لرباط ترتدي اللحاف الصحراوي الأزرق… وتطالب بالإفراج عن الأسرى المغاربة بتندوف
الرباط : نبيل دريوش
عكس الأيام السابقة التي غسلت فيها الأمطار شوارع الرباط كان يوم أمس مشمسا يذكر لهيب شمسه بمناخ تندوف (جنوب غربي الجزائر) التي يقبع فيها مئات الأسرى المغاربة الذين أسروا من طرف جنود جبهة البوليساريو
.
الآلاف من المغاربة حطوا الرحال بشارع محمد الخامس بالرباط ، حيث توجد بعض مؤسسات الدولة المغربية ، للمطالبة باطلاق سراح من تبقى من الأسرى المغاربة الذين قضى بعضهم حوالي ربع قرن في سجون البوليساريو وتحولوا مع مرور الزمن إلى أقدم أسرى حرب في التاريخ المعاصر
.
الآلاف من المغاربة شاركوا في المسيرة التي نظمها «ائتلاف وطننا» للمطالبة بالإفراج عن الأسرى يمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية ، فبعضهم جاء من قلب الرباط أو الدار البيضاء والبعض الآخر أتى من مناطق نائية من المغرب نادرا ما يسمع بها المرء، كما حضر زعماء اخرون يمثلون ألوان الطيف السياسي وجمعيات ثقافية وجمعيات المكفوفين الذين تلمسوا طريقهم ، يرددون الشعارات ، فيما اكتفى ممثلو جمعيات الصم والبكم بالإشارات والتلويح بالأيادي لعدم قدرتهم على الصراخ مثل باقي المشاركين الذين رفعوا شعارات اختلفت عناوينها، لكنها التقت في ضرورة وضع حد لمعاناة الأسرى المغاربة بتندوف
.
وبين الجموع الغفيرة من المشاركين وقف عدد من الشباب بألبسة بيضاء رسم عليها العلم المغربي في مكان القلب تماما وكتب على الرسم شعار «وطننا»، بينما ارتدى أغلب المشاركين في المسيرة وزعماء الأحزاب اللحاف الصحراوي الأرزق ورفعوا الشعارات ، بل حتى جمعيات الدكاترة العاطلين التي اعتادت الدخول في مواجهات مع قوات الأمن، أحيانا بشكل يومي في المكان نفسه الذي مرت منه المسيرة للمطالبة بالتشغيل، رفعت لافتات مماثلة ودخلت في وئام مؤقت مع قوات الأمن. ووسط المسيرة كان العشرات من أبناء أسرى الحرب في الصحراء يرفعون صور ذويهم إلى أعلى وقد كتب على بعضها عبارة «أسير» مع الإشارة إلى تاريخ الأسر، بدت وجوههم قاسية لفحتها الشمس وغزتها تجاعيد الانتظار
.
ويحكي الشاب فرح محمد، 19 سنة ، بنبرة حزينة «والدي محتجز في تندوف منذ سنة 1979 ولم نسمع عنه أي خبر منذ أن تركني وعمري لا يتعدى سنتين حيث لا أذكر ملامحه إلا من خلال الصور القليلة التي بقيت بالمنزل، ومنذ ذلك التاريخ وأنا أنتظر
».
وبجانبه يبدي الجندي المغربي محمد سميري رغبة قوية في سرد حكايته مع الأسر في تندوف «قضيت حوالي 25 سنة في سجون تندوف عانيت فيها أشكالا متعددة من التعذيب التي لا تخطر على البال وأشياء لا يمكن وصفها بعدما اعتقلت في إحدى المعارك التي دارت بمدينة السمارة (قرب الحدود الجنوبية الشرقية للمغرب) سنة 1976 ولم تنته معاناتي إلا بتدخل الصليب الأحمر الدولي للإفراج عنا، فبعضنا قضى حوالي 20 سنة في السجون العسكرية الجزائرية، وأعيش حاليا من الراتب العسكري الذي أتقاضاه وتحز في نفسي سنوات الشباب التي ضاعت مني هباء وأشعر حاليا وأنا أشارك بالمسيرة بالفرح ، وكان يجب أن يحدث هذا منذ أمد طويل لأن لا أحد يعرف ما يعانيه الأسرى المغاربة
».
ووسط هتافات نساء وأبناء الأسرى والمفقودين صرخت امرأة مسنة بأعلى صوتها قبل أن تبدأ الحديث «منذ ربع قرن لا أعرف شيئا عن زوجي الذي تركني بمعية ستة أبناء ينتظرون عودة أبيهم بين لحظة وأخرى»، تتمتم المرأة قبل أن يختنق صوتها وتشرع في النحيب بصوت خافت. أغلب المشاركين في مسيرة «وطننا» كانوا من الشباب الذين ولدوا بعد المسيرة الخضراء التي نظمها المغرب سنة 1975، فالسواد الأعظم منهم لم يعش الصراع الذي دار في تلك الفترة وأدى إلى حرب في الصحراء دامت مدة 15 سنة، فمدينة الرباط التي كانت أمس تنغل مثل خلية نحل تحت الشمس هي نفسها المدينة التي درس بها الطلبة المتحدرون من الأقاليم الصحراوية الذين أسسوا البوليساريو، وتشبع فيها الوالي مصطفى السيد (مؤسس جبهة البوليساريو) بالأفكار الماركسية الثورية أثناء متابعة دراسته بجامعة محمد الخامس قبل أن يتحول أولئك الشباب المغمورون إلى أحد أسباب النزاع في منطقة المغرب العربي
.
مواضيع ذات صلة إنسخ في الذاكرة المؤقتة أرسل النص بالبريد الإلكتروني إطبـــــــع إحفظ في الأقــراص
Aucun commentaire