VIDEO ما هي السلفية أو من هم أهل السنة والجماعة
أحمد الجبلي
على إثر الدرس الحسني الرابع لهذه السنة الذي ألقاه أستاذنا العلامة الدكتور مصطفى بن حمزة يوم التاسع رمضان 1436 والذي دار حول سلفية الأمة والتمثلات المغربية، أحببنا أن نتحدث عن مفهوم السلفية أو أهل السنة والجماعة نظرا للتحريف الخطير الذي طال هذه العقيدة، حتى ذهب بعض مدعيها إلى تكفير جل علماء الأمة كما ذكر أستاذنا بن حمزة في درسه القيم الذي أزال كل لبس من أن كون المغاربة قد اعتنقوا مذهب أهل السنة والجماعة أي عقيدة الأشاعرة قد حفظ المغرب من الإرهاب والتطرف وطبع تدين المغاربة بالاعتدال والسلم والتسامح. فضلا عن اعتماد المذهب المالكي الذي يعد من أكثر المذاهب استيعابا للإسلام وتعاليمه السمحة. وخروج بعض الطوائف عن هذا المعتقد الصحيح الذي أجمعت عليه الأمة دفع بهم إلى اعتناق عقائد فاسدة ديدنها تكفير المسلمين كما هو الشأن الآن بالنسبة لداعش التي تقتل من صلى التراويح على اعتبار أنها بدعة لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحريم زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحريم قراءة القرآن جماعيا، وتحريم التوسل بالصالحين والأنبياء، وتحريم الغناء والآلات الموسيقية إلى غير ذاك.
وفي هذا السياق يأتي تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم للأمة من أن تزيغ عن ما كان عليه هو وأصحابه صلى الله عليه وسلم حتى لا يكفر بعضها بعضا أو يقتل بعضها بعضا وتدخل في جدالات عقيمة لا تزيدها إلا تفرقا وتمزيقا، ولذا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث عن عبد الله بن عمرو: » وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاثة سبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي » رواه الإمام الترمذي وقد روي الحديث من طرق أخرى. وكان أكثر أهل العلم يدعون الله تعالى بأن يميتهم على مذهب أهل السنة والجماعة، فيقول بعد الحمدلة والتصلية على النبي صلى الله عليه وسلم ما نصه: » اللهم بفضلك العميم عمنا، واكفنا اللهم شر ما أهمنا وأغمنا وعلى الإيمان الكامل والسنة والجماعة توفنا نلقاك وأنت راض عنا » فكانت أمنيتهم الموت على عقيدة أهل السنة والجماعة، الذين عناهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: » لا تجتمع أمتي على ضلالة » في الحديث المتواتر معنى، والمتواتر في المعنى كالمتواتر في اللفظ.
إذن لابد من تحديد مفهوم أهل السنة والجماعة التي هي عقيدة تسعة أعشار أهل الأرض وعقيدة الملايين من العلماء عبر التاريخ الذين تلقتهم الأمة بالصحة والقبول، وعقيدة المالكية والشافعية والحنفية وجملة كبيرة من الحنابلة المتقدمين. لأن تمة عقيدة أخرى تسمي نفسها سلفية ما أنزل الله بها من سلطان أهلها تقودهم خلفية معينة تتأسس على تحريف كتب الأمة بالتحقيقات الواهية المشحونة بالنقصان والزيادة اتباعا للهوى وما تهوى الأنفس، لطمس العقيدة الحقة والصحيحة ولإيجاد مبررات لتكفير العلماء الأجلاء الذين هم من أوصل إليها هذا الدين، وقد ذكر علامتنا بن حمزة مجموعة منهم، ومن الكتب التي قاموا بتحريفها كتاب صحيح البخاري بعد طباعته في أجزاء صغيرة وحذف بعض أحاديثه من غير إشارة لذلك، وطبعوا المغني لابن قدامة الحنبلي فحذفوا منه مبحث » الاستغاثة » وطبعوا شرح صحيح مسلم فسلخوا منه أحاديث الصفات لأنها لا تتماشى ومعتقدهم معتقد التجسيم والتجسيد، وطبعوا كتاب الأذكار للإمام النووي بدار الهدى بالرياض تحت إشراف دار البحوث والدعوة والإرشاد سنة 1989 فبدلوا في كلام الإمام النووي، وحرفوا منه قسما، كما حذفوا منه ما لم يمكنهم تحريفه مما لا يوافق أهواءهم ومشاربهم، وذلك في كتاب الحج من ( الأذكار) في فصل يتعلق بزيارة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وعبثوا بكتاب الإبانة في أصول الديانة للإمام أبي الحسن الأشعري فحذفوا منه ما لا يتوافق وعقيدتهم، ومن ذلك قوله في الاستواء: » وأن الله استوى على العرش على الوجه الذي قاله وبالمعنى الذي أراده، استواء منزها عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال، لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته، ومقهورون في قبضته، وهو فوق العرش وفوق كل شيء إلى تخوم الثرى، فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماء، بل هو رفيع الدرجات عن العرش كما أنه رفيع الدرجات عن الثرى وهو مع ذلك قريب من كل موجود وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد وهو على كل شيء شهيد » فهذا كله محذوف. كما حذفوا مقاطع من كتاب معيد النعم للإمام السبكي، ووضعوا مقاطع محرفة في كتاب شرح ابن أبي العز للعقيدة الطحاوية من ذلك قولهم تلفيقا للإمام السبكي: » وهذه المذاهب الأربعة – ولله تعالى الحمد – في العقائد واحدة، إلا من لحق منها بالإعتزال والتجسيم، وإلا فجمهورها على الحق يقرون عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول » بينما حقيقة ما قاله الإمام السبكي في كتابه » معيد النعم » ص 62 نصه كالتالي: » وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة –ولله الحمد – في العقائد يد واحدة كلهم على رأي أهل السنة والجماعة يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة أبي الحسن الأشعري رحمه الله، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية، لحقوا بأهل الاعتزال ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية فلم نرى مالكيا إلا أشعريا عقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعري هو ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة » تأملوا النصرين لتدركوا خطورة التحريف الذي طرأ في الكتب التي تتحدث عن عقيدة أهل السنة والجماعة. وأحيانا يلجأون إلى اختصار أمهات الكتب مع الحذف تحت مبرر تسهيلها للناس. ومن أكبر الجرائم قد طالت كتاب الأسماء والصفات، وهو كتاب قام بتحقيقه أربعة من المحققين وأفضل من حققه الإمام الأعظم محمد بن زاهد الكوثري.
إن أكبر الجرائم لحقت بكتاب نفيس في العقيدة وهو كتاب الأسماء والصفات للإمام البيهقي رحمه الله حيث حذفوا منه في إحدى الطبعات كتابا كاملا هو كتاب » فرقان القرآن » وفي طبعة ثانية حذفوا منه مقدمة الإمام الكوثري، وفي طبعة ثالثة لم يذكروا أن التعليقات في الكتاب هي للعلامة الكوثري، وفي طبعة رابعة حذفوا منها تعليقات الإمام الكوثري تماما. فضلا عن عملية تأليف كتب بأسماء علمائهم ليموهوا بها على المسلمين منها كتابتهم لكتاب أسموه » الأسماء والصفات » وأضافوه لابن تيمية مع أن أهل العلم يجمعون أن ابن تيمية لم يكن له كتاب بهذا الاسم. ومن التحريفات ما أدخلوه على طبعة جديدة لكتاب » سير أعلام النبلاء » للإمام الذهبي والذي حذفوا منه جزءا كاملا رد فيه الإمام الذهبي على العديد من أقوال ابن تيمية وهو الجزء الرابع والعشرون تحت مبرر أنه مفقود.
والحديث في هكذا موضوع يطول ولا ينتهي…
وأما عن تبيان من هم أهل السنة والجماعة أو من هي الفرقة الناجية فيكفينا أن نستدل على ذلك بما يلي:
إن مصطلح أهل السنة والجماعة ظهر ليميز بين أهل الضلال والزيغ والبدع وأهل الحق السائرين على منهج السلف الصالح المتمسكين بالقرآن والسنة والآثار المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه رضوان الله عليهم، وكلما أطلق هذا المصطلح في كتب العلم والعلماء إلا دل على الأشاعرة والماتريدية وأهل الحديث لأنهم هم الذين كانوا على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولم يبدلوا ولم يغيروا، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنهم السواد الأعظم من الأمةـ وهو وصف ينطبق على الأشاعرة والماتريدية وأصحاب الحديث، إذ يعتبرون غالبية أهل الإسلام، والذين نفى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الاجتماع على ضلال بقوله » لا تجتمع أمتي على ضلالة » قال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله في كتابه إتحاف السادة المتقين الجزء الثاني الصفحة السادسة: » اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل، وإن اختلفوا في الطرق والمبادئ الموصلة لذلك، وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف: الأولى: أهل الحديث ومعتمد مبادئهم الأدلة السمعية، أعني الكتاب والسنة والإجماع. الثانية: أهل النظر العقلي والصناعة الفكرية، وهم الأشعرية والحنفية، وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعري، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدي…الثالثة: أهل الوجدان والكشف »
وقال الإمام عضد الدين الإيجي رحمه الله في بيان الفرقة الناجية في كتابه المواقف الصفحة 430 : » أما الفرقة الناجية المستثناة الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم فيهم » هم الذين على ما أنا عليه وأصحابي » فهم الأشاعرة والسلف من المحدثين وأهل السنة والجماعة، ومذهبهم خال من بدع هؤلاء » وقال الإمام الجلال الدواني رحمه الله في شرح العقائد العضدية الجزء الأول الصفحة 34: » الفرقة الناجية وهم الأشاعرة أي التابعون في الأصول للشيخ أبي الحسن الأشعري فإن قلت: كيف حكم بأن الفرقة الناجية هم الأشاعرة؟ وكل فرقة تزعم أنها ناجية؟ قلت سياق الحديث مشعر بأنهم – يعني الفرقة الناجية – المعتقدون بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذلك إنما ينطبق على الأشاعرة، فإنهم متمسكون في عقائدهم بالأحاديث الصحيحة المنقولة عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه، ولا يتجاوزون عن ظواهرها إلا لضرورة، ولا يسترسلون مع عقولهم كالمعتزلة » والإقتصار على الأشاعرة في نصوص الأئمة وأهل العلم إنما لكونهم أغلب أهل السنة، فلا يفهم منه إخراج غيرهم من طوائف أهل السنة من الفرقة الناجية، فمن لم يكن منهم متبعا للإمام الأشعري فهو موافق له. وقال الإمام ابن عجيبة في تفسير الفاتحة الكبير المسمى » البحر المديد » في الصفحة 607: » أما أهل السنة فهم الأشاعرة ومن تبعهم في اعتقادهم الصحيح، كما هو مقرر في كتب أهل السنة » وقال الإمام تاج الدين السبكي رحمه الله في طبقات الشافعية وبالضبط في المجلد الثالث الصفحة 365: » قال الشيخ الإمام، يعني والده التقي السبكي، فيما يحكيه لنا: ولقد وقفت لبعض المعتزلة على كتاب سماه طبقات المعتزلة، وافتتح بذكر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، ظنا منه أنه – برأه الله منهم- على عقيدتهم. قال: وهذا نهاية في التعصب، فإنما ينسب إلى المرء من مشى على منواله، قلت لأنا للشيخ الإمام: ولو تم هذا لهم لكان للأشاعرة أن يعدوا أبابكر وعمر رضي الله عنهما في جملتهم، لأنهم على عقيدتهما وعقيدة غيرهما من الصحابة فيما يدعون ويناضلون، وعلى حماها يحومون، فتبسم، وقال: أتباع المرء من دان بمذهبه وقال بقوله على سبيل المتابعة والاقتفاء الذي هو أخص من الموافقة، فبين المتابعة والموافقة بون عظيم » قال الإمام عبد القاهر البغدادي في كتابه « أصول الدين الصفحة 309″ بعدما عدد أهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وتابعيهم إلى أن قال: » ثم بعدهم شيخ النظر وإمام الآفاق في الجدل والتحقيق أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري الذي صار شجا في حلوق القدرية…وقد ملأت الدنيا كتبه، وما رزق أحد من المتكلمين من التبع ما قد رزق، لأن جميع أهل الحديث وكل من لم يتمعزل ( أي المعتزلة ومن نحا نحوهم) من أهل الرأي على مذهبه »
وقال الإمام عمرو الداني رحمه الله في رسالته الشهيرة » الرسالة الوافية في معتقد أهل السنة والجماعة في الصفحة 117″ » اعلموا أيدكم الله بتوفيقه وأمدكم بعونه وتسديده، أن قول أهل السنة والجماعة من المسلمين المتقدمين والمتأخرين من أصحاب الحديث والفقهاء والمتكلمين » ثم شرع في بيان اعتقاد أهل السنة، وقوله « الفقهاء والمتكلمين » يعني بهم الأشاعرة والماتريدية، ورسالته زاخرة بتوضيح ذلك. وقد تأثر الإمام عمرو الداني بشيخه وأستاذه شيخ أهل السنة القاضي أبي بكر الباقلاني رحمه الله وبطريقة الإمام الأشعري واضح لا يخفى على من طالع كتبه، بل إن بعض الألفاظ هي هي التي استعملها الإمام الأشعري في بعض كتبه.ونختم بمقولة ذات أهمية من إمام عظيم هو أبو المظفر الإسفراييني رحمه الله في كتابه » التبصير في الدين » في الصفحة 111 بعد أن شرح عقيدة أهل السنة والجماعة » وأن تعلم أن كل من تدين بهذا الدين الذي وصفناه من اعتقاد الفرقة الناجية فهو على الحق وعلى الصراط المستقيم فمن بدعه فهو مبتدع ومن ضلله فهو ضال ومن كفره فهو كافر » فالأمر إذا خطير جدا. ويقول الإمام أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الشافعية المجلد 3 الصفحة 376، وهو من هو علما وفقها وديانة وورعا » وأبو سن الأشعري إمام أهل السنة، وعامة أصحاب الشافعي على مذهبه، ومذهبه مذهب أهل الحق ».
إذن، إن السلفيين في هذه الأمة هم أهل السنة والجماعة وهم تسعة أعشار الأمة الإسلامية ومنهم المغاربة والتونسيون والجزائريون والليبيون والمصريون، وهم الأشاعرة مع اعتبار الماتريدية أشاعرة لكونهم لم يختلفوا عنهم إلا في اثني عشرة مسألة وهو اختلاف لفظي لا غير. أما الذين يدعون بأنهم سلفية حتى سميت حركة معاصرة باسمهم فهم في الحقيقة وهابية تابعون وممجدون لشيخهم محمد بن عبد الوهاب يعتمدون فكر ابن تيمية الحراني رحمه الله وهو مجسم رد عليه العديد من كبار العلماء منهم الإمام السبكي والإمام الذهبي ومنهم الإمام محمد بن زاهد الكوثري وقد رد أستاذنا العلامة بن حمزة ردا علميا رائعا على ابن تيمية في نفيه للمجاز في بحث من ثلاثين صفحة قد نشره موقع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عنوانه « منهج الأشعري في قراءة النص »
Aucun commentaire