بالتكرار يتعلم الحمار: صورمن المدرسة القديمة
هي المدرسة الابتدائية في الستينات من القرن الماضي.مدرسة ابتدائية مدة مكوث تلاميذ نجيبين بها خمس سنوات(من القسم التحضيري الى القسم الخامس) و تستقبل تلاميذ من الفئات الشعبية ،الذين لم يروا في حياتهم الروض او التعليم الاولي و من الفئات الاخرى ،فلم تكن الا مدرسة واحدة ،اما المدارس الحرة فكانت مخصصة للمطرودين من المدارس الحكومية.
التلاميذ يدخلون الى المدرسة و عقولهم كما يقول فلاسفة الانجليز التجريبيين ((صفحة بيضاء)) .انهم يدخلون المدرسة و يكتشفونها لاول مرة، وهم في حالة يرثى لها من الخوف و الفزع و الذهول،انها مرحلة الفطام الثانية من حياة كل تلميذ من الاسر البسيطة…و اول مرة سيتعرفون على الادوات المدرسية و على المحفظة و الدفتر و القلم و المسطرة، و على الطاولة و الجلوس و القيام وعلى السبورة و مكتب المعلم،و… عن ما يسمى ب المعلم » الذي كان يحمل عصا من غصن الزيتون ، يتجول بها في الساحة حتى في الاستراحة،و بها يعلم القراءة على السبرورة و بها ينظم الوقوف و الجلوس، و بها يشير الى المجيب، و بها ينادي على المخطئ من التلاميذ، و من سيقع عليه العقاب المؤلم…
قد نقول عنهم الان انهم ‘جزارون « حقيقيون » أو جلادون les bourreaux، كما يحدث لمن يعاقب في مخافر الشرطة في ذلك التاريخ بسبب السكر او السرقة او الاعتداء على الاخرين، او بالكلام في الامور السياسية…فتسمع صراخ التلميذ و عويله من مسافات بعيدة…
حبذا لو كان في ذلك الوقت، منظمات حقوق الطفل او حقوق الانسان،بل حبذا لوكانت منظمة واحدة فقط تدافع عن حقوق الحيوان، وتعتبر الاطفال من صغار الحيوانات…فتمنع المعلمين من « سلخ » و جلد أطفال لهم براءة صغار الحيوانات ،في اي جزء من اجسامهم…كل مناطق الجسم مستباحة عند ذلك المعلم، من صفعات على الوجه الى الركلات الترجيحية،الى اللكمات على الظهر،الى الضربات بالعمود على الارجل و الكفين الى تعليقه من اذنيه، و باعداد لا حصر لها حتى لا يستطيع المتعلم الصغير ان يستعمل رجليه في المشي و لا يديه في الكتابة…الا يحق لنا ان نسمي معلمي ذلك الزمن بالجزارين والجلادين… خصوصا الان في القرن 21 الميلادي،و بعد شيوع ثقافة حقوق الانسان و حقوق الطفل(الطفولة من 6 سنوات الى 12سنة)…
و من شدة الخوف يتعلم التلميذ لا حبا في المدرسة بل خوفا من العقاب ،وينبغي ان ينجز على اكمل وجه تمارينه و بدون اخطاء،فلا حق له في الخطأ الكتابي و لا في التعبيري،و لا على السبورة و لا على الالواح الحجرية …
و عليه ان يحفظ القران و القواعد و جدول الضرب و الاعداد و القسمة بسرعة البرق او الصوت…وحذاري للتلميذ من الاسئلة المفاجئة و المباغتة،فاي تلعثم او تردد او بطء في الاجابة الا و كانت العصا في المرصاد…صحيح انه الجحيم حتى بالنسبة للنجباء،الا اولئك التلاميذ من ابناء المعلم او مدير المدرسة، او من ابناء معلمين اخرين او مديرين او ابناء رجال السلطة او من الجيران،فهؤلاء لهم حق الفيتو،و لهم الحماية الشرعية…اما الاخرون فينظرون الى هذا الظلم و التفرقة بعين الذي لا حول له و لا قوة ومن له الرعاية و القرابة… فما اقسى على الانسان و لو كان صغيرا ان يرى هذا الظلم الذي تهتز الجبال و عرش الرحمن ،يسلط عليه ،و القانون المدرسي لا يحميه ولا يطبق على الجميع…
و المعلم الذي يمارس الظلم يدرس مادة الاخلاق و ماد التربية الاسلامية و تلاوة القران …فاين الرابط بين القول و الفعل؟؟؟
هي مدرسة من القرن الماضي،و هي صورة من المجتمع الذي كان في ذلك الوقت…الذي يعطي لصاحب السلطة الادارية و التربوية كل الحرية و بدون محاسبة ان يتطاول على الناس،و يمرغ كرامتهم في الوحل، ويطعن اعتزازهم بانفسهم بالاهانات المتكررة و الشتائم المنتنوعة و السب …
انها مدرسة لم تعلم الا الحفظ و الترديد و التكرار(بالتكرار يتعلم الحمار) اما اساليب التفكير و التحليل و الاقناع و الاستنتاج و المقارنة و التركيب و …فلا مكان لها في المدرسة القديمة… مقياس التفوق هو :النجباء هم من يحفظون اكثر و بأمانة علمية…والمحاسبة على « العلم » تكون على الذاكرة و حفظ القواعد و الجداول الحسابية و اللغوية و مضامين التاريخ… »فالعلم في الرأس و ليس في الكراس »
فبالتكرار يتعلم الحمار هو شعار المدرسة التقليدية.ومن اجل ان لا يكون التلميذ حمارا من البادية(بخلاف حمار المدينة الذي يشهد له بالتفوق نظرا لصعوبة المسالك و الطرق الملتوية و الكثيرة في المدينة، فيضطر الحمار في المدينة ان يبذل مجهودات اضافية كي يتعلم اشياء لا يتعلمها حمار البادية…
أخيرا اطرح السؤال : ماهو الفرق بين المدرسة الابتدائية 1960 و بين المدرسة الاساسية في 2015 ؟ ماهو الثابث و ما هو المتغير؟ و بعبارة اكثر وضوحا: هل انتقلنا من قياس الذاكرة الى قياس القدرات و العمليات العقلية العليا و المختلفة و المتنوعة التي يتمتع بها العقل البشري؟ هل تصنع المدرسة المغربية أو تكتشف و ترعى بشكل مستمر،أو تعتني بالعقول العبقرية و المتفوقة المحلية في ميادين مختلفة؟هل تستفيد منها في صنع التقدم و التطور،ام ذلك لا يعنيها؟ ام تبيعها للبلدان الغربية كما تبيع موادها الاولية؟؟؟؟
انجاز: نورالدين صايم
4 Comments
أتفق معك في كل ما ذكرت. و سأحيلك على تجربة لتستنج الفرق بين تعليم الستينات و تعليم اليوم .← إطرح أسئلة في جغرافية المغرب عن موقعه بالنسبة ﻹفريقيا و العالم و موقع مدنه. وكذلك تاريخه، بل اطرح أسئلة في جدول الضرب لتلميذ حائز على الشهادة اﻹبتدائية في سنة 1970، و كذلك لتلميذ حائز على شهادة للباكلوريا لسنة 2015 .
فلا تنسى أن تلاميذ الخمسينات و الستينات من القرن الماضي وصلوا إلى أعلى المستويات / ثقافيا-علميا-مسؤولية سياسية الخ… وذلك بأقل تكلفة و مصاريف و بأدوات بسيطة جدا و بدو ن دروس الدعم أو ساعات إضافية و حتى السنة الدراسية كانت محدودة في 9 أشهر مع احتساب عطلتي رأس السنة و الربيع والتي كانت لمدة 15 يوما لكل واحدة. و حتى التربية اﻷخلاقية داخل اﻷسرة و في الشارع و المدرسة ،كانت أخلاق جد حسنة و كان اﻹحترام المتبادل بين التلميذ و اﻷب و المعلم ﻷن العصا كانت سبدة الموقف ﻷننا تربينا على شعار العصا لمن عصى و كما جاء في مقطع
إحدى أغاني الفنان الوجدي السي الجيلالي أطال الله في عمره ،و هو يخاطب المعلم ؛ تحت عنوان
» أنا ياسيدي » : غير اسلخ و كفن و اسيفطوا لي أنا ندفن . شتان بين تربية و أخلاق والدراسة بين اﻷمس و اليوم . فرحم الله السي أحمد بوكماخ و بارك اللهم في شجر الزيتون و البلوط و اللهم أعينا كآباء و اصلح تعليمنا و أولادنا لما فيه خير لنا و لبلدنا . آمين.
العبرة بالنتائج يا استاذ قارن بين باكالوريا 70 وباكالوريا15
استاذ ي الكريم ذكرت عيوب و سلبيات المدرسة التقليدية و انت احد خريجها ولم تذكر و لو واحدة من اجابيات تلك المدرسة،
ماذا جنينا من المناهج الجديدة و الطرق البيداغوحية الحديثةˁ
المدرسة التقليدية هي ظاهرة عالمية بالنسبة للمجتمعات التي عرفت هذ النوع من المدارس و هي المجتمعات الاوروبية التي عرفت ثورة و صعود البورجوازية الى الحكم و تحول المجتمع من فلاحي اقطاعي بدوي الى صناعي و حرفي في المدينة.اذن ليست هي خاصية مغربية .و مواصفات هذه المدرسة التي كانت تخرج تلاميذ موسوعيين يعرفون كل شيء و لا يفعلون اي شيء، وهو ما يطلق عليه باللغة المعاصرة :le savoir faire.يمكن الرجوع الى مواصفات المدرسة التقليدية الى المراجع العربية و الفرنسية اذكر بعضها فقط:philosophie de l éducation…leif et rustin/ edition delagrave/….
و التربية العامة :رونيه هوبير ترجمة عبد الله عبد الديم.و كتاب :من اجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية و التربوية للكاتب المغربي عابد الجابري