نقطة نظام و نقط على الحروف في المسالة المدرسية والعدوان على المدرس
أولا شكرا لفريق وجدة سيتي لمساهمتهم و دورهم في ممارسة دور السلطة الرابعة .
نسجل ثانيا أن الدنيا قامت و لم تقعد ،و الأرض التي نمشي عليها زلزلت،وأخرجت الصدور أثقالها من الحقد و الضغينة و الاحتقار و الظلم و المكر و الخديعة و التآمر،في شان ذلك المدرس الذي (أهان) التلميذة الطفلة عندما عجزت عن كتابة الرقم 5على السبورة المتآكلة بفعل الزمن و العمل.
أخرجت الصدور المغلة و الحاقدة كل مكنوناتها من أساليب الاحتقار و الاهانة و السب وبعضهم دعا إلى إعدامه في الساحة العمومية حتى يكون عبرة لمن لا يعتبر.ودعوات أخرى تنادي إلى فصله عن عمله،بل إلى حبسه.
و سلطت كل أشكال الاتهامات المغرضة من الآباء و الأمهات و الشباب و الفاشلين في دراستهم،ومن بعض الأطباء وبعض الجمعيات،كلها تنادي بالقصاص من المدرس(المجرم) في نظرهم.
و طبعا كانت النتيجة أن تدخل وزير التربية الوطنية شخصيا ليصدر الأمر بتوقيف المدرس الذي انهالت عليه اللعنات من كل حدب وصوب ،رغم نداءات الاستغاثة بالصوت و الصورة و الكلمة الصادرة منه، تستعطف الأقلام الجاحدة أن يرأفوا لحاله. كل مشكلته أن هاتفه سرق منه يحمل ذلك المقطع لتلميذة لها صعوبات ذهنية(كان من المفروض أن لا تدرس مع تلاميذ طبيعيين بل مع تلاميذ ذوي احتياجات خاصة).امتلآ قلبه حزنا و كمدا على أناس لا وجود لذرة رحمة في قلوبهم.وعرض عليهم كل مشاكله الاجتماعية و المالية و الإدارية والمدة الزمنية التي قضاها في التعليم(33)سنة،وانه كان يدرس مدة من الزمن في القسم السادس ،وتلك السنة انزل إلى القسم الأول.
و انضم إلى الفريق الناعق مجموعة من المدرسين و المدرسات ،كل واحد يستعرض ألف ليلة و ليلة في التدريس ،و يصورون أنفسهم أنبياء القرن 21،وملائكة الرحمن المنزلة في ليلة القدر.يكيلون لصديقهم المكائد و ييملاون صدور الناس عليه حقدا وكراهية.رغم استعطافه:(يا إخوتي ارحموني من هجماتكم وعدوانكم)
المجتمع يعادي المدرس و يريد لأبنائه النقط المرتفعة بدون استحقاق.ونعته للمدرس بشتى النعوت المحقرة…ووضعوا كل المدرسين و المدرسات في سلة واحدة: إنهم جماعة من المتهاونين و الغشاشين و المبتزين للتلاميذ (بالدروس الخصوصية و دروس الدعم الخارجي) و آكلي أموال الشعب بالباطل.و الذين يستعملون كل أساليب الشتم و السب و القدح و العقاب و المكر للإيقاع بالمتعلمين (ذكورا و إناثا)،ويمارسون شذوذهم النفسي و الجنسي و العقلي على الأطفال،و جماعة من الأميين و الجهلة الذين لا يطالعون. كل هذا و أكثر من ذلك.
وان من الظلم أن يعمم الافتراء على الجميع،وان يعم البلاء و الابتلاء على الصالح و الفاسد.
ونعلم علم اليقين أن القاعدة الرياضية و اللغوية و العلمية و الاجتماعية تخضع لمبدأ الاستثناء.فكل قاعدة عامة تعتبر خاطئة،إذا لم تأخذ بعين الاعتبار الاستثناء.وكما قيل الاستثناء لا يلغي القاعدة بل يثبتها.فالله خلق الكون فيه النور و الظلام،و الخير و الشر، و الجن و الإنس،والملائكة و الشياطين،و الجنة و النار…فهل من الحق و العدل أن نقول أن كل الناس طيبون؟و كل الناس متخلقون ؟وكلهم متدينون؟و كلهم صالحون؟؟؟ و هل كل الناس شياطين؟و كلهم قساة و جبابرة؟و كلهم ظالمون معتدون؟؟؟ كلهم جاهلون مغفلون؟؟
عندما يعتدى على مدرس قلما نسمع بالأصوات المنددة،أو من يعلن عنه أو من يكتب موضوعا يؤازره،ولكن عندما تصاب تلميذة في أصقاع البلاد وفي زاوية منسية من الجغرافيا،ترى حتى الكلاب تبدأ بالنباح،وتقام القيامة قبل موعدها، وتبدأ الاحتجاجات،و الشعارات و اللافتات و المداولات و الاجتماعات، كلها تدعو إلى الانتقام من المدرس المعتدي، الظالم، المتحرش،الغشاش،المبتز……..
لا ننسى تلك المدرسة الأستاذة التي جعلتها الظروف أن تكون مدرسة.الوظائف في بلادي لا تختار و لا نختارها،بل الظروف هي التي تسوقنا إليها.فكل دابة إلا وعلى الله رزقها.انك تجد نفسك مدرسا،ويحاول الكثير منا التأقلم مع هذه الوضعية ،ويحاول أن يتعرف على أسرارها، بالدراسة و المطالعة في كتب التربية قديمها و حديثها،و الاستماع إلى الندوات و المحاضرات ، و مراكمة التجارب ،و الاحتكاك بالسابقين….إلى أن تصل إلى حب المهنة و التفاني و الفناء فيها،وتذوب شخصيتك الحقيقية فيها.و تصبح متعبدا في محرابها و عابدا لها،كراهب متصوف و متأمل فيها وفي أهدافها و مراميها.
ومع الأيام تسمع همسات و همزات و لمزات، من هنا و هناك،تنال من التدريس و المدرسة و المدرسين.من أهل الدار من بعض الإداريين و بعض المفتشين.ومن خارجها من بعض الآباء و الأمهات و في الحافلات و الأسواق و المقاهي و الطرقات وحتى المساجد لا تخلو من هذا.كلها تدين المدرس في شرفه و كرامته و كبريائه و كل شيء جميل إنساني فيه و لديه.و منها من ينعته بالجاهل و الأمي الذي لم يقرا كتابا في حياته.رغم أن حياتنا ويقظتنا وخبزنا من المطالعة و الكتب و المراجع.فالعلم مشتق من التعليم و المعلم.
الاستاذة تعرضت يومه الثلاثاء 09ديسمبر 2014لاعتداء مباغت وهي تخرج من المدرسة بعد أربع ساعات متواصلة من العمل وهي تتعايش ككل الموظفين المرهقين بسنين العمل الطويلة في الليل و النهار مع أمراض تسكن الذات و تستوطن فيها و لا تفارقها إلا بمفارقة الحياة..فبعد الانتهاء من العمل الرسمي يبدأ العمل التحضيري للغد. هذه حياة المدرس مع عمله.
انقضت التلميذة على المدرسة انقضاض الأسود على فرائسها.ولولا تدخل بعض التلاميذ الذكور لحماية مدرستهم،لكانت الأستاذة في العالم الآخر.فهل فكرت التلميذة في عواقب أعمالها؟هل بلغ الجحود و العقوق درجة الاعتداء على من جعل الله المعلم في مرتبة الأنبياء؟
التلميذة اعتدت انتقاما. و هي الآن تفتخر بانجازها البطولي على امرأة في سن أمها.أليس هذا هو العقوق الذي قال عنه الرسول الكريم. التلميذة اجتازت في العام الماضي امتحان الباكلوريا،وكانت المدرسة من بين الحارسات .و أمسكتها متلبسة في مهمة النقل و الغش في الامتحان.مستعملة الهاتف النقال منه تتلقى الإجابات. قامت المدرسة بواجب التبليغ عن الحادث للإدارة و بالإجراءات الإدارية المعمول بها.(إدارة ثانوية زيري بن عطية).
رغم أن القانون واضح وضوح الشمس و الضياء،و صريح لا لبس فيه:أن المتلبس في حالة الغش و النقل ،يمنع من إجراء الامتحان مدة خمس سنوات ،الا أن التلميذة رجعت إلى الدراسة،بقدرة قادر، كمكررة للسنة و ليس كمطرودة.
فأي قانون ذاك الذي لا يساوي بين المواطنين؟و يجعله ينطبق و يطبق على الذين لا ظل لهم ولا مظلة؟أي قانون الذي يصاب بالشلل عندما يكون بعض أعالي القوم هم المخترقون له؟ لماذا هذا القانون الأعمى لا يبصرالا عندما يكون الضعفاء هم من في مصيدته؟؟أي قيمة لقانون لا يساوي بين الفقير الغني؟أي قانون الذي لا يعدل بين الناس و لا ينشد العدل؟ و قد قيل العدل أساس الملك.فأي ملك و أي عدل؟؟؟
و تساءل العقلاء هل بهذا الاعتداء على المدرسة و المدرسة نعطي مصداقية لتعليمنا؟و لمدارسنا و لشواهدها العلمية؟ هل بهذا الاعتداء اللامبرر الحقود على رجال التعليم نحترم إنسانيتهم؟و لجهودهم؟و مصداقيتهم في الحراسة و العمل؟ ونكران الذات؟ هل بهذا العمل السافل و التافه نجازي من كان سببا في تعلمنا القراءة و الكتابة و الحساب ،أي أبجدية التعلم؟؟؟
هل المجتمع أعمى البصر و البصيرة إلى الحد الذي يدعو إلى التسامح مع الغشاشين؟الغشاشون الذين يضعون أنفسهم فوق القانون.لان هناك من يقوم بحمايتهم و الدفاع عنهم،ومن دوائر مختلفة..؟هل وزارة التعليم مستعدة و كل الاستعداد لمعاقبة المدرس فقط؟ و المجتمع الذي يخطئ في الحقوق و الأحكام،حتى هو أيضا؟؟لماذا لا تكون الوزارة مستعدة لتطهير الأقسام من العناصر المفسدة من المشاغبين؟؟ و الفوضويين؟؟ و اللالمبالين؟لماذا لا تساعد المدرس بطاقم طبي تحال عليه الظواهر الشاذة من التلاميذ؟لماذا يكون المدرس هو المستهدف في كرامته و جسده و مهنته؟؟ و أسئلة لا تنتهي بانتهاء الكتابة…
هي أسئلة تؤرقنا و تجعلنا نضع نقطة نظام، و النقط على الحروف، و تضعنا أمام مجتمع لا يرى أن التقدم يأتي من المدرسة، و أن التطور و التحضر يأتي من العلم.وان المكان الوحيد للعلم و المعرفة هو المدرسة؟
لماذا نثمن عمل رجل السلطة لأنه رجل السلطة و السلطان و القوة بينما نقوض من دعائم الفكر و العقل و الأخلاق والإيثار و المساعدة،وهي قيم لا وجود لها إلا في محراب المدرسة .الم يقل الرسول الذي بعث إلينا نحن معشر المسلمين(إنما بعثت معلما).
أخيرا أسجل بامتعاض وحزن لا أول له ولا نهاية، أن المجتمع الذي يحتقر العلم و التعلم و المكان الذي يشع منه العلماء و يتوج المال و السلطة و القوة هو مجتمع بعيد عن الحق و الحقيقة و العدل و الخير.
نورالدين صايم
Aucun commentaire