الجهوية المتقدمة في قلب النقاش البرلماني
الجهوية المتقدمة في قلب النقاش البرلماني
يوسف الصدقي
باحث في مجال العلاقات الدولية
مركز الدكتوراه وجدة
دخل البرلمان دورته الجديدة بتحديات جديدة، مجموعة من القضايا والملفات تنتظر المشرع المغربي يبقى أهماها الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ومشروع الجهوية المتقدمة.
مجموعة من النقاط الساخنة تنتظر الفرقاء السياسيين، فهناك نقاش حاد حول تركيبة وعدد مجلس المستشارين، فالغرفة الغير مفعلة دستوريا لغاية يومنا هذا، كما ان هناك نقاش حاد يهم الجهوية المتقدمة، والتي ترتبط في مسارها ومصيرها بما سيؤول له مصير الانتخابات الجماعية القادمة.
فحسب الجدولة الزمنية العامة للاستحقاقات المقبلة التي كان قد أعلن عنها رئيس الحكومة بمجلس النواب في الدورة التشريعية المنتهية، فإن هذه المحطة ستبدأ بانتخابات ممثلي المأجورين في شهر ماي 2015، وانتخابات المجالس الجماعية والجهوية في شهر يونيو 2015، وانتخابات الغرف المهنية في شهر يوليوز 2015 وانتخابات مجالس العمالات والأقاليم في شهر غشت 2015 على أن يتم انتخاب مجلس المستشارين في شهر شتنبر 2015 .
إن الرقي بالجهة لا يعتبر فقط تكريس لمبدأ اللامركزية، بل من شأنه كذلك أن يفتح آفاق جديدة لنمو الجهة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، كما أنه وسيلة لفتح آفاق شراكة دولية للجهات تمنحها فرص استغلال جيد لطاقاتها المحلية.
فالتعاون اللامركزي سواء المحلي عبر تعاون الجهات أو الدولي بإبرام اتفاقيات دولية، من بين أهم ملامح التحولات الديموقراطية، وقنطرة عبور نحو تخفيف العبء عن الدولة التي أصبحت تتراجع عن أداء وظائفها الاجتماعية والاقتصادية، وفتح المجال أمام المقاولات، واقتصاد السوق والفاعلين الاقتصاديين… نظرا للعجز المالي الذي أصبح يواجه الدولة وبعض جماعاتها الترابية، وضعف خبراتها في مجال التدبير والتسيير، لدى تم اللجوء إلى التعاون كآلية لتنمية قدرات الجماعات الترابية عن طريق الاستفادة من الخبرات الأجنبية والمحلية.
فالمشرع المغربي خلال الدورة البرلمانية الجديدة لا يجب أن يغفل عن هذا المعطى الحيوي، مع ضرورة استشارة أساتذة وأكاديميين والابتعاد عن الصراعات السياسية الضيقة والتعامل بمنطق رابح ـ رابح.
إذا كانت الدبلوماسية الاقتصادية تهتم بتفاصيل الحياة داخل المجتمع، فهذا يفرض إعطاء أهمية لأدوار الجماعات المحلية وتقويتها، وهذا لا ينطبق فقط على الدول الفدرالية كالولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، البرازيل، بلجيكا، إسبانيا، لكن يمتد للدول الغير الفدرالية كفرنسا والمغرب وذلك لتقوية جماعاتها المحلية وبالتالي يمكن فهم سبب تقوية اللاتمركز واللامركزية والذهاب نحو تثبيت الجهوية الموسعة، ولنا في فرنسا وإجراءاتها مثال حي على ذلك[1].
إن التعاملات المالية والجمركية والسياسة الماكرو اقتصادية أقل عرضة للتوزيع والتقطيع اللامركزي لأنها وفي جل المناطق تعرف التمركز. لكن على العكس من ذلك، فالبحث عن مستثمرين أجانب مسألة أضحت تهم المالية الجماعية، ونلاحظ ذلك فيما يخص صفقات التدبير المفوض مع الشركات الأجنبية في مجال النظافة، النقل، الماء والكهرباء.
إن ورش بناء الجهوية المتقدمة بالمغرب يجعل المشرع المغربي أمام محك حقيقي في هذا المجال، خصوصا مع تعاظم الاستثمارات الأجنبية داخل الجماعات وتفرع نشاطها في الوقت الذي تترك فيه الإدارة المركزية فرص تدبير الشأن المحلي للمجالس الجماعية.
كخلاصة نلاحظ، أنه داخل العلاقة التي كانت فيما قبل تجمع السلطات الوطنية بأخرى أجنبية، نشأت خلية من المستشارين والمتعاونين المنخرطين سواء بالوزارات المركزية أو فروعها المحلية، كما أن هناك خبراء ومنظمات مختصة وجمعيات مختلفة والتي لا تكتفي بالتواصل فيما بينها في المؤتمرات الدولية ولكن تربطها كذلك اتفاقيات في جميع الميادين وعبر كل أجهزتها ومكاتبها وموظفيها. فالعامل التقني جعل أجهزة الدبلوماسية وتسلسلها الإداري بعيدة عن احتكار تمثيلها من قبل أجهزة الدولة الرسمية المركزية.
وفي هذا الصدد، سبق للسيد عبد الاله ابن كيران رئيس الحكومة المغربي، ترأس اجتماع مع الاحزاب السياسية في يونيو الماضي بشأن الاعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، ضم أمناء ورؤساء الأحزاب السياسية الوطنية، تم خلاله استعراض التصور العام للإعداد للاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
وقد تم عرض مشروع القانون التنظيمي للجهة وما يتعلق بالديمقراطية التشاركية، لكن أحزاب المعارضة أصدرت مذكرة مشتركة عبرت فيها عن رفضها للمشروع. واعتبرت أن « ليس فيه ما يؤشر على أننا إزاء خيار جهوي يقدم مدخلا مناسبا لتحرير الطاقات ورد الاعتبار للنخب المحلية، وتقديم نموذج جديد للتنمية مبني على محددات القرب والتشخيص الدقيق لحاجات كل مجال ترابي على حدة« .
مؤشرات توحي بمخاض تشريعي عسير قد يعتبر الكثير مؤشرا صحيا للعمل الديموقراطي، لكن الأهم هو ما سيتولد عن هذا المخاض!
Aucun commentaire