الجزائر تقود مشروع فتنة في شمال افريقيا
الموقف من قضية الصحراء المغربية الوطنية هو حجر الزاوية ووحدة القياس البارزة في تحديد طبيعة علاقات المغرب الخارجية. هذا ببساطة ما يجب ان تعيه مصر.
بقلم: حسن السوسي
أصبح نهج تخريب العلاقات بين الدول والشعوب هو المنهج المفضل لدى القيادة السياسية الجزائرية، في منطقة المغرب الكبير وشمال افريقيا وغيرهما من بقاع العالم. فبعد تصدر الصراع ضد المغرب في موضوع النزاع الإقليمي المفتعل حول الصحراء المغربية، من خلال تمويل وتسليح وإيواء عصابات جبهة البوليساريو الانفصالية، الأمر الذي شكل عقبة كأداء أمام محاولات الخروج من دوائر التوتر بين الرباط والجزائر، كما وقفت في وجه كل محاولات بناء صرح اتحاد دول المغرب العربي القائم على اتفاقية مراكش الموقعة بين الدول المغاربية الخمس منذ اكثر من ربع قرن من الزمان، ها هي ذي الجزائر تحاول توسيع دائرة تخريبها السياسي لتشمل مجمل دول شمال افريقيا.
لقد ركزت حركتها، في الشهور الأخيرة، على زرع الشقاق في العلاقات المغربية المصرية حيث جندت دبلوماسيتها، وأموالها، ودسائسها، لخدمة هذا الغرض. وقد اعتمدت مدخلا الى ذلك أداتها التقليدية في هذا المجال: قضية الصحراء المغربية، التي حاولت تسويقها بصورة مباشرة، على الأقل، الى القيادة السياسية المصرية باعتبارها قضية تصفية استعمار مزعومة. وما تنظيم لقاء بالجزائر لدعم الجبهة الانفصالية، ودعوة وفد إعلامي مصري لحضوره، والدعاية الواسعة التي قام بها هذا الوفد للأطروحات الجزائرية والانفصالية ونعت المغرب بالدولة الاستعمارية الا آخر نموذج لهذا السلوك التخريبي المفضل لدى الجزائر.
وبغض النظر عن وقوع الإعلاميين المصريين في فخ الإغراءات المادية الجزائرية المتنوعة، في هذا المجال، او كون الأطروحة الانفصالية والموقف الايجابي منها هو الذي شكل أساس توجيه الدعوات الى قائمة من الإعلاميين المصريين، فإن ما ليس قابلا للشك هو ان الخطة الجزائرية قد أتت أكلها، بسرعة، في تسميم أجواء العلاقات المغربية المصرية حيث انطلقت مظاهرها وشملت مختلف وسائل الاعلام المصرية التي لم تقتصد في مهاجمة المغرب، قيادة وشعبا، وقضية وطنية، الأمر الذي يبدو انه كان وراء سلوك القناتين المغربيتين الاولى والثانية الذي وصفته الأوساط السياسية والإعلامية المصرية بالانقلاب المغربي على القيادة السياسية المصرية الحالية.
ان هذا لا يعني ان الإعلاميين المصريين الذين ساهموا في تأليف كتاب عن البوليساريو، وهو كتاب مليء بالمواقف المؤيدة لأطروحات الانفصاليين المقرونة بالهجوم على المغرب شعبا وقيادة سياسية، كانوا سذجا او صادقين في ما ذهبوا اليه، بل انهم وضعوا أنفسهم في موقع مغرض ومناهض للشعب المغربي، دون ان يكلفوا أنفسهم عناء التفكير في كل ما يمكن ان يترتب على ذلك من خلط للأوراق وردود فعل لا أحد يمكن التكهن بها.
وفي هذا السياق، لا يمكن تبرئة مجلة روز اليوسف التي أجرت قبل مدة، مقابلة مع رئيس الجبهة الانفصالية، حيث هاجم المغرب، ونعته بكل النعوت التي ربما تكون منطبقة على مشغليه في قصر المرادية، أو في أي وكر آخر من أوكار التآمر على المغرب وقضاياه المصيرية، بل ان عبدالعزيز لم يتورع عن تهديد المغرب في أمنه واستقراره، عندما أعلن ان الجبهة الانفصالية قد تعود الى حمل السلاح وتنفيذ العمليات العسكرية الإرهابية ضد المغرب دون ان يصدر عن مجلة روز اليوسف ما يفيد بأنها مع ضرورة التعاطي السياسي مع هذا النزاع المفتعل تجنيبا للمنطقة مزيدا من أسباب التوتر والتمزق التي عطلت مسيرتها الوحدوية المنشودة من قبل ابنائها المخلصين والأوفياء لتاريخ النضال المشترك لشعوب المنطقة خاصة في مرحلة مواجهة الاستعمار الفرنسي.
ويبدو ان كل هذه الممارسات لا تعدو كونها محاولات لجر اكبر دولة عربية في شمال افريقيا الى فخ النزاع المفتوح بين المغرب والجزائر وهو فخ القضية الصحراوية والقضايا المرتبطة بها مباشرة او بصورة غير مباشرة، خاصة ان للجزائر سوابق كثيرة في هذا المجال كما كان عليه الامر مع دولة جنوب افريقيا التي انتهت الى التنكر لمختلف أواصر الكفاح التي ربطت بينها وبين المغرب، وأصبحت قوة ضاربة لا تقل خطورة عن الجزائر في مواجهة المغرب في مختلف المحافل الدولية، وليس داخل الاتحاد الأفريقي فحسب.
ويبدو ان المناوشات الإعلامية الأخيرة دليل على وجود سوء تفاهم في العلاقات المغربية المصرية، على أقل تقدير. وقد تكون مقدمة لانحدار العلاقات بين البلدين الى مستوى الصراع المفتوح بينهما سياسيا ما لم يتم تدارك الأمور قبل فوات الأوان، وهو ما سيشكل خدمة صافية ومجانية لأعداء تطبيع العلاقات بين دول وشعوب شمال افريقيا باعتبارها حجر الزاوية الاستراتيجية في علاقات شمال جنوب، وجنوب جنوب على حد سواء، خاصة امام الفوضى السياسية والاستراتيجية العارمة في ليبيا، والتي اصبحت محط قلق حقيقي ليس لدول الجوار المباشر فحسب، بل انها تهديد لكل العلاقات مع دول حوض البحر الأبيض المتوسط والدول الأوروبية بوجه عام.
ومن الواضح ان بعض الأوساط، في بعض الدول، غير مدركة، في الواقع، لطبيعة النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وموقعه ضمن التصور السيادي للمغرب. وهذا على الرغم من المواقف التي اتخذها المغرب في بعض مفاصل تطور هذا النزاع، ليس تجاه الجزائر فحسب، بل أيضاً تجاه الأمانة العامة للأمم المتحدة، وتجاه المبعوث الخاص للامين العام بان كي مون الى الصحراء كريستوفر روس عندما تجاوز حدود وظيفته، ودفع باتجاه تغيير مهمة بعثة الامم المتحدة لمراقبة وقف اطلاق النار، المينورسو، لتشمل مراقبة حقوق الانسان في الأقاليم الجنوبية المغربية، وهو ما اعتبره المغرب محاولة غير مقبولة للتدخل في شؤونه الداخلية، والطعن في سيادته على كل أراضيه الوطنية، وكذلك الموقف من المشروع الذي تقدمت به واشنطن بخصوص هذه البعثة ذاتها، وهو ما أدى الى أزمات متتالية بين المغرب وبين مختلف تلك الجهات، كان فيها للموقف الصلب الذي عبرت عنه قيادة البلاد، ومختلف قوى الشعب الحية، الدور الحاسم في سحب تلك المشاريع، والاستماع لصوت العقل، ولو الى حين. ذلك ان المغرب يدرك، تماماً، ان خصوم وحدته الترابية والوطنية، وأعداء استقراره السياسي وتنميته لن يتوقفوا عن محاولاتهم في النيل من مصالح المغرب على هذا المستوى.
غير ان التطورات الأخيرة في الموقف المغربي في التعاطي مع مشاريع تشويه نضاله الوطني ومساعيه السياسية السلمية، لإيجاد حل للنزاع المفتعل حول الصحراء، على قاعدة خطة الحكم الذاتي الموسع تحمل رسالة واضحة الى كل من يهمهم الأمر، ان المغرب لن يتساهل مع اي كان، في هذا المجال، ولو أدى ذلك الى إعادة خلط الأوراق السياسية والدبلوماسية بطريقة لا يتوقع حدودها ومداها أي كان، على اعتبار ان الموقف من القضية الوطنية هو حجر الزاوية، ووحدة القياس البارزة، في تحديد طبيعة علاقات المغرب الخارجية، خاصة مع دول الجوار القريب والمحيط الإقليمي الذي يعتبر القاعدة الخلفية للأمن الاستراتيجي للبلاد.
ميدل ايست أونلاين
Aucun commentaire