ملفات استعجالية على طاولة الرئيس الجديد لجامعة محمد الأول
بقلم د. بلقاسم الجطاري
عاشت جامعة محمد الأول بوجدة منذ توقيف رئيسها السابق، شهر أكتوبر من السنة المنصرمة، حالة من الغموض والترقب، وهي تنتظر تفسيرا واضحا صريحا للقرار الوزاري المتخذ في هذا الشأن، وتترقب في الآن نفسه تسمية رئيسها الجديد. وهكذا تناسلت خلال هذه الفترة الكثير من الإشاعات، وكثرت الأقاويل، وانتشرت فوضى التكهنات، بين من يرى في الأمر تدبيرا طبيعيا تقتضيه المساطر المتبعة في هذا الشأن، وبين من يرد ذلك حبائل السياسة والسياسيين، ومكائد الفاعلين داخل الصالونات والغرف المغلقة.
وقد كان من الممكن أن يستمر حال المؤسسة الجامعية على منوال الاستثناء، بفعل الصمت الذي رافق واقعة التوقيف، وكذا حرص الوزارة على تمديد فترة الإعلان عن الرئيس الجديد، مثلما كان متوقعا أن يطغى منطق التبريرات، والتماس الأعذار للمسؤولين عن هذا الوضع غير السليم، لولا مصادقة المجلس الحكومي الأخير على مقترح التعيين (الخميس 05-10-2015)، وحسمه الجدال الذي عمر طويلا لفائدة السيد محمد بنقدور. ومن ثم تسميته رئيسا جديدا لجامعة محمد الأول لأربعة مواسم جامعية.
لقد عاشت الجامعة طيلة هذه المدة، وضعا استثنائيا مربكا على كافة المستويات، أفرغ مؤسسة الرئاسة من محتواها التدبيري الإبداعي، وحصرها في مستوى « تصريف الأعمال »، بحيث لم يكن متاحا للرئيس المؤقت إلا تدبير الجانب الإداري (بحصر المعنى)، وإيجاد المخارج التقنية والتشريعية للوضعيات والمشاكل التي تعترض المؤسسة الجامعية، وبخاصة ما يتعلق بالجانبين: التقني والبيداغوجي، وما دار في فلكهما من مشاكل تدبير الموارد البشرية.
واليوم، وقد انتهى زمن المؤقت والاستثناء، وعادت سكة رئاسة الجامعة إلى طريقها الصحيح، سيكون أمام الرئيس الجديد أن يبادر إلى تنزيل مشروعه لتأهيل الجامعة، وتطوير عرضها التكويني، وتنويع مخرجاتها. كل ذلك في ظل مناخ مؤسسي يموج بالمستجدات والتحولات، سواء على مستوى البنيات، أم على مستوى الأوراش والوحدات البيداغوجية والمؤسسات المهنية. وهكذا سيجد الوافد الجديد إلى مقر رئاسة الجامعة حزمة من المشاريع التي ينتظر بعضها اشتغالا مديدا لتنزيلها وأجرأتها على أرض الواقع، ويحتاج بعضها إلى الدعم والمواكبة والتتبع، لأنها ما تزال في بداياتها، يخشى عليها من التعثر. وكل ذلك يحتاج طبعا مجهودا وحكمة وخبرة وجرأة، ومن هذه المشاريع الهامة نذكر مثلا:
– المركب الجامعي بالسعيدية، والذي يتوقع أن يأخذ شكل مؤسسات جامعية مختصة بالتكوين في مختلف الفروع المهنية، لاسيما وأن رهان الجامعة الرئيس في مجال التدبير هو الانفتاح على المحيط السوسيو اقتصادي، وكذا مواكبة إيقاع التنمية الذي انخرطت فيه الجهة. إذ يفترض أن يوفر هذا المركب الجامعي تكوينات رفيعة ذات صلة بخصوصية الجهة الاقتصادية (في مجالات: الفلاحة، والصناعة، والسياحة، والتجارة واللوجستيك ..).
– مشروع مركب جامعي بمدينة الناظور، ذي مواصفات دولية تراعى فيه شروط التحصيل والبحث العلمي، سيشتمل على مختبرات مجهزة بأحدث الآلات والمعدات؛ وذلك لجعل هذه المؤسسة حلقة وصل بين الباحثين والفاعلين الاقتصاديين؛ وأداة للنهوض بالبحث العلمي الجامعي.
– مشروع بناء نَوَيَات جامعية جديدة بمدن بركان وجرادة والسعيدية؛
– مشروع منظومة الجودة بالجامعة؛
– المجمع الجامعي الجديد لنقل التكنولوجيات والخبرة (مركب جامعي مستحدث للتكوين والبحث واحتضان المقاولات…).
– مشاريع إحداث شعب بكلية الطب والصيدلة (شعبة العلوم الطبية، والعلوم الجراحية، والعلوم الأساسية، وشعبة الأم والطفل)، ومشروع ماستر (الدبلوم الجامعي) في تخصص الافتحاص والمراقبة والتدبير » بالمدرسة الوطنية للتجارة والتسيير، ومشروع ماستر « التواصل والتسويق » بكلية الآداب.
هذه المشاريع الموضوعة على طاولة الرئيس الجديد، ليست هي الملفات الوحيدة التي تنتظره بكل تأكيد، إذ سيكون مطالبا أيضا، بتدبير مشكلة الاكتظاظ بالمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح (يتوقع تسجيل 6750 طالب بكلية الحقوق برسم الموسم الجامعي الجاري، في مقابل 5740 طالب في الموسم الجامعي المنصرم)، وإيجاد الحلول الاستعجالية لمشكلة الخصاص على مستوى الموارد البشرية، ثم اقتراح الحلول الإبداعية لمشكلة تشغيل الخريجين العويصة والمستعصية، بالتفكير في اعتماد صيغ جديدة للتواصل والتنسيق بين الجامعة ومحيطها السوسيومهني. وهذه المشاكل، كما هو معلوم، معضلات جديدة قديمة حاول الرؤساء السابقون، بجامعة محمد الأول وغيرها من جامعات المملكة، حلها وتجاوزها، دون جدوى لاعتبارات بنيوية كثيرة ذات صلة باختيارات سياسية كبرى تتجاوز الجامعة.
مسالك التدبير الجيد تقتضي أيضا المبادرة بتنزيل شعار الحكامة على أرض الواقع. وهذا بدوره ملف تدبيري على قدر كبير من التركيب، لأن الاختلالات التي تعرفها الجامعة ليست وليدة قرارات معلنة واضحة تم اتخاذها من قبل مسؤولين سابقين، كما يتم الترويج له من قبل بعض الجهات الإعلامية ذات الميل الاختزالي. ولكنها حزمة مشكلات مترابطة، بعضها مرتبط باختلالات قطاعية مركزية كبرى (تشريعية، سياسية…)، وبعضها مرتبط بشيوع منطق التواكل، وغياب المبادرة، ونضوب الخيال، وضعف التواصل. وهذه مشاكل وسلوكيات يصعب القطع معها بين عشية وضحاها، لأنها ذات جذور ثقافية عميقة، يحتاج تعديلها واستبدالها بقيمها النقيضة إلى فكر تدبيري خلاق، ينطلق من أدبيات التحفيز والتعاقد والتشارك، وهي الأدبيات الرائجة اليوم على مستوى التدبير الإداري.
تجويد العرض البيداغوجي يعتبر ملفا مركزيا ذا طبيعة استعجالية، إذ صار لزاما على الجامعة تحسين ترتيبها بين المؤسسات الجامعية المغربية والإقليمية والدولية، من خلال تشجيع سبل البحث العلمي، وتطوير الأداء الطلابي في هذا المجال، وغيره من مجالات الحياة الطلابية، ثم تفعيل سبل الشراكات الفاعلة مع المؤسسات الدولية ذات الصيت والخبرة. بما يضمن الجاذبية والإشعاع المطلوبين. وهذه قضايا تقع في صميم الرهانات التي يجب تحقيقها على الأمدين: القريب والمتوسط.
يقع ضمن هذه الملفات أيضا، موضوع تجديد صيغ الهندسة البيداغوجية الصارمة القائمة حاليا، حتى تنسجم، من جهة، مع المتطلبات المهنية لسوق الشغل، وحتى تضمن تكوين مخرجات كفؤة غنية، قوامها المهارات والكفايات العملية. وحتى تساهم، من جهة ثانية، في إشاعة القيم الإيجابية التي يحتاجها الوطن، ونعني قيم: الديموقراطية، والمساواة، والتسامح، وقبول الاختلاف… وهذا ورش يحتاج إلى شجاعة كبرى، بحيث يتم فتح بعض جسور التلاقي بين المؤسسات الجامعية المختلفة (علوم، آداب، حقوق…).
وقريبا من هذا الورش يقع أيضا مشروع المساهمة في التنزيل الجامعي الديموقراطي لمواد الدستور الجديد، وأمثلة هذا الورش كثيرة، وإن كان أكثرها وضوحا واستعجالا في الوقت الراهن، ملفا: الأمازيغية والمناصفة. إذ أصبح لزاما تمكين الأمازيغية من الدعم البشري واللوجستيكي والمادي اللازم كي تتبوأ بدورها المكانة التي تستحقها بالجامعة، على غرار نظيراتها من الشعب. مثلما أصبح لزاما إعطاء القدوة، من داخل الجامعة، فيما يخص مقاربة النوع الاجتماعي ومأسسة المساواة بين الجنسين، بإعطاء المرأة فرصتها في مجال التدبير والتسيير، وتحمل المسؤلية على مستوى مناصب القرار.
هذه بضع ملاحظات أَمْلتها الحيثيات الجديدة التي تعيش في خضمها الجامعة، وفرضتها أيضا رغبتنا في إثارة الملفات ذات الأولوية، من منظورنا ومن منطلق انتمائنا إلى هذه المؤسسة وغيرتنا عليها، وبدافع تجربتنا المتواضعة التي راكمناها خلال سنوات اشتغالنا بين جدرانها، سواء في مجال التكوين، أم في مجال التدبير والتسيير. وهي ملاحظات وقضايا وملفات نعتقد أن الرئيس الجديد قادر على معالجتها بكثير من الحكمة والشجاعة والتبصر، اعتبارا لما يملكه الرجل من المؤهلات والكفايات، وما راكمه من الخبرة والدربة في المجالين: البيداغوجي والإداري، وأيضا لما عرف عنه من قدرات تواصلية رفيعة اكتسبها من اشتغاله الجمعوي، ونضاله الحقوقي. وفوق هذا كله لما يملكه من معرفة دقيقة بخبايا المؤسسة، لأنه ابن الدار، وهو عارف طبعا بمشاكل الجامعة وخصوصياتها، وحاجيات المنطقة، وانتظارات الساكنة.
1 Comment
إلى جانب المشاكل المطروحة في المقال يجب إضافة معظلة اللوبيات القبلية والصراع الناتج عنها بين الأساتذة والمنعكس سلبا على الطلبة،صراع صبياني أحيانا يخجل الأستاذ من انتمائه الى هيئة التدريس