الفاعلون والمتدخلون في مجال التوجيه التربوي: الاختصاصات والحدود
الفاعلون والمتدخلون في مجال التوجيه التربوي: الاختصاصات والحدود
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
مقدمة:
لقد حددت المراجع المعتمدة معالم التوجيه التربوي واعتبرته جزء لا يتجزأ من سيرورة التربية والتكوين، كما اعتبرت التلميذ(ة) محور جميع العمليات ذات الصلة بالعملية التربوية وبالاستشارة والتوجيه، في علاقته التربوية بجميع الفاعلين والشركاء والمتدخلين في مجال التوجيه التربوي، فما هي الفئات الرسمية الفاعلة والمتدخلة في مجال الإعلام والمساعدة على التوجيه، والعناصر المشكلة لها؟ وما هي الأدوار والمهام الموكولة لكل فئة؟ وما هي أدوات ووسائل اشتغال كل فئة في إطار اختصاصاتها؟ وما حدود تدخلاتها رسميا وتشريعيا؟ وما هي الجهات الموازية المتدخلة في مجال التوجيه التربوي؟ وما هي آثار تدخلاتها على التلميذ(ة) خصوصا، ومجال التوجيه التربوي عموما؟
سنحاول، قدر الإمكان، مناولة هذه الأسئلة المؤطرة لإشكالية تموقع التلميذ(ة) ضمن بيئة متعددة المتدخلين والفاعلين، في إطار تداخل وتنوع الخدمات التي تقدمها كل جهة أو فئة رسمية أو موازية، في مجال التوجيه التربوي، مبرزين أدوارها وآثارها التربوية والنفسية على التلميذ(ة)، وعلى منظومة التوجيه التربوي، وذلك من خلال الفقرات التالية:
I. من حيث الإطار الرسمي:
ينضوي ضمن الإطار الرسمي مجموعة من الفئات والمؤسسات التالية:
1. الفاعلون الداخليون (المستشار في التوجيه التربوي، المدرسون، الأطر الإدارية)، ينتمون إلى المؤسسة التعليمية ويساهمون في مجموعة من العمليات التربوية الهادفة إلى مساعدة التلاميذ على القيام باختيارات واعية من أجل تحقيق مشاريعهم الشخصية، باعتماد وسائل تربوية مقننة، وفي إطار النصوص التشريعية الرسمية، استنادا إلى برامج متوافق حولها، ومصادق عليها؛
2. الفاعلون الخارجيون (مفتشو التوجيه التربوي، المفتشون التربويون، المصالح الإدارية الجهوية والإقليمية، المراكز الإقليمية والجهوية للإعلام والمساعدة على التوجيه)، يساهمون بشكل أو بآخر في نفس العمليات، لكن من خارج المؤسسة التعليمية، ويعملون في إطار النصوص التشريعية الرسمية؛
3. الشركاء الخارجيون ( أمهات وآباء وأولياء التلاميذ، الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون، الأخصائيون الاجتماعيون، الأخصائيون النفسيون، الجامعات والمؤسسات التكوينية، المهنيون)، ذوو علاقة بالتلاميذ والمستشار في التوجيه التربوي والأطر الإدارية والتربوية، ويساهمون، من قريب أو من بعيد، في العمليات الهادفة إلى مساعدة التلاميذ على بلورة مشاريعهم الشخصية والعمل على تحقيقها؛
هذه الفئات تساهم في تأطير التلاميذ، بشكل مباشر، تعمل في إطار نصوص تشريعية وقانونية، باعتماد برامج ومناهج رسمية تربوية وموضوعية ومصادق عليها، وأنشطة هادفة متوافق حولها، وباستعمال وسائل وأدوات مقننة، من دعائم إعلامية ومواقع على الإنترنيت رسمية وخاضعة للمراقبة من طرف أطر مسئولة ومتخصصة.
II. من حيث الإطار الموازي:
منذ مدة زمنية غير يسيرة، بدأت تلوح في فضاء منظومة التوجيه التربوي مجموعة من الأنشطة ذات الطابع غير الرسمي، تشرف عليها أطراف وجهات غير رسمية، تتدخل إزاء التلاميذ بمختلف الطرق والوسائل، بشكل مباشر أو غير مباشر، باعتماد وسائلها الخاصة، وانتهاج أساليبها الخاصة، نعرضها من خلال الفقرات التالية:
1. ملتقيات الإعلام والتوجيه:
بناء على دارسة وتشاور، وفي إطار قصور وسائل وأدوات الإعلام المدرسي والمهني والجامعي، ومحدودية انتشارها وفعاليتها، وبهدف نشر المعلومات على أكبر نطاق في صفوف أكبر عدد ممكن من التلاميذ وأولياء أمورهم، أكد، أطر التوجيه التربوي، منذ انطلاق هذا النوع من التظاهرات التربوية، أهمية ملتقيات الإعلام والتوجيه، فشرعت في تنظيمها فروع الجمعية المغربية لأطر التوجيه والتخطيط التربوي على الصعيد الجهوي والإقليمي، في شكل مهرجانات سنوية ذات طابع إشعاعي، تتطلب طاقات وجهودا، وتستنفر موارد مادية وبشرية أياما وشهورا، فتعددت الصيغ والأطراف، وصدرت نصوص تنظيمية، ورصدت مبالغ مالية، وبدأت تبرم شراكات، فتكاثرت وتنوعت الملتقيات، وتشعبت الأهداف والغايات، وزاغت عن مسارها الخدمات، سواء عن قصد أو عن قصد المشرفين والمنظمين، فاتخذ أغلب التلاميذ مواقف عبروا عنها، وصرحوا باندهاش بعدم اقتناعهم بخدمات مسترسلة، متسائلين ما عسى لقاء محدودا زمانا تحقيقه؟ فأضحت تلك الأيام نزهة ولقاءات عابرة، تقل أو تكثر أعداد روادها دون اكتراث بوجباتها التي أضحت في المتناول، فأصبحت هذه الملتقيات تفقد بريقها وأدوارها، وعاد التلاميذ إلى جهات أخرى وبدائل، وعاد أطر التوجيه يركزون على أهمية العمل المباشر والمستمر، بإشراك جميع الأطراف والمتدخلين والشركاء الداخليين والخارجيين، باستغلال فضاءات الإعلام والمساعدة على التوجيه والبنيات الرسمية، وحضور التلاميذ أبوابا مفتوحة تنظمها مؤسسات دراسية وتكوينية، وباعتماد جميع الوسائل والأدوات والمناهج من دعائم إعلامية ومواقع ولقاءات تربوية مؤطرة ورسمية.
2. متدخلون موازون:
برزت فجأة على الساحة التربوية والتكوينية، وفي مجال التوجيه التربوي، ولأسباب وعوامل متنوعة ومتشعبة، أطراف وجهات متعددة موازية، فرادى وجماعات، تستقطب التلاميذ وتثير اهتمامهم بتنوع الخدمات وباستعمال وسائل وأدوات مختلفة، من ملتقيات مغرية يتلقى التلاميذ خلالها معلومات حول مدارس ومؤسسات، يتساءلون حولها مباشرة بعد زيارتهم هذه الملتقيات، ومواقع جذابة ومتعددة الوجبات، من إعلام، وتوجيه، ودروس، وتمارين، ونصائح، ومؤازرة سيكولوجية وتربوية، وخدمات متنوعة تشد اهتمام التلاميذ الذين يقبلون عليها، ودعائم ودلائل إعلامية تثير تساؤلات التلاميذ، يقبلون عليها لعدة أسباب، يجذبهم إليها الفراغ والدعاية والحاجة، يتخذونها كملاذ، وفق ما يحدث بخصوص الدروس الخصوصية المؤداة، التي غزت صفوف التلاميذ موازاة مع الأعمال الرسمية لمدرسيهم، فيجدون أنفسهم تتقاذفهم أمواج الطرائق البيداغوجية المتعارضة أحيانا، التي قد تؤثر على مردوديتهم المدرسية.
III. الآثار التربوية والنفسية:
لقد غزت التكنولوجيا الحديثة الإلكترونية والإعلاميائية الهويات والثقافات واخترقت العقول، وأصبحت حيازة جهاز تواصل، حاسوب أو هاتف نقال أو لوحة إلكترونية، في المتناول، إما بدافع الحاجة والمصلحة، وإما بدافع التنافس والتباهي والعبث. وقد أضحى التلاميذ يتهافتون على اقتناء هذه الأجهزة الإلكترونية واستعمالها في كل الأمكنة والفضاءات المدرسية، محدثين بذلك خروقات واضحة في القانون الداخلي للمؤسسة، ومتحدين الأطقم الإدارية والتربوية، ومعرقلين السير العادي للعملية التربوية، ومؤثرين على مناخ حصص التقييم التربوي والامتحانات.
وحيث زيارة التلاميذ لمواقع متعددة على الشبكة العنكبوتية يتم بالصدف، تائهين بلا هدف، ودون إرادة، يسيرهم إبحار عشوائي في الفضاء الافتراضي، منقادين وراء السراب والنزوات، فإن وصلات الدعاية والإشهار والاستقطاب تنال منهم وتستولي على عقولهم الغضة ونضجهم اليافع، فينساقون وراء التأثير ويسقطون في حبال الشكوك والارتباكات، جراء التكرار والاجترار، وتكاثر المعلومات، وتعدد قوالب إخراجها وألوانها المثيرة وأساليب تسويقها.
وهكذا تتسرب المعلومات في صفوف التلاميذ وتنتشر، كانتشار لهيب النار في الهشيم، فيتهافتون، لمجرد دعاية أو وشاية أو إشاعة، على ملتقيات تنظمها جهات…، فيعودون نادمين والحسرة بادية على محياهم، من شدة التأثير وتضارب المؤثرات وتعارض المعلومات ونبرتها المستدرجة والمستقطِبة، متلهفين للقاء المستشار في التوجيه التربوي، الذي ينهالون عليه بأسئلة صاعقة حول ما شاهدوه وما أثار حفيظة أغلبهم. يلتجئ المستشار في التوجيه التربوي إلى أسلوب التهدئة ونفض غبار الالتباسات والغموض ورد الأمور إلى الواقع بعد جهد وطاقة.
أما استفسارات التلاميذ للمستشار في التوجيه التربوي حول محتويات مواقع إلكترونية، يطلعون عليها وتقودهم إلى الحيرة والارتباك جراء الغموض والالتباس، فكثيرة جدا ومتنوعة، تؤثر فيهم نفسيا وتربويا، وتعصف بما تلقوه رسميا، وتزرع الشكوك والارتياب في المعلومات المتوفرة لديهم بشكل رسمي وقانوني.
يحدث هذا في مجال التوجيه التربوي، كما يحدث تماما بخصوص تمارين محلولة، ونصوص منقولة، جاهزة للاستعمال بجرة النسخ واللصق والطبع، دون معرفة المحتوى، ولا فهم أبعاده، ولا استيعاب مغازيه وأهدافه، فيرتبك التلاميذ بعد توجيه الأطر التربوية ملاحظاتهم، وتنديدهم بممارسات لا تمت للفعل التربوي بصلة.
ولجر التلميذ(ة) للبقاء مدة أطول مرتبطا بصفحات موقع ما، يتم دعم المكتوب والمقروء بوصلات صور وأصوات تشد انتباهه، على شاكلة مقاطع من فيلم وأغنية محبوكة الإخراج، تؤثر في التلميذ(ة)، وتثير في دواخله هواجس الهوس، جراء عسر فهم محتوى الرسالة الذي يخيم عليه كثير من الغموض، وأحيانا التناقض واستعمال خطابات مزيج وخليط من المفردات العربية والدارجة والفرنسية، قد لا تطابق القاموس اللغوي للتلميذ(ة)، فيصاب بالخيبة والإحباط من وطأة السلبيات التي يجنيها، بعد أوقات ضاعت، وطاقات أهدرت.
IV. نحو تقنين ومراقبة أعمال الفاعلين والمتدخلين في مجال التوجيه التربوي:
من أجل وضع رهن إشارة التلميذ(ة) إعلام مدرسي ومهني وجامعي تربوي وموثوق به، تبدو، في اعتقادنا، المقترحات التالية هادفة وذات فعالية:
· إرساء جسور التواصل المستمر والتنسيق الإجرائي بين مختلف المتدخلين والشركاء الداخليين والخارجيين الرسميين في مجال التوجيه التربوي، كل من موقعه، لمد التلاميذ بمعلومات موثوق بها، موضوعية وهادفة، وتسهيل تداولها في صفوف التلاميذ، باعتماد وسائل رسمية وفعالة ومصادق عليها من طرف السلطة التربوية ذات الصلاحية؛
· إعداد دعائم ودلائل إعلامية رسمية، ووضعها رهن إشارة التلاميذ وأولياء أمورهم، مع انطلاق الموسم الدراسي، وحثهم من طرف أطر التوجيه التربوي على استعمالها باستمرار، وإعداد أسئلتهم الاستفسارية حول مختلف الوضعيات، وطرحها على المستشار في التوجيه التربوي بانتظام خلال السنة الدراسية، من أجل مواكبة المستجدات والتحيين المستمر؛
· إحداث البوابة الوطنية للإعلام والمساعدة على التوجيه، كموقع رسمي يسهم في جميع عمليات الإعلام والتوجيه، والتأطير، والمواكبة، وحث التلاميذ على الارتباط به، والقطع مع المواقع غير الرسمية، ومنح صلاحية الإشراف عليها وتدبيرها تقنيا وتربويا إلى أطر التوجيه التربوي، من أجل وضع رهن إشارة التلاميذ إعلاما محددا وهادفا، وموضوعيا ونزيها ومساعدتهم على بلورة مشاريعهم الشخصية وتحقيق الأهداف التي يرسمونها لأنفسهم؛
· استكمال إحداث مراكز الإعلام والمساعدة على التوجيه الجهوية والإقليمية، وتعيين بها أطر التوجيه التربوي، وتجهيزها بالوسائل والأدوات اللازمة للقيام بمختلف المهام وتطويرها وتحسين الخدمات باستمرار؛
· استكمال إحداث فضاءات الإعلام والمساعدة على التوجيه بالقطاعات المدرسية للتوجيه مجهزة بمختلف الوسائل والأدوات اللازمة لقيام المستشار في التوجيه التربوي بالمهام الموكولة إليه؛
· سن قوانين وتشكيل هيئة رسمية لمراقبة المادة الإعلامية ومحتوياتها ومصادرها ومدى فعاليتها وملاءمتها للمستويات الدراسية للتلاميذ، وموصفاتهم التربوية والشخصية والثقافية؛
المراجع:
· الميثاق الوطني للتربية والتكوين، 2000، الرباط، المغرب؛
· البرنامج الاستعجالي، 2009ـ2012، الرباط، المغرب؛
· المذكرة الوزارية رقم 17 بتاريخ 17 فبراير 2010، الرباط، المغرب؛
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
Aucun commentaire