« لمهد » مسرحية كوميدرامية تعرض احتفاء باليوم العربي للمسرح حجرية عمارة : دوري في المرأة المضطهدة جد مركب وغاية في الصعوبة…
ميلود بوعمامة
قدمت فقرة مسرح « كوميدراما » ليلة الاثنين 12 يناير الجاري بمسرح محمد السادس بوجدة، عرضها المسرحي الأخير لمسرحية « لمهد » من تأليف وإخراج مصطفى برنوصي، وذلك بعد جولات مراطونية بأوروبا والمغرب، ويأتي هذا العرض المسرحي المدعم من لدن وزارة الثقافة احتفاء بمؤوية المسرح المغربي، الذي تزامن هذا العام والدورة السابعة لمهرجان المسرح العربي الذي يصادف العاشر من يناير من كل سنة والمنظم من طرف الهيئة العربية للمسرح.
إذ اعتبرت الممثلة المسرحية المقتدرة حجرية اعمارة، التي لعبت دور المرأة الرئيس في مسرحية « لمهد »، بأنه دور جد مركب وصعب للغاية، اعتبارا لتقمصها لثلاثة شخصيات في شخصية واحدة، وهو الدور الذي تطلب منها مجهودا جسديا وفكريا مضاعفا على خشبة المسرح، مع العلم أن النص فيه ازدواجية في اللغة – العربية والفرنسية- ولم تتنفس حينها حجرية الصعداء طيلة ساعة و15 دقيقة، أي منذ بداية المسرحية إلى نهايتها، وانطلاقا من المشهد الأول الذي خرجت فيه الممثلة من وسط الجمهور وهي تقنية فنية معروفة في المسرح، وذلك على نغمات موسيقى كناوية اشترك فيها الجميع، لتلتحق مباشرة في « جدبة كناوية » « عويشة الروحانية » بباقي الممثلين على الخشبة، وذلك في جو مهيب ومؤثر أخذ ألباب الجمهور الغفير الذي حج بكثافة لمسرح وجدة الكبير حتى اضطر بعهم متابعة العرض واقفا.
في الوقت الذي أكد فيه المنسق العام الفني الوطني والدولي لفرقة كوميدراما محمد بنجدي: « على أن المسرح الوجدي لازال حاضرا في منظومة المسرح الوطني عموما، بحكم الأعمال المسرحية المقدمة من طرف عدد كبير من الفرق المسرحية الوجدية والشرقية المعروفة، وأضاف بنجدي، يذكرني هذا الحضور الجماهيري الغفير، وهذه العروض المسرحية الوازنة والرصينة، بسنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي الذي كان فيه المسرح الوجدي في أوج عطائه إبداعا وممارسة واختيارا للنصوص المسرحية الوازنة والهادفة المقدمة، وكذا احترافية الفرق المسرحية المنتشرة بربوع المنطقة، والتي مثلث المغرب في عدد كبير من المهرجانات والمنتديات المسرحية الوطنية والدولية، خاصة مع جيل الرواد من المسرحيين، وأضاف بنجدي أن الخلف في مجال المسرح موجود،والتفاؤل يسود كل المشتغلين فيه، بحكم تواجد بنيات تحتية مناسبة للعرض المسرحي، ولا خوف على المسرح بالجهة الشرقية، كان مؤدى بالدارجة المغربية أو العربية الفصحى أو الفرنسية أو بالأمازيغية ».
تعالج مسرحية « لمهد » لفرقة كوميدراما بوجدة، فصول وأحداث إنسانية واجتماعية متباينة، حيث تناقش بجرأة منقطعة قصة معاناة المرأة في المغرب أو في باقي دول العالم العربي، وعن واقع التقاليد البالية التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى الاضطهاد « والحكرة » أي تحقير المرأة ككيان وجسد، من طرف الرجال مع العلم أن تركيبة هذه المجتمعات، تركيبة ذكورية بالدرجة الأولى، والكلمة الفصل فيها للرجال فقط من غير الاستشارة للعنصر النسوي، بالرغم من الإصلاحات التي شملت عدد من الإجراءات والقوانين في عدم تبخيس دور المرأة في هذه المجتمعات، والتي صبت مجملها في ما يعرف بالمساواة وإشراك المرأة في تدبير الشأن المحلي، وكذا الأدوار التي يمكن أن تناط بالمرأة المغربية خاصة والمرأة العربية عموما، فالمسرحية جاءت لتناقش عن كثب جوانب مهمة من هذه الاختلالات البنيوية في المجتمع، والتي أفرزت مع الأسف مظاهر وحالات سلبية داخل هذا المجتمع، إثر زواج القاصرات والطلاق المبكر، والأمهات العازبات… وما ترتب عنها كذلك من شوائب ومشاكل اجتماعية جمة.
« لمهد »، أو « المهد » باللغة العربية، وهو ذلك « الحضن » الخشبي الهزاز، الذي يشبه سرير، يوضع فيه الطفل الرضيع لينام من خلال اهتزازه من غير حضن الأم، حيث ينتج في ظروف متباينة حمل غير شرعي لأم طلقت مبكرا، وفي بحث حثيث عن لقمة العيش لأفواه مفتوحة على مصراعيها بالبيت، تضطر مكرهة لبيع لحمها ولوج عالم الدعارة لتوفير الحليب لرضيعها والطعام لوالدها المتقاعد من سلك الجيش (من قدماء المحاربين)، وفي يوما ما يظهر المتسبب في هذا الحمل، هو جار الضحية في سكن عشوائي في أطراف المدينة، وتطرح هنا وبشكل بارز « مسألة الهامش » بشكل مقزز، الهامش الاجتماعي الذي تعيش تداعياته بطلة المسرحية والهامش الذي يعيشه الآن عدد كبير من المتعاقدين مع ضعف المعاش، والهامش الذي يعيشه أطفال الشوارع المتخلى عنهم إثر علاقات غير شرعية، والهامش أيضا هو التشبث الأعمى بتلك العادات والتقاليد البالية التي تحمل في طياتها الجهل والفقر والتخلف، والهامش أيضا الذي يقض مضجع الحكومات والمنظمات والمجتمعات المدنية الحقوقية والنضالية الخاصة بالمرأة..
هي إذن الفصول والأحداث الكوميدرامية للنص المسرحي « لمهد »، الذي ناقشه الممثلون باحترافية وجرأة محسوبة ومهنية معهودة، خاصة لتلك الاختلالات الاجتماعية التي تحمل ركوب صهوتها ممثلون أدركوا صعوبة المواقف والأحاسيس والانفعالات لكل شخصية على حدى، على الرغم من الوقائع التي عرفتها فصول المسرحية، وهي وقائع وحقائق معاشة في المجتمعات العربية التي تؤلم حقا وتدمي القلب أحيانا، لكن هذا لا يمنع أن المسرحية تخللتها قفشات كوميدية من حين لآخر، أضحكت الجمهور الحاضر، وذلك عبر تقنية « الفلاش باك » حين كان الرجل يبحث عن زواج شرعي، وكأنه يبحث عن شراء « بهيمة »، ليتم الزواج بشكل عادي ولو أن فيه نوع من النفاق الاجتماعي « البخل والطمع »، حتى تنتفض الزوجة في ليلة زفافها بشكل عنيف ضد القيود البالية، وكذا العنف الزوجي من أول ليلة بقول الزوج « النسا خطار، نهار الأول يموت المش » في تذكر لنصائح أمه، وتطرح هنا مسألة تعنيف المرأة (الزوجة) وإجهاض رأيها، وبالتالي اضطهادها خاصة وهي في سن مبكرة على الزواج، وقاصر في تدبير أمور البيت والأسرة والحياة… لتنتهي المسرحية كما بدأت على أهازيج كناوية مثيرة وجذبة أخيرة لبطلة المسرحية (حجرية عمارة)، خاصة بعد ظهور مغتصبها، ووفاة رضيعها في المهد، وهجرة والدها البيت وانهيار كل ما كان يربطها بهذه الحياة…
لعب الأدوار الرئيسية لمسرحية « لمهد » بالإضافة لحجرية عمارة، بطلة المسرحية نجد الممثلون: محمد الحسناوي (في دور الأب)، و(غريب) عبد الحق لفطس (في دور الزوج)، وشيماء بناي (في دور الجارة) ، ومحمد بناي في دور (الشمكار) وحميد العفوي في (دور الرجل المغتصب) ومصطفى بلعيد (في تنسيق المؤثرات والانارة) بمعية حميد العفوي في الموسيقى ولخضر في المحافظة العامة، والنص والإخراج المسرحي لمصطفى برنوصي.
Aucun commentaire