هل هي حرب عالمية ثالثة؟ أم هو استعمار جديد؟ أم هو يوم القيامة؟
هل هي حرب عالمية ثالثة؟ أم هو استعمار جديد؟ أم هو يوم القيامة؟
أصبح العالم اليوم محكوما بقوى ثلاثة تدعي أنها عظمى، قوة مادية محضة، وقوتان تجمعان بين المادة والروح، تجنح الأولى إلى تعميم نموذج حضارتها بإلغاء كل الحدود الجغرافية، والثقافية، والفكرية والدينية، والحضارية، تحت مسميات عديدة كالديمقراطية، والحداثة، وحقوق الإنسان، والإرهاب…، وتستمد هذه القوة من شرعية ومشروعية مصطنعتين. بينما تجنح الأخريتان إلى نشر نموذج تدينهما، باعتبار هذا التدين هو الأصح والأصلح، وبمباركة مرجعيات تبيح أنواعا من الدم أن تهرق وتقدس أخرى، وأن الرسائل السماوية أخطأت طريقها ولم تنزل بهم، لأنهم عنصر فريد من نوعه أخطأ الواضع وضعه بين هذا الجنس الذي يسكن هذا الكوكب.
تصدر الأولى المفاهيم والمصطلحات التي تدجن كل جانح خارج عن إرادتها، وتروض كل شرس لا ينصاع لأمرها، كما تصنع وتصدر كل آليات القوة، وأدوات الدمار، بينما توفر الحماية والحصانة لنوع من النوعين المتبقيين، لأن لحم أكتافه من خيراتها، واقتصاده قائم بفضل رؤوس أموالها، يسهر على أمنها واستقرارها، ويقيم الأرض ولا يقعدها إذا سمع طنين زنبور يحوم فوق أجوائها، يقلق راحتها، ويهدد أمنها واستقرارها.
أما الثانية فتعتبر جنسها أرقى الأجناس، ودمها أنقى وأطهر الدماء، ومن ثم فشعبها هو الشعب المختار، دينه هو الدين القويم، وما سواه كفر وإلحاد، ليس له إلا عدو واحد، دمه مباح، وعرضه مباح.
أما الثالث فيتقاطع مع الثاني في اعتبار نفس العدو، تباركه مرجعيات معينة في كل خطوة، وخصوصا إذا أُريق دم ذلك العدو، فتاواه لا ترد، لأنها تلبس ثوب القدسية.
يقوم الثاني والثالث بين الفينة والأخرى بتنظيم مسرحيات أمام جمهور معين، أبطالها جنود من الطرفين، لا فرق بين من يموت ومن يعود سالما، يحاربون بصدق وعزيمة لكنهم لا يعرفون أنهم فوق رُكْحِ مسرح الظل، تحركهم أياد خفية. أما السيناريو فهو إظهار ما بين الطرفين من عداوة شرسة، تبعد عن الأعين والأذهان كل ما من شأنه أن يثير الشك والريبة في أن ما يجري من أحداث ذلك السيناريو إنما يجري على تلك الخشبة. مسوغ هذا التوافق بين الطرفين أن للثاني مصلحة كبرى في انتشار عقيدة الثالث، للقضاء على عقيدة عدوهما المشترك، لعلم الطرفين أن عقيدة هذا العدو هي العقيدة الصحيحة المحفوظة، وهي التي تهدد أمنهم ومصالحهم، إن عادت كما بدأت، فإن استتب الأمر للطرف الثاني سيأكل ثور الطرف الثالث الأحمر، طبعا بمباركة الطرف الأول وعونه. عندئذ لن يبق للطرف الثالث إلا أن يقول أكلت يوم أكل الثوران الأبيض والأسود.
أما العدو- و هذه التسمية هي في نظر الأطراف الثلاثة- فما زال يتداعى على قصعته، ويغرف من أطرافها ما يجعله يسمن يوما بعد يوم، ليصبح وليمة دسمة على طاولة الأطراف الثلاثة، ما زال يستهلك طاقته، ويستنزف دمه، في محاولة إثبات أن فهمه لعقيدته هو الفهم الصحيح، وأن منهجه هو المنهج القويم، وأن رؤيته هي الرؤية السديدة، وأن خطواته هي الخطوات الرشيدة. فوجد جسده وقد هيم بأطرافه في شعاب التفريعات، وتكونت له أذرع متشابكات، قد غاصت كل واحدة منها في مكمن الاقتناع بأن هذا الخدر هو الخدر الآمن، وأن هذا السبيل هو السبيل الراشد، وأن هذا التوجه هو التوجه الصحيح، فتفنن في تسميات هذه الأذرع، وتفنن في اختيار الألبسة والأثواب والأقنعة لهذه الأذرع، وتفنن في رسم وتخطيط السواد على وجوه هذه الأذرع، وألف القناطير المقنطرة من القراطيس يشرح فيها مذاهب تلك الأذرع، بعد أن اقتنع أن الله يقف مع هذا الذراع أو ذاك لأن الله يعلم أن هذا الذراع أو ذاك قد أتاه اليقين. فأنهر فتق أبوابه للأطراف الثلاثة، ومد ثِنْيَ جديله وزمامه لأكفها لتقوده حسب إرادتها ومشيئتها إلى حتفه ونهايته لا محالة.
كلما مد ذراعٌ جِيدَهُ خارج تلك الأذرع، وحاول أن يبدي نوعا من الاختلاف عنها بعد جهد ولأي شديدين في مضمار ما تفوقت فيه الأطراف الثلاثة، إلا وهيأوا له سيفا بتارا يحصده، وسوسا من بني جلدته ينخر جسده، فلا تقوم له قائمة بعد ذلك أبدا، لأنه سيجتر زمنا ثقيلا في لملمة شتاته، بعدما قضى زمنا أثقل منه في بناء ذلك الشتات، فهدمت حضارات شهد التاريخ على عراقتها وريادتها، وأتلفت علوم كانت لتساهم في رقي الإنسان والإنسانية وتقدمها. وتخلفت شعوب اختارها خالقها لتكون خير الأمم.
وجدت الأطراف الثلاثة أسلحة أكثر فتكا من القنابل النووية، وأكثر فاعلية في تسريع وتيرة تفسيخ أجساد عدوها، تلك هي الحدود التي رسمتها عقيدة هذا العدو وجعلتها خطوطا حمراء لا يحل تجاوزها، فعملت تلك الأطراف الثلاثة على إغرائه وتجريئه على تلك الحدود، وأن احترامها هو ضرب من التخلف والجهل والظلامية، محتذية حذو إبليس في الوسوسة لآدم كي يتخطى ذلك الخط الأحمر الذي رسمه له خالقه ممتحنا إياه، فاستساغ العدو الطعم، وابتلعه دون مضغ وتمحيص، فعلقت صنارته في حلقه وغص بها، فلا هو استطاع إخراجها، ولا هو استطاع ابتلاعها، فأصبح منقادا مجرورا بسلاسلها.
ديار العدو آهلة بما يسيل لعاب الأطراف الثلاثة، وأساس حضارتها قائم على ما تزخر به أرضه وجباله وسهوله ومياهه وسماؤه، لذلك لن يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، وحتى ينصاع لأمرهم… فهل هو تمهيد لاستعمار جديد بعد هذه الحرب العالمية الثالثة؟ أم هو موعود نهاية الزمان على هذا الكوكب؟.
Aucun commentaire