطنية التي ترمي إلى مسخ هوية الشعب المغربي، ثم الخروج من مأزق الموقف السياسي في أسرع وقت، تحسبا لكل فعل ناجم عنه ينسجم وأجندات أعداء استقرار المغرب.
قد يصفني من قد تزعجه رسائلي بأني أتقمص دورا باهتا لأستاذ فاشل، أو أني أبالغ في تقدير نجاحات حزب العدالة والتنمية، غير أني أؤكد بأن ما يطبع الوضع السياسي الدولي من إرهاب و انعدام الاستقرار يزكي المسار الذي اختاره العدالة والتنمية، وما أسدي لهم إلا النصيحة، إن زهدوا فيها فليتركوها للوطن.
Aucun commentaire